< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

39/03/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع/ وحدة رأس السنة للأرباح المتعددة/ خمس ارباح المكاسب/ كتاب الخمس

مسألة (56): اذا كان له انواع من الاكتساب والاستفادة – كأن يكون له رأس مال يتّجر به وخان يؤجره وارض يزرعها، وعمل يد مثل الكتابة أو الخياطة أو التجارة أو نحو ذلك – يلاحظ في آخر السنة ما إستفادهُ من المجموع من حيث المجموع، فيجب عليه خمس ما حصل منها، بعد خروج مؤنته(1).

1)ان المستفاد من الآية القرآنية[1] وكذا من الروايات الدالّة على انّ الخمس في كل ربح وفي كل ما افاد الناس من قليل أو كثير هو الحكم الإنحلالي، فكل ربح وفائدة يكون موضوعاً مستقلاً لوجوب الخمس كما هو الحال في المعادن والكنوز والغنيمة، فلا استثناء لمؤنة السنة، بل يجب التخميس فوراً بعد مؤنة تحصيله، ولكن دلّ دليل على استثناء مؤنة السنة في أرباح المكاسب كما دلّ على اخراج مؤنة تحصيل الربح، وهذا الدليل أوجب التقييد في الوجوب التكليفي إرفاقاً، فلا يجب البدار الى اخراج الخمس من الربح أوّل ظهوره، بل له التأخير ريثما يُصرف منه في مؤنة السنة، وحينئذٍ يقيّد وجوب اخراج الخمس بعدم صرف الربح في مؤنة السنة.

اذن هذه المسألة تتعرّض الى المؤنة السنوية التي تستثنى منها مؤنة تحصيلها فقط، فهل تستثنى المؤنة من مجموع ارباح السنة ام ان مؤنة كل قطعة من السنة تستثنى من ارباح تلك القطعة الخاصة؟

نعم هناك بحث آخر «لعلّه يأتي» وهو ان خسارة كل تجارة تختص بها، ام في استثناء السنة تُتدارك خسارة كل تجارة من المجموع.

امّا البحث الاول: فهل الارباح المتدّرجة خلال السنة التي يجعلها الانسان له يضمّ بعضها الى بعض ويلاحظ مجموع الارباح ربحاً واحداً، وتُستثنى منه المؤن المصروفة في السنة؟ او أنّ كل ربح يلاحظ لوحده وله سنة تخصّه، فانْ صرف في مؤنة السنة المتعلّقة به فلا شيء عليه والاّ خمّس الزائد بعد انتهاء سنة هذا الربح من غير ملاحظة الاتحاد والانضمام؟ فيجعل له دفتراً ويُسجّل ارباحه المتتالية ويستخرج مؤنته المتأخرة من الربح المتقدّم عليها؟

ذهب صاحب العروة وصاحب الدروس[2] والحدائق[3] والمشهور قدس سرهم الى القول الأوّل وذهب الشهيد الثاني [4] وغيره الى القول الثاني وتظهر الثمرة بين القولين في موردين.

المورد الاول: في المؤن المصروفة بين الربحين، فلو ربح في اول محرم الحرام عشرة دنانير وربح في اول رجب ثلاثين ديناراً وصرف ما بينهما في مؤنته عشرين ديناراً، فعلى القول الاول تستثنى المؤنة كلها وهي عشرون ديناراً من المجموع، فيبقى عشرون من الربح تصرف في مؤنة ما بعد شهر رجب، فان لم يصرفها يخمّسها والخمس فيها اربعة دنانير.

وعلى القول الثاني: فان العشرين تُستثنى من الربح الاول ان كان يكفي ولا تُستثنى من الربح الذي بعدها والعشرة

دنانير التي صرفها بعد الربح الاول وزائدة عليه لا تستثنى، وحينئذٍ لو بقي الثلاثون على حالها بعد حصولها الى انتهاء السنة، وجب اخراج خمسها، فتخمّس الثلاثين من دون استثناء للمؤن السابقة عليها، فيكون خمسها ستة دنانير.

فانظر: ان القول الاول كانت النتيجة في نفع المكلّف بينما على القول الثاني كانت النتيجة في ضرر المكلّف.

وكذا تظهر الثمرة فيما ما اذا صرف على مؤنته من امواله المخمّسة قبل ظهور الربح، فعلى القول الأوّل يستثنى من الربح المتأخر اما على القول الثاني فلا يُستثنى من الربح.فالقول الاول يكون في صالح المكلّف وعلى القول الثاني في ضرره.

المورد الثاني: في تخميس الربح المتأخر وعدمه: فلو فرضنا انّه ربح في شهر محرّم عشرة دنانير وصرفها في مؤنته وهكذا في شهر صفر الى نهاية السنة، فكلّما يربح في شهر يصرفه في مونته، فصادف ان الربح في شهر ذي الحجة مائة دينار أو أُهدي له مائة دينار وصرف منها عشرة فبقي له في آخر السنة تسعون ديناراً.

فعلى القول الاول: يجب تخميس التسعين ديناراً لأنها زائدة على مجموع الارباح الملحوظة في السنة.

وعلى القول الثاني: لا يجب عليه تخميس التسعين ديناراً لأنه مسؤول عن مبدأ سنة هذا الربح وهو شهر ذي الحجة وتنتهي السنة في اول ذي الحجة القابل، فله ان يصرف التسعين ديناراً في ما بين شهري ذي الحجة في مؤنته ولا يجب اخراج خمسه الاّ في شهر ذي الحجة اذا بقي منه شيء.

وانظر: على القول الاول كان ضرراً على المكلّف، وعلى القول الثاني صار نفعاً للمكلّف. فما هو القول الصحيح؟

استدل للقول الاول (وهو قول المشهور) بعدّة أدلّة:

الأول: ان ظاهر تقييد وجوب الخمس بعد المؤنة هو استثناء المؤنة من جميع الأرباح في السنة ثم يخمّس الباقي، ففي صحيح علي بن مهزيار القائل: (فأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام)[5] فيستظهر منها ان العبرة بملاحظة ربح السنة بما هي سنة فيلاحظ مجموع الأرباح فيها وتُعدّ بمنزلة ربح واحد والمؤنة تلاحظ كذلك فتخرج من ربح السنة ويخمّس الباقي.

وبعبارة أُخرى: حينما يقول ان الغنائم والفوائد يجب تخميسها في كل عام، فهو قد نظر الى جميع الفوائد نظرة واحدة بمعنى انها جميعاً ربحاً واحداً، فاذا ثبت استثناء المؤنة من الربح يعني استثناء مؤن السنة من جميع ارباح السنة والاّ اذا قلنا ان كل ربح يستثنى منه بعد حصوله مؤنة ما بعده، فاذا حصل ربح اوّل شهر محرم يستثنى منه مؤنة ما بعده ولنفرض انه حصل على ربح بعد شهر صفر وبقي من الربح الاول شيء فما بعد شهر صفر تكون المؤنة مستثناة

من الربحين، اذن على هذا سيكون لفظ «في كل عام» في صحيحة علي بن مهزيار[6] لغواً وبلا معنى.

اذن التشكيك في دلالة هذه الصحيحة ليس صحيحاً الاّ ان هذه الطريقة الصحيحة التي دلّت عليها هذه الصحيحة لا يستفاد منها الانحصار، لأنه لو نظرنا الى الصحيحة القائلة: (فأما الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام)[7] نظرة أُخرى وهي نظرة انحلالية للأرباح فلكلّ ربح سنته، فان صرف في ضمن سنته فهو وان لم يصرف منه الاّ جزء، فبعد انتهاء سنته يجب خمس الزائد، فأيضاً يكون صحيحاً، فيكون كل ربح وفائدة موضوعاً مستقلاً لوجوب الخمس بعد استثناء مؤنته سنته.

والخلاصة: ان قوله عليه السلام «في كل عام»[8] يمكن ارجاعه الى جميع الارباح بأنْ تعدّ ربحاً واحداً، كما يمكن ارجاعه لكل ربح على حِدَة فهي صالحة للطريقة الأولى كما هي صالحة للطريقة الثانية لأن جملة (الغنائم والفوائد) هي جمع فاذا لاحظناها بأجمعها صحّت الطريقة الأُولى واذا لاحظناها على نحو الانحلال صحّت الطريقة الثانية: خصوصاً اذا علمنا ان المؤنة المستخرجة من الربح هي المؤنة المتأخرة عنه لا السابقة عليها.

ويمكن ان يقال: ان الصحيحة تريد التفريق بين الفوائد التي لا تستثنى منها مؤنة السنة كالغنيمة الحربية والكنزية والمعدنية والغوصية وبين الغنيمة والفائدة التي تستخرج منها مؤنة السنة، امّا كيف تستخرج مؤنة السنة هل يضمّ الارباح كلها بعضاً الى بعض بحيث تستثنى حتى المؤن الحاصلة قبل الربح المتجدد او لا تضمّ الارباح بعضها الى بعض بل ينظر الى كل ربح وتستثنى مؤنته الحاصلة بعده، فان بقت الى آخر سنة هذا الربح تخمّس والاّ فلا، فليست الرواية ناظرة اليه.

الثاني: السيرة المتّصلة بزمان المعصوم عليه السلام ظاهرة في انّ الخمس في كل سنة، فلا يفرّق بين الربح الحاصل في أوّل السنة أو وسطها أو آخرها.

اقول: ان ثبتت هذه السيرة فهي دليل على جواز ان يجعل سنة واحدة لكل الارباح، ويستثنى منها كل مصارفه، ولا يعيّن هذه الطريقة.

الثالث: الدليل اللبّي القائل بان الطريقة الثانية وهي ملاحظة كل ربح على حِدَة وملاحظة مؤنته على حِدَة بحيث يحدّد سنة لكل من الارباح وتستثنى المؤنة الواقعة بعده، فيه عسر وحرج على الناس في مقام الخروج عن عهدة التكليف بإجراء خمس الارباح بعد المؤنة.

وهذا الدليل استدل به النراقي في مستنده[9] كما استدل به السيد الحكيم قدس سره وقد بالغ في العسر والحرج

فقال: (ولو وجب مثل ذلك لزم الهرج والمرج)[10] .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo