< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

38/08/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : بقية الاقوال فيما لو علم المقدار وعلم المالك اجمالاً / المال الحلال المختلط بالحرام/ كتاب الخمس

تقدّم القول الأوّل في المسألة وهو ما اختاره السيد الخوئي قدس سره من وجوب الدفع الى جميع اطراف العلم الاجمالي وارضائهم وقد ناقشناه والآن نتعرض للقول الثاني في المسألة.

2ـ اجراء حكم مجهول المالك وهو التصدّق به.

اقول: هذا القول أو هذا الوجه ضعيف, لأنّه مختص بالمال المجهول المالك الذي لا يمكن إيصاله الى صاحبه بوجه

من الوجوه, أو أنّه مختص بمن يعرف المالك ولا يمكن ايصاله اليه, كما ورد فيمن وَجد في متاعه متاع غيره الذي كان معه في مكّة ولا يمكن ان يصل اليه[1] وهذا لا ينطبق على ما نحن فيه, اذ يمكن ايصال المال الى صاحبه, لانّ الشبهة محصورة, فيمكن ان يوصل المال الى صاحبه ولو بالاحتياط, أو كما قلنا يوضع المال أمامهم ويقال لهم من كان المال له فليأخذه.

اذن لا يجوز التصدّق به لأنه مال الغير ولا يجوز التصرّف فيه من دون إذنه.

القول الثالث في المسألة: أن يستخرج المالك بالقرعة, اخذاً بإطلاق أدلّتها كما هو رأي السيد الخميني قدس سره ولكنه استشكل فيه وقال بالاحتياط[2] .

وهذا القول ضعيف أيضاً: لان القرعة مختصّة بما لم يتّضح فيه التكليف الواقعي والظاهري وهنا التكليف الظاهري موجود لانه يعلم بالضمان ولكنّ المالك مردّد بين محصورين, فالعلم الاجمالي بالمالك يوجب الاحتياط بالخروج عن العهدة بإرضاء المالك المحصور بين معدودين أو كما قلنا يوضع المال أمامهم فيخرج عن الضمان لأنّه خلّى بين المال ومالكه.

القول الرابع في المسألة: أنْ يوزّع المقدار على العدد المحصور بالسويّة استناداً الى القاعدة القائلة بالعدل والانصاف التي جرت عليها سيرة العقلاء في كل مال مردّد بين اشخاص من غير مرجّح في البين.

أقول:

1ـ ان صاحب العروة قدس سره اختار هذا القول الرابع وقد اشكل عليه السيد الخوئي قدس سره فقال: اختيار صاحب العروة هنا ينافي ما تقدّم منه في باب الزكاة حيث قال: لو علم باشتغال ذمته بمال مردّد بين الخمس والزكاة, ويجب عليه الاحتياط بالخروج عن العهدة على وجه اليقين[3] [4] .

وقد تقدّم منّا هذا الاشكال حيث قلنا انّ في الزكاة والخمس (حقّ السادة) يُوجد وجوبان:

الأوّل: ان الجهة هي المالكة للزكاة أو لحقّ السادة وليس الافراد فمحل الوجوب هو الجهة.

الثاني: يجب على المالك صرف هذه الزكاة أو حقّ السادات وهذا واجب لآخر يتوقّف امتثاله على التمليك لمن ينطبق عليه الخمس أو الزكاة فاذا كان هذا الواجب مردداً بين شخصين, الاول فقير غير سيد والثاني فقير سيد فيجب الاحتياط للخروج عن عهدة التكليف الثاني بتمليك كلٍّ منها, وامّا اذا تمكّن مَن عليه أحد الواجبين ان يعطيه للحاكم الشرعي الذي هو ولي الطرفين فلا يجب الاحتياط.

اما ما نحن فيه فالموجود هو مال خارجي لمالك لا نعرفه فيجب اداؤه الى صاحبه فهو تكليف واحد لا يجب فيه

التمليك بل يجب التخليّة بين المال وصاحبه بان يوضع امامه فقط وهنا يتمكّن الضمان من وضع المال أمام هؤلاء الذين نعلم اجمالاً ان المال لاحدهم ونقول لهم من كان هذا المال له فليأخذه فنخرج عن الضامن فلا يجب الاحتياط.

2ـ وممّا اشكال به السيد الخوئي قدس سره على صاحب العروة قدس سره هو ان السيرة لم تثبت على هذه القاعدة – قاعدة العدل والانصاف – ولم تثبت عليها سيرة متشرعيّة أو شرعيّة نعم وردت روايات في الدرهم الودعي اي الدرهم التالف عند الودعي المردّد بين كونه لصاحب الدرهم أو لصاحب الدرهمين, فهنا حكم بتنصيف احد الدرهمين[5]

وكذا ورد النص فيما لو تخاصم شخصان مالاً وأقام كلُّ منهما البيّنة على أنّه له, فهنا قال النص يخلطان ويقسّم بينهما نصفين[6] ولكن لا يمكن التعدّي من هذين الموردين الى ما نحن فيه[7] [8] .

اقول: اذا وضع الضامن المال امامهم وقال من كان له المال فليأخذه فسوف تكون منازعة بينهم فلو لم يتمكّن كل منهم من ان يقيم بيّنة له فانّ الحاكم سوف يقسم المال بينهم بالسوية وهو قول صاحب العروة قدس سره ويدخل في التنازع الذي هو منصوص وما قاله السيد الخوئي قدس سره من ان موردنا ليس منصوصاً فغير صحيح بل هو منصوص في باب الامانات أو عدم الغصب الذي لا ضمان فيه فاذا تعدّينا من المنصوص الى باب الغصب والضمان فهو تعدٍّ باطل, لأنّ الضامن للمال الى صاحبه اذا وضع المال امام من يعلم ان المال لأحدهم وتنازع هؤلاء فيما بينهم ولا بينّة لهم فان الحاكم سوف يقسّم المال بينهم وحينئذٍ سيكون الضامن مسؤولاً عن عدم وصول صاحب الحق الى حقّه كاملاً فيجب عليه ان يكمّل مال صاحب المال الذي لم يصله كاملاً وبما انه غير معروف, بل معروف اجمالاً فيجب عليه ان يدفع لكل واحد من كيسه ليكمّل المال حتى يخرج من الضمان هكذا قد يقال.

فنقول في جوابه: ان فوات النصف أو شيء من المال على صاحب المال لم يكن بسبب الغاصب حتى يكون ضامناً للنقص فان الغاصب وضع المال امام صاحبه حيث خلّى بين المال وصاحبه وهذا هو الضمان المسؤول عنه الغاصب ليس إلاّ, أمّا تقسيم المال فهو حكم الحاكم فلا يكون الضامن مسؤولاً عن ذلك النقص الذي حصل من التقسيم الذي كان بسبب حكم الحاكم.

اذن الصحيح ما ذهب اليه صاحب العروة قدس سره خلافاً للسيد الخوئي قدس سره الذي قال بالاحتياط وارضاء الجميع وخلافاً لمن قال بالتصدّق وجعل حكمه حكم مجهول المالك وخلافاً لمن قال بالقرعة.

الاّ اننا نقول: ان الغاصب يجب عليه التخلية بين المال ومالكه الواقعي وهو مردّد بين جماعة (علم اجمالي) ولكن هؤلاء الجماعة ان تنازعوا فيما بينهم ولا دليل لكل واحد منهم على ان المال له فالحاكم الشرعي عند التنازع يقسّم

المال بينهم وليست القسمة تكون من قبل الغاصب, فلاحظ الإختلاف بين ما قال صاحب العروة وما انتهى اليه الرأي المختار.

اقول: قد يخصّص هذا القول بما اذا كان التقسيم وحصّة كل واحد منهم ليست ضئيلة بحيث لا تكون لتلك الحصّة ماليّة عرفاً كما اذا كان بذّمتي أو حتى اذا كانت العين الخارجية عبارة عن مائة فلسٍ مردّدة بين مائة فهنا اذا قسّم عليهم لا يصدق ايصال المال الى صاحبه ولو مجازاً فننتقل الى التصدق.

ولكن الجواب: ان الضامن قد اوصل المال الى صاحبه حقيقة الاّ ان التنازع وحكم الحاكم أوجب ان يحصل كل واحد منهم على حصّة ضئيلة وهي فلس كما في المثال.

ملحوظة: تقدّم منا في الاصول: انه اذا دار الامر بين محذورين (الواجب والحرام) كما اذا كان مال اعلم انه امّا لزيد أو لعمرو, فانْ كان لزيد وجب اعطاؤه اليه وحرُم اعطاؤه لعمرو وان كان لعمرو فكذلك, فهنا قلنا بالتخيير العقلي القهري فلماذا لم يأت هذا الكلام هنا؟!

والجواب: ان ذاك في المال الحلال ( الامانة أو الوصية) الذي قد وصل الى يدي ولا اعلم انه لفلان أو فلان امّا هنا فالكلام في المال الحرام المختلط بالحلال وقد وصل اليّ أو حدث في يدي فالموضوع مختلف لذلك الحكم يختلف أيضاً.

 


[3] المستند في شرح العروة الوثقى، للسید الخوئي، ج25، ص151.
[5] وسائل الشيعة، للحر العاملي، باب11 من الصلح.
[6] وسائل الشيعة، للحر العاملي، باب12 من كيفية الحكم، ح2.
[7] المستند في شرح العروة الوثقى، للسيد الخوئي، ج25، ص151.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo