< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

38/05/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع/ حكم ما لو خرج ما في البحر من الجواهر بغير غوص بل بنفسه/ خمس الغوص / كتاب الخمس

اختصار الدرس السابق:

تعرضنا سابقاً الى ان الغوص يشترط في وجوب الخمس فيه فوراً ان بلغ النصاب وخلاصة ما تقدم ان هناك ثلاثة اقوال:

الأول: للمشهور وهو ان النصاب دينار واحد .

الثاني: ذكره المفيد ان النصاب عشرون ديناراً .

الثالث: وهو للسيد الخوئي قدس سره عدم وجود نصاب بل يجب الخمس فوراً في كل ما يحصل عليه من الغوص وان كان اقل من دينار, وتعرضنا لأدلة الاقوال الثلاثة.

 

نعم لو خرج بنفسه على الساحل أو على وجه الماء فأخذه من غير غوص لم يجب فيه من هذه الجهة بل يدخل في ارباح المكاسب فيعتبر فيه مؤنة السنة ولا يعتبر فيه النصاب(1). [1]

1) تقدّم منّا القول بانّ عنوان الغوص هو معرِّف للثروة التي تخرج من قاع البحر, ولا خصوصية له, وحينئذٍ سوف نخالف صاحب العروة فنقول: ان ما كان من عادته ان يُخِرَج بواسطة الغوص اذا حصل عليه الانسان لأوّل مرّة بغير

الغوص فيجب فيه الخمس فوراً اذا بلغ النصاب, لأننا وسّعنا الغوص الى كلّ ما يستخرج من الماء من الجواهر النفيسة الجمادية أو النباتية التي تستخرج بالغوص عادة وشأناً وانْ خرج إتّفاقاً كما اذا جفّ ماء البحر أو اخرجناه بآلة من دون غوص, ولذا اوجب الشارع الخمس في العنبر الذي يستخرج من على سطح البحر من دون غوص.

ولو قلنا بمقالة صاحب العروة قدس سره وغيره, فان العرف لا يقبل ذلك ويبقى يسأل عن سبب عدم الخمس فيما خرج بنفسه من البحر حيث حصل عليه الانسان من دون تعب وهو ادعى للخمس الفوري, ولا يقبل التعبد هنا كما يقبله في العبادات, فانّ هذا الحكم واضح ملاكه وهو ضريبة على الانتفاع بما اودعه الله تعالى من ثروة نفيسة في البحر للإنسان وقد حصل عليها الانسان من دون تعب, فلماذا يكون في حالة حصوله على تلك الثروة البحرية الجمادية بالتعب أوجب الشارع الخمس فوراً, امّا اذا حصل عليها من دون تعب فلا خمس فيه فوراً.

وقد يقال: اننا نتبّع الشارع فيما يقول: فقد قال: (في الغوص أو ما يُخرَج من البحر الخمس فوراً اذا بلغ النصاب) فلو غاص أو اخرج الانسان من البحر عشرين ديناراً ففيه الخمس فوراً وقد يقال في ارباح المكاسب وما يحصل عليه الانسان «بغير الغوص وغير المعدن وغير الكنز وغير الغنيمة الحربيّة» ولو كان مليون دولار ففيه الخمس بعد المؤونة, فلا ننظر الى مقدار ما يحصل عليه الانسان ولا يكفيه حصوله بتعب أو غير تعب, ففي الغوص والاخراج مع التعب والخطر قال الشارع: عليه الخمس فوراً «طبعاً بعد اخراج مؤنة الاخراج» وما يخرجه البحر ويحصل عليه الانسان بلا تعب ولا خطر ولا مؤونة الاخراج ففيه الخمس بعد مؤنة السنة فنحن اتباع الدليل حيثما مال نميل وحينئذِ سيكون ما قاله المتقدمون, من أنّ الغوص والاخراج من البحر هو الموجب للخمس فوراً دون ما خرج بنفسه وأخذ بلا غوص ولا إخراج من البحر.

فيقال: في مورد العرف يقبل الفرق بين ما يكون ثروة بحرية أودعها الله للإنسان, وما يكون من أرباح المكاسب الذي هو موضوع آخر, فالعرف يقبل هذا الفرق لانّ كلّ حكم له موضوعه الخاص ولا ننظر الى مقدار ما يحصل عليه الانسان ولا كيفية الحصول.

امّا اذا كان الموضوع واحداً وهو الثروة التي اودعها الله في الماء (بحراً كان أم نهراً ام محيطاً) فلا نقبل ان هذا الموضوع اذا حصل بالجهد والخسارة والخطر فعليه الخمس فوراً وهو نفسه اذا حصل من دون جهد ولا خسارة ولا خطر فلا خمس فيه فوراً فانّ الفهم العرفي يقول: بوجوب الخمس في الحاصل من الثروة البحرية التي من شأنها ان يخرَج بالغوص اذا خرجت من دون الغوص بالاولوية, خصوصاً اذا ضَمَمنا الى ذلك ما تقدّم من عدم خصوصيّة للبحر وعدم الخصوصية للغوص, وخصوصاً اذا قرأنا «ما يخرج من البحر» بالمبني للفاعل لا للمفعول, فلاحظ.

 

مسألة21: المتناول من الغوص لا يجري عليه حكم الغوص اذا لم يكن غائصاً واما اذا تناول منه وهو غائص أيضاً فيجب عليه اذا لم ينو الغوّاص الحيازة والاّ فهو له ووجب الخمس عليه(1).[2]

1)هذه الفتوى من صاحب العروة قدس سره ومن وافقه عليها تقول: بان الغوص «اذا كان الغائص يحوز الجواهر من البحر بقصد التملّك» له خصوصية فحينئذٍ اذا غاص وحاز الشيء وتملّكه وجب عليه الخمس فوراً.

وأمّا اذا لم يقصد بالغوص حيازة الجواهر ثم اخرجه واعطاه الى غيره فلا يجب عليه الخمس لأنه لم يتملّك الجواهر بالغوص, والذي استلم وحاز الجواهر خارجاً لم يكن غائصاً فلا خمس عليه. «هذا هو رأي صاحب العروة» وهو يعني ان الشركات التي تستأجر الغواصّين اذا لم يقصد الغوّاص التملّك بالحيازة لا خمس عليه ولا خمس على المتأجر له وهو الشركة.

نعم اذا كان الثاني الذي استلم الجواهر « من الغائص الاوّل غير القاصد للتملّك» قد استلم الجواهر وهو غائص فيجب عليه الخمس فوراً اذا بلغ النصاب. « هذا أيضاً حسب ما تقدّم من أخذ خصوصية الغوص» امّا نحن فقد قلنا ان الغوص ليس له خصوصيّة بل هو معرّف لما يحصل عليه الانسان من الثروة النباتية والجمادية التي اودعها الله في الماء, وحينئذٍ سيكون الغائص الاوّل اذا لم يقصد التملّك من حيازة الجواهر وقد اعطاها بعد اخراجها الى غيره فيكون الثاني الذي استلم هذه الجواهر من الاوّل الغائص هو المالك لها لأوّل مرّة كما اذا جفّ ماء البحر فاستخرج الناس هذه الثروات من دون غوص, وكما اذا لم يكن هناك غوص بل اخرجت هذه الثروات بواسطة الآلات الحديثة.

على ان الثاني المستلم من الغائص اذا لم يكن غائصاً يصدق عليه انه ملك ما استخرج بالغوص وانْ كان الغائص غيره, فلو قلنا ان للغوص مدخليّة فيكون في هذا الغوص الذي لم يقصد الغائص التملّك كما اذا كان مستأجراً ولم يقصد التملّك وقد اعطاه للذي استأجره, قد صدق عليه انه ملك المعدن بالغوص فالغوص من غيره وهو المستأجر وقصد الحيازة من المستأجر فحصل العنوان الذي له خصوصية في ثبوت الخمس.

ويكفينا ايضاً اطلاق صحيح عمّار القائلة: «فيما يخرج من المعادن والبحر.... الخمس»[3] سواء اخرجته انا أم اخرجه غيري من دون التملّك كما في المعدن اذا اخرجه غيري من دون قصد التملّك فيما اذا كان اخراج المعدن لأجل اخراج الماء وحفر بئر جاء آخر وأخذ ذلك التراب وحازه وكان فيه المعدن, وهذا الاطلاق لا موجب لعدم الأخذ به لأنه لا يعارض الأدلّة الاخرى التي قالت ان الخمس على ما يخرج بالغوص لأنها ناظرة الى ما من شأنه ان

يخرج بالغوص فلو خرج صدفة من دون غوص أو أخرجه الغواص من دون قصد التملّك فصحيح عمّار يقول فيه الخمس فوراً خصوصاً اذا قرأنا (يخرج) بالمبني للفاعل, فانه يشمل ما قذفه البحر أيضاً.

ثم ان فتوى صاحب العروة قدس سره لها لازم باطل قطعاً وهو: يتمكّن كل غائص ان يتهرّب من اعطاء الخمس باستخراج ما في البحر من الاشياء الثمينة غير الثروة الحيوانية وذلك: بأن لا يقصد التملك بحيازته واستخرجه ثم بعد ان يخرجه من الماء يقصد تملّكه, فقد ملكه بعد الغوص فلا خمس فيه, وحين الغوص لم يتملّكه فلا خمس فيه, وهذا لا يمكن الالتزام به.

اذن الصحيح هو كلّ من حاز ما يستخرج عادة وشأناً بالغوص اذا لم يكن غائصاً سواء كان المستخّرج بآلة آو استخرجه غيره من دون قصد الحيازة أو جفّ البحر أو في حالة الجزر أو قذفه البحر بنفسه فتملّك الانسان هذه الثروة البحرية يكون عليه الخمس فوراً لعدم خصوصية للغوص, بل الغوص طريق ومعرّف لما يستخرج بالغوص, بالاضافة الى الاولوية واطلاق صحيح الحلبي في العنبر وغوص اللؤلؤ[4] حيث كان السؤال عن شيء واحد وهو الثروة التي اودعها الله في الماء وحصل عليها الانسان وقد اجاب الامام عليه السلام عن هذا الشيء الواحد الذي له مصداقان فقال: عليه الخمس.

اذن الواجد لما في جوف السمكة يتملّكه من دون تعريف حتى للبائع الاول فضلاً عمّا سبقه لعدم ورود ايّ دليل هنا يدل ّعلى التعريف.

نعم ورد التعريف لما وُجدِ في جوف الدابة, فلاحظ.

نعم اذا كان السمك في احواض عند المالكين له قد رُبِّي وهو صغير ووجد في بطنه محبساً أو معضداً أو ديناراً أو مسبحة أو جوهرة وهكذا, فهنا اذا اشترينا سمكة من هذه الاحواض ووجدنا في بطنها هذه الامور فهنا يعرّف ما في بطنها للمالك لها البائع لها كما في ما وجد في جوف الدابّة ولعلّ هذا هو الذي يقصده صاحب العروة قدس سره اذ قال: مع احتمال انها لبائعها

وهناك مورد ثالث وهو: اذا كان السمك في البحر أو النهر وقد إصطاده زيد وباعه ووجد المشتري في جوفه ديناراً أو درهماً أو محبساً أو قلادة وما شابه ذلك فهنا أيضاً لا يجب التعريف ولا يجب ارجاعه الى بائع السمكة التي اصطادها من البحر أو النهر فليس هو مجهول المالك وليس هو للبائع وذلك: لان مجهول المالك هو الملك الذي لم تنقطع صلة صاحبه به, امّا هنا فعندنا ما يقع الخاتم أو المال في البحر فانّه يُعدّ تالفاً كالسفينة التي انكسرت وغرقت وغرق ما فيها, فيعدُّ تالفاً, فاذا جاء انسان بعد ذلك واخرجه فهو له ولا يعدُّ مجهول المالك لانقطاع صلة المالك بملكه بما عدّ تالفاً, فما يخرج بعد ذلك بالغوص يعد رزقاً جديداً للمخرج وليس مجهول المالك.

اذن هذا المورد لا يعرّف ولا يرجع الى البائع الذي صاد السمكة من البحر لأننا نعلم ان المالك لا يملك ما في جوفها الذي لا يكون نماءً لها أو تابعاً لها, لعدم قصد حيازته وحينئذٍ سيكون حال الصائد بالنسبة لما في جوف السمكة حال الأجنبي بالنسبة لما في جوف السمكة.

ثم ان السيد الماتن قدس سره احتاط بالحاق غير السمكة بالسمكة من الحيوانات البحرية, واحتاط في الحاق غير الدابة بالدابة (غير البقرة والجزور بالبقرة والجزور) وذلك لإلغاء خصوصية السمكة والبقرة والجزور, فكل حيوان هو خاضع لهذه التقسيمات الثلاثة المتقدّمة.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo