< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

38/05/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع/حكم الحاق ما في جوف الدابة بالكنز من ناحية النصوص/ خمس الكنز /كتاب الخمس

اذن حسب القواعد لا صحّة لما ذكره صاحب العروة قدس سره من كون ما في الدابّة حاله حال الكنز الذي يوجد في الأرض التي إنتقلت الينا من الغير فيجب التعريف وان لم يعرف المالك يجب خمسه فوراً كالكنز.

الثاني: ان تبحث المسألة من ناحية النص الخاص الوارد فيها:

فنقول: وردت صحيحة عبدالله بن جعفر الحميري حيث قال: كتبت الى الرجل أسأله عن رجل اشترى جزوراً أو بقرة للأضاحي, فلما ذبحها وجد في جوفها صرّة فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة لمن يكون ذلك؟

فوقع عليه السلام: عرّفها البائع, فان لم يعرفها, فالشيء لك رزقك الله تعالى اياه[1] .

قد يقال: هنا ايضاً لم يصح كلام صاحب العروة وذلك:

1ـ ان ظاهر الرواية ان الصرّة هي للبائع للعادة من ان الدابّة تأكل في البيت فلعلّها أكلت الصرّة التي في البيت أو الطريق فالظاهر انّ الصرّة هي لمحترم المال ولكن لم يشخصّه فهو مجهول المالك فلذا حكم عليه بالتعريف ممن اشتراها الاّ ان هذه الرواية لم توجب التعريف لليد السابقة على مالك الدابّة ممن اشتراها منه وان احتمل ان الصرّة له, ولم تحكم بالتعريف لغير المالك.

أقول: نتمكن ان نقول بوجوب تعريفها لليد السابقة على اليد البائعة لنا وان لم تذكره لنا الرواية وذلك: لان ملاك التعريف موجود في اليد السابقة لان اليد البائعة هي يدٌ على الحيوان مباشرة ويد على ما في جوفها غير مباشرة (مجازية), فاذا احتملنا أنّ ما في جوف الدابّة للمالك الذي باع الدابّة الى البائع الذي باعنا إيّاها, لان البيع الأوّل والثاني قد حصل في يوم واحد فهنا يجب تعريف المالك السابق لانّ ملاك تعريف البائع موجود فيه, فلاحظ.

كما إننا قلنا اذا اشترينا داراً فوجدنا فيها كنزاً فيجب تعريفه, وما ذاك الاّ لأنّ ملاك تعريفه للملاك للدار موجود في رواية ما وجد في جوف الدابّة, فلاحظ.

2ـ ان هذه الرواية خالفت حكم مجهول المالك اذ بعد التعريف اذا لم يعرفه المعرَّف يتصدَّق بالمال عن صاحبه, وهنا الرواية قالت يتملّكه الواجد فهو رزق رزقه الله اياه.

اذ قالت (فالشي لك رزقك الله اياه)[2] واللام فيه هي لام التمليك.

وقد ذكر السيد الخوئي قدس سره توجيهاً لكلام صاحب العروة قدس سره فقال: ان الصحيحة لا تقول بانّ الصرّة هي لمالك مجهول, بل قالت ان الصرّة قد أكلتها الدابّة فهي تعدّ تالفة, خصوصاً اذا كانت الدابّة غير مستقرّة في بلد واحد, بل تنتقل من بلد الى آخر للكراء والحمل, فحينئذٍ تكون الصرّة المأكولة كالسفينة التي فيها حمل وقد

غرقت ويستخرج ما غرق بواسطة الغوص فهو للمالك ولكن بعد الحكم عليه بالتلف يكون رزقاً رزقه الله للواجد فلا اشكال على الرواية من ناحية مخالفتها لحكم مجهول المالك لأنها ليست في مجهول المالك[3] .

ولكن يرد على ذلك: ان الدابّة التي أكلت الصرّة التي فيها دراهم ودنانير ليست كالسفينة فالصرّة لم تعدّ تالفة عرفاً اذ قد يأخذ مالك الصرّة قراراً بذبحها وإستخراج الصرّة أو ينتظر ان تخرج مع الروث فهو لا يعدّ تالفاً ولا تنقطع صلة المالك بملكه. نعم اذا شربت الدابّة اللبن أو أكلت العشب أو العلف فهذا يعدّ تالفاً عرفاً بخلاف غرق حمل السفينة بغرقها في البحر وكان استخراجه ممتنعاً كما في إمكانات زمن صدور الرواية أو يحتاج الى مؤنة اكثر من قيمة الحمولة, أو كانت الحمولة سكراً أو طحيناً أو حبوباً فهي تالفة حقيقةً.

امّا اذا كانت السفينة قد حُملت بالذهب أو المعادن الثمينة وغرقت وكان استئجار جماعة لاخراج ما فيها يحتاج الى عُشْر قيمة الحمولة, فهنا ايضاً لا تنقطع علاقة المالك بملكه ولا يعدّ تالفاً عرفاً, اذ يجهد مالك الحمولة الى اخراجها ولو بالصرف على الاخراج مقدار عُشْر قيمة الحمولة, اذن حتى في السفينة الغارقة, انما تعدّ الحمولة تالفة اذا كانت تتلف بالغرق أو كان استخراجها يحتاج الى اضعاف قيمتها, ولذا نرى ان غرق الطائرة لا يعدّ تلفاً لصندوقها الاسود فيعملون الاعمال الكثيرة لأجل استخراجه لمعرفة سرّ سقوط الطائرة.

ثم اذا كانت الرواية ليست في مجهول المالك كما يقول السيد الخوئي قدس سره وكان ما في الدابة عند اكلها للصرّة يعدّ تالفاً فلِمَ أمرت الرواية بتعريفه المالك, اذ بعد تلف ما يملك ليس له الحقّ فيه[4] , بينما أمرت الرواية بتعريفه له, وما ذاك الاّ لأنّ الشارع لم يعترف بعدّ ما اكلته الدابة من الصرّة تلفاً لها, فلم تزل علاقة المالك بملكه في هذه الصورة, ولهذا فقد حكمت الصحيحة بالتعريف بخلاف السفينة الغارقة في الصور التي يعدّ الحمل فيها تالفاً اذا استخرج ما في البحر بعد الغرق بالغوص فانه لا يعرّف وهذا دليل على عدم انقطاع صلة مالك الصرّة بها اذا بلعتها الدابة بخلاف حمل السفينة.

اقول: قد ننتصر للرواية ونقول: انها ليست في مجهول المالك بل هي في اللقطة وذلك: لان الصرّة التي يكون فيها دراهم أو دنانير لا توضع في مكان بحيث يأكله البعير أو البقرة حيث يكون لهما «وكذا الجوهرة» اماكن خاصّة مهمّة, امّا هذه الصرّة التي فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة بحيث يأكلها الجمل أو البقرة تكون ضائعة في الطريق أو في مكان يرتاده الجمل فتكون لقطة وحينئذٍ قد بيّن الامام عليه السلام احد احكامها وهو التملّك مع الضمان حيث عبّر بانه (فالشيء لك رزقك الله ايّاه)[5] فتصرّف به مع الضمان, فلاحظ.

3ـ ان ظاهر الرواية انه لا خمس فوراً في الصرّة على مَن وجدها, فلماذا حكم صاحب العروة قدس سره ان هذه الصرّة كالكنز فيجب اخراج خمسها فوراً.

ثم ذكر انه لا يعتبر في الصرّة النصاب؟!!

نعم ان المعروف بين الأصحاب كما ذكر ذلك صاحب الشرائع[6] وغيره الحاق موردنا بالكنز.

نقول: اذا أُلحق بالكنز فيجب فيه الخمس مع بلوغه النصاب, فلماذا حكم صاحب العروة قدس سره بالخمس وان لم يبلغ ما في الصرّة النصاب؟!!

ولذا فانّ السيد الخوئي والسيد الحكيم قدس سرهما وغيرهما ناقشوا إلحاق الصرّة بالكنز, حيث قال السيد الخوئي قدس سره: (لم يرد اي نصّ معتبر أو غير معتبر ولا يوجد أيّ دليل على الحاق الصرّة بالكنز)[7] وحينئذٍ لا يجب الخمس بعنوان الكنز, بل تدخل الصرّة تحت عنوان مطلق الفائدة التي يجب فيها الخمس بعد صرف مؤنة السنة ان حصلت زيادة عليها.

واذا قلنا انها كالكنز فلابدّ من خمسها فوراً واعتبار النصاب فيها, فالفتوى من صاحب العروة غريبة.

اقول: قد ننتصر لصاحب العروة قدس سره فنقول:

1ـ ان صاحب العروة قدس سره: الصرّة حالها حال الكنز الذي في الأرض المشتراة فيجدها الواجد, في التعريف للبائع, وفي اخراج الخمس, وهذا لا يعني انه يشترط جميع شروط خمس الكنز, بل حال الصرّة كحال الكنز في الأرض المشتراة يعرَّف, وحالها كحال الكنز يخمّس, ولم يقل انها كنز حتى يشكل على صاحب العروة قدس سره بأنه اذا كان كنزاً, فلماذا لم يجب فيه النصاب؟!

 


[3] المستند في شرح العروة الوثقى 25: 101.
[4] أقول: اذا تلف الشيء وزالت ماليّته مع بقائه كاجزاء الجدار المهدوم والزجاج فهذا لا يلازم زوال الملكية نعم ان قطع علاقته به بالاعراض أو نحوه لكونه تالفاً فتركه لعدم انتفاعه به فهذا يزيل حقّه به. المقرر.
[6] يراجع جواهر الكلام 16: 35.
[7] المستند في شرح العروة 25: 100.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo