< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

38/05/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أدلة كون ما عثر عليه في دار الاسلام كنزاً / خمس الكنز / كتاب الخمس

القول الثاني: انه كنز فيملك فوراً من دون تعريف وقد ذهب اليه صاحب المدارك وجماعة ولعلّه المشهور بين المتأخرين.

وقد استدل في المدارك بـــــ:

أولاً: ان الأصل في الاشياء الاباحة. والتصرّف في مال الغير انما يحرم اذا ثبت كون المال لمحترم أو تعلّق به نهيٌ خصوصاً أو عموماً, والكلّ منتفٍ في المقام وفي الحدائق نُسب هذا الاستدلال الى الاصحاب.

وهذا القول لعلّه هو الأصوب وذلك: لأننا نتكلّم في صورة ما اذا لم توجد قرينة على ان المال لانسان محترم, بل اذا علمنا أنّ انساناً ادّخره منذ زمن قديم قبل مئات السنين «كما هو الغالب في الكنوز» فمدّخرها قد مات قطعاً مسلماً كان أم كافراً, فخرج الكنز عن ملكه قطعاً وحينئذٍ نقول:

1ـ اذا علمنا انّ له وارثاً محترم المال[1] من مسلم أو ذمي قد انتقل المال اليه نسلاً بعد نسل ولكن لا يعرف المالك الفعلي بشخصه) اذن القاعدة هي لزوم الفحص عنه, لان المال مجهول المالك وليس لقطة لان حكم اللقطة هو للمال الضائع.

2ـ وان لم نعلم ان له وارثاً محترماً- كما هو الغالب- فان الاراضي يسكن فيها أُناس لا يعرف دينهم أو يعرف انهم لا دين لهم أو غير مسلمين أو انهم من الديانات الأُخرى كأرض النجف التي كانت تسمى (باناقيا) ويسكنها غير المسلمين وملوكها مثل النعمان بن المنذر وكانت عاصمتهم الحيرة, فحينئذٍ يكون الكنز لا يعلم مالكه هل انه محترم المال ام لا؟, بل لانعرف انّ له وارثاً محترم المال لاحتمال كفره وعدائه ومحاربته للدين أو لاحتمال انقراضه, ففي هذه الصورة ينتقل المال الى الامام عليه السلام اذ يكون من الانفال لأصالة عدم وجود وارث محترم, فيدخل في موضوع مَن مات ولم يكن له وارث فهو فيئ للامام عليه السلام وهذا الفيء قد اباحه الامام[2] لكل من يجده وذلك للتشريع الصادر منه عليه السلام: (مَن حاز ملك) فان الارض التي لا ربّ لها قد احلّها لمن يعمرّها, فكذا الكنز الذي يوجد فيها قد احلّه لمن حازه فهو تشريع لملكية المحيز لما حازه, فحينئذٍ يملكه الواجد الحائز وعليه الخمس.

ثانياً: كما يمكن لنا ان نستدل للمطلب الذي هو الكنز الذي وُجد سواء كان في دار الاسلام وعليه أثر الاسلام ام لا, بأنّه لمالكه ويخمّسه باطلاقات روايات متعددة, بعضها تُوجب الخمس فيه بعد الفراغ من كونه كنزاً مملوكاً لواجده على الوجه الشرعي, مثل صحيح الحلبي انه سأل ابا عبدالله عليه السلام عن الكنز كم فيه؟ فقال: الخمس[3] .

وبعض الروايات يدلّ على ملكية الكنز لواجده ووجوب الخمس مثل صحيحة عمار بن مروان اليشكري الثقة قال: سمعت ابا عبدالله عليه السلام يقول: فيما يخرج من المعادن والبحر والغنيمة والحلال المختلط بالحرام اذا لم يعرف صاحبه والكنوز الخمس[4] .

وتقريب الاستدلال بها يتم من باب اننا نعلم انّه لا خمس الاّ في الفائدة الشخصية والملك, أو بدلالة نفس الامر باخراج الخمس والتصرّف في المال على كون المال له ويملكه, فحينئذٍ يكون عليه الخمس.

وهذا الاستدلال لوحده قد يرد عليه:

ان هذه الروايات ليست في مقام بيان تملّك الواجد, بل في مقام بيان ان الكنز فيه الخمس, وحينئذٍ لا بدّ من البحث عن كيفية تملّك الواجد للكنز حتى يجب عليه الخمس.

ولكن يمكن ان نصحّح هذا الاستدلال فنقول:

1ـ اننا نعلم ان الخمس انما يجب في المال المملوك فما لم يكن مملوكاً فلا خمس فيه وعندها اذا ثبت ان الخمس في الكنز فيثبت ان الكنز لواجده في الجملة والاّ سيكون الحكم بالخمس لغواً.

فاذا اضفنا الى هذا الأمر انّ الكنز هو من الكنوز القديمة فهو ارث من قبل مَن لا وارث له فهو للإمام اي من الانفال وقد قلنا ان ملك الامام للانفال يعني انه يتمكن ان يمنع من الانتفاع من الانفال ويمكن ان يستثمرها أو يؤجرها. فهنا يكون هذا الكنز ملكاً للامام بمعنى انه يتمكن ان يمنع من الاستفادة منه كما يمكن ان يقول: من حاز ملك وهذا الكنز لمن يحوزه اي يملكه فاذا وجده واجد فقد حازه والحيازة سبب للملك شرعاً اذن الكنوز القديمة التي كانت قبل الاسلام أو بعده مع عدم وجود مالك محترم لتقادم الزمان على هذا المال بحيث لا نعلم وجود وارث لهذا المال محترم, فهي ملك لواجدها ويجب عليه تخميسها نعم يبقى الكلام في الكنوز التي دفنت قبل خمسين عاماً أو اكثر بقليل مثلاً مّما يعلم انّ لها مالكاً أو لها وارثاً الاّ انّنا لا نعرفه كما اذا وجدنا سككاً ذهبية رضوية أو امامية قد ضربتها الجمهورية الاسلامية في ايران فهل يكون مثل هذا الكنز لواجده كما في القول الثاني أو لقطة كما في القول الاول؟

فان الروايات المتقدمة قد يقال لا تشمل هذه الصورة.

وقد يجاب: بانّ المفروض اننا نعلم انّ لها مالكاً الاّ ان المالك لم يعلم انه محترم المال, فمع هذا القيد يجوز تملّك هذا الكنز اذا احتملنا انه لحربي أو لكافر اي لغير محترم المال.

ولكن الكلام: هل يوجد كافر حربي في بلاد المسلمين أو بلاد الكفر في هذا الزمان غير اسرائيل وبعض الاحزاب والجماعات والافراد الذين يسعون الى محق الدين والاسلام؟

والجواب: لا يوجد لانّ هذا الزمان هو زمان الصلح والهدنة, فاذا احتملنا ان الكنز لمحترم المال فلا يتملّك الاّ بعد التعريف وعدم معرفة صاحبه فيكون لقطة أو مجهول المالك فلاحظ.

ولنا ان نقول: ان المال الذي يكون لمالك غير مسلم لا يجوز التصرّف فيه باحتمال عدم احترام المال واحتمال محاربة صاحبه للدين لان الزمان زمان صلح وهدنة وعهد, الاّ بإثبات انّ هذا الانسان محارب للدين, امّا في المال الموجود المكنوز الذي لا نعلم انه لمحترم المال أو لا, فهنا نقول ما لم يعلم انه لمحترم المال يجوز تملّكه واعطاء خمسه للادلّة العامّة القائلة: (في الكنز الخمس) ففرق بين اخذ المال من يد انسان لم نعلم انه محارب ام لا وبين أخذ الكنز الذي لم يعلم انه لمحترم المال, فان الاباحة في الصورة الثانية واضحة دون الصورة الأولى اذ فيها عدم جواز الأخذ الاّ ان يثبت الجواز فلاحظ[5] .

نعم ذكر صاحب العروة قدس سره: استثناء من عموم ملكية الواجد للكنز: وهو ما اذا وجد في الأرض المشتراة من قبل المالك المحترم يحتمل رجوع الكنز اليه, فهنا لا يكن ملكاً لواجده, بل يجب عليه التعريف للمالك السابق للارض أو السابق عليه اذا لم يعرفه المالك الاخير وهكذا فاذا لم يعرفوه جميعاً فهو لواجده وعليه الخمس فوراً.

اقول: ان صاحب العروة يقصد هنا الأرض المنتقلة من يد سابقة الى يد لاحقة واليد السابقة يد محترمة سواء كان الانتقال بالبيع أو بغيره من المعاملات كما يصرّح هو بذلك بعد هذا الإستثناء بل ينبغي ان يعمّم الانتقال الى موارد الانتقال التكويني كما اذا لم تكن تلك الدار ملكاً لهم, بل مستأجرين أو أُبيح لهم التصرّف فيها, بل حتى اذا كانوا غاصبين للدار وقد خرجوا منها إذا احتمل ان يكون الكنز لهم.


[1] أقول هذا الفرض يصح بناءٌ على ان الفاصل الزمني ليس طويلاً بين الوارث والمورث بحيث لا يصدق النسب عرفاً وان صدق حقيقة وذلك لانه اشترط في النسب الذي هو موجب الارث: (صدق النسب عرفاً على الوجه الشرعي) كما ذكر ذلك الشهيد الثاني قدس سره في (الروضة ج3: 259) ومعنى صدق النسب عرفاً ان لا يكون زمان طويل بين الوارث والمورث كما في الفرض اعلاه والاّ فان تميم كلهم يرثون من تميم وكذا بنو أسد بل وُلْد آدم كلهم اخوة لأب وأُم فمع كل هذا لا يصدق النسب بينهم عرفاً فلا يكون لربيعة مثلاً وارث اليوم. المقرّر.
[2] اقول خصوص إرث من لا وارث له الذي هو للمنصب قد نشكّ في تملّكه بالحيازة، بل نقطع بعدم تملّكه من قبل الاخرين، لان هذا له لازم باطل وهو جواز تملّك تركة كل مسلم يموت ولا وارث له، وهو مشكل، اذن يجب دفعه الى الحاكم الشرعي نعم الكنز الذي للإمام قد احلّه لمن استخرجه اذا احتمل انه لغير محترم المال، الاّ اذا كان الكنز في ارضٍ لها يدٌ سابقة محترمة المال فيجب تعريفه، فلاحظ.
[5] أي عندنا صورتان: الاولى: اذا كان المال بيد انسان وهو في بلد الاسلام سواء كان مسلماً ام كافراً فلا يجوز أخذ ماله لإحتمال انه محارب، بل لا بدّ من اثبات محاربته للدين وارادته القضاء عليه بالعمل واللسان والمال.الثانية: اذا كان المال كنزاً في الارض أو الشجر أو الاودية أو الجبال فهنا يجوز تملّكه الاّ ان ثبت يدٌ محترمة فان هذا المال قد حيز من قبل حائز فان تثبت انه للغير وكان محترم المال فيدفع اليه والاّ فهو لمن حازه فيملكه ويجب عليه خمسه للأدلّة في ذلك.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo