< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

38/04/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حيازة الارض لا توجب حيازة وتملك المعدن / خمس المعدن / كتاب الخمس

ملحوظات:

الأُولى: ثم اننا نؤكّد ان المعادن «المناجم» لا تملك اصلاً حتى وان وصل اليه الانسان لأنه لا يصدق عليه انه حاز المعدن بوصوله اليه, بل للإنسان ان ينتفع منها ويستفيد فقط, فاذا لم تملك اذن يجوز لكل انسان الاستفادة منها كماء النهر والهواء والشمس والفضاء.

ودليلنا على ذلك هو: ان ملكية الارض تنشأ من سببين أو ثلاثة:

السبب الاوّل: هو الحيازة فمن[1] حاز الارض ملكها, ومن حاز الأرض لم يحز المعدن المستقرّ في باطنها, وحينئذٍ لا علاقة لحيازة الارض وتحجيرها بملكية المعدن, وقد تقدّم منّا ان المعدن لا يكون تابعاً للأرض, فلا نعيد.

اذن المعدن لا يملك بملكية الأرض التي يكون المعدن فيها.

السبب الثاني: الاحياء: «فانّه عمل بعد الحيازة والتحجير» يُوجِد حقّاً للمحيي وهذا الحقّ هو حقّ شديد يعبر عنه بالملكية واحياء الأرض بالزراعة أو البناء, فلا علاقة بين احياء الأرض وبين اخراج المعدن المستتر.

السبب الثالث: اذا اسلم اهل الارض طوعاً فالأرض تكون ملكاً لهم, فالإسلام الطوعي يجعل الأرض لمن هي في يده, لأنّ الاسلام يحقن الدم والمال الذي كان يملكه قبل الاسلام وهذا ينطبق على الأرض نفسها وبقيّة ما يملكه من أثاث وغيره.

أمّا المعدن المستتر فهو لا يملكه قبل الاسلام فلماذا يملكه بملكية الارض التي وُجِد فيها؟!

اذن المعدن ليس ملكاً لأصحاب الارض ولكن عند استثمار المعدن والانتفاع منه يجب ان يلاحظ حقّ صاحب الارض في أرضه اذا كان إستخراج المعدن متوقفاً على التصرّف في أرضه.

وحينئذٍ لا يتمكن أحدٌ ان يملك المعدن الذي تحت الارض بأكمله, بل اذا حاز شيئاً منه بالإستخراج فهو مَلَكَ هذا المقدار الذي استخرجه فقط لا انه ملك المنجم الذي هو داخل الارض, فللآخرين الاستفادة من ذلك المعدن من مكان آخر أو حتى من نفس المكان الذي وصل اليه الانسان وارضه الاّ انّه لابدّ ان يكون باجازته, فانْ لم تكن اجازة واستخرج المعدن بدونها مَلَكَ ما استخرجه وعصى وضَمِنَ الأُجرة وما أفسد, فلاحظ

الثانية: ثم ان فتوى السيد الخوئي قدس سره القائلة: يمنع الكافر (الذمّي) من استخراج المعدن من ارض المسلمين فبينها وبين قوله: انه لو استخرج المعدن فانّه يملك وان عصى للسيرة التي لم تفرّق بين ملكية المعدن للمستخرج سواء كان مسلماً ام كافراً, تناقض رغم استدلاله بموثقة السكوني القائلة: « انّ للعين ما رأت ولليد ما اخذت»[2] في جواب امير المؤمنين عليه السلام عن سؤال رجل ابصر طيراً فتبعه حتى وقع على الشجرة فجاء رجل وأخذه[3] . وذلك: لأن المنع من الاستخراج لو كان موجوداً فهو لا ينسجم مع السيرة على تملّك ما استخرج, ولو كانت السيرة موجودة على تمّلك ما استخرج فهي تكشف عن عدم المنع, والاّ اذا كان المنع موجوداً ويملك ما أُستخرج لأُنب المستخرج الممنوع في رواية واحدة وتدلّ على جواز الأخذ[4] .

الثالثة: بالإضافة الى ما تقدّم من ان المعادن من الانفال مطلقاً سواء كانت في أرض الامام أو ارض المسلمين أو الارض المملوكة لشخص قد ملك الارض الميّتة فهو المحكي عن الكليني والمفيد والشيخ والديلمي والقاضي والقمّي في تفسيره وبعض متأخري المتأخرين, وهم لا يفرّقون بين المعادن الظاهرة والباطنة[5] .

وقد دلّت على هذه الفتوى روايات كثيرة كما تقدّم الاّ انها ذكرت في تفسير العّياشي الذي حذفت اسانيد رواياته ظناً من الحاذف انه قد أحسن في حذفه, بينما هو قد أساء في عمله هذا لسقوط الروايات عن الحجية «تقدمت الروايات عن ابي بصير وداود بن فرقد وموثّقة اسحاق بن عمّار»[6] [7] [8] .

اذن هذه الروايات في تفسير العياشي وقد عمل بها المشهور فتنجبر حسب المبنى الأُصولي.

الرابعة: وهذه الرواية الثالثة الموثّقة قد استشكل فيها السيد الخوئي قدس سره بأنها لا تفيد عدّ المعادن من الانفال. وهي ما رواه اسحاق بن عمّار الوارد في تفسير القمي قال: سألت ابا عبدالله عليه السلام عن الانفال؟ فقال: هي القرى التي خرّبت وانجلى أهلها فهي لله وللرسول وما كان للملوك فهو للإمام وما كان من الارض بخربة لم يوقف عليه بخيل ولا ركاب وكل أرض لا ربّ لها والمعادن منها[9] .

فقد ذكر السيد الخوئي قدس سره اشكالاً على هذه الرواية فقال[10] : انها تدلّ على ان المعادن من الانفال بناءً على ان الضمير في (والمعادن منها) يعود الى الانفال, ولكن هذا غير ظاهر بل الضمير يعود الى الارض, اي المعادن من الارض.

ويقوّي هذا الاحتمال ان تكون الفقرة (والمعادن فيها) بدلاً من (منها) كما ذكره المحقّق الهمداني

ثم قال السيد الخوئي قدس سره: بل يتعيّن ان يكون عود الضمير الى الأرض لا الى الانفال لان كلمة الانفال جاءت في آخر الخبر اذ قال الامام بعد «والمعادن منها»: «ومن مات وليس له مولى فماله من الانفال».

فلو كان المراد من مرجع الضمير هو الانفال لكان الأحرى ذكره هنا صريحاً والاتيان بالضمير في آخر الخبر كان

يقول هكذا: «والمعادن من الانفال ومن مات وليس له مولى فماله منها».

اذن الموثّقة تدلّ على ان المعادن من الأرض أو في الأرض على - التعبيرين- التي لا ربّ لها.

والمراد من الربّ: هو المصلح للأرض ومحييها, فانْ لم يصلح ولم يحي وهو حائز لها فيقال انه لا ربّ لها فلم يرضَ الشارع بالحيازة, بل يريد الإحياء.

أقول: ان كلمة الانفال موجودة في سؤال السائل والإمام عليه السلام أخذ في تعداد الانفال فكلّ جملة هي من الانفال, فالضمير في (المعادن منها) راجع الى الانفال التي في أوّل السؤال.

وأمّا الجملة الاخيرة فكلمة الانفال يراد بها مال من مات ولا مولى له فقط.

فالدلالة تامة على ان كلّ معدن هو من الانفال وجواز استملاكه هو للسيرة القطعيّة في زمن الرسول والائمة عليه السلام ويجب عليهم الخمس للروايات الكثيرة الدالّة على ذلك.

اذن ما ذكره السيد الخوئي قدس سره فيه تكلّف واضح.

وحتى لو رجع الضمير الى الارض التي لا ربّ لها فهو يعني ان الارض التي لا ربّ لها من الانفال والمعادن من الارض وحينئذٍ نقول: ان الروايات الأُخر المطلقة المصرّحة بانّ المعدن من الانفال تدل على ان ّالمعدن في كلّ أرض هو من الانفال, والادلّة كلها مثبتة وليس الحكم واحداً, فلاحظ.

الخامسة: قد يقال: اذا ثبت ان المعادن من الانفال, فلا يصح تملّكها من مسلم أو كافر, نعم قد رخّص للشيعة بالتصرّف فيها واستملاكها حيث قال عليه السلام: الناس كلهم يعيشون في فضل مظلمتنا الاّ انّا احللنا شيعتنا من ذلك

[11] . وغيرها من الروايات

والجواب:

1ـ اذا ثبت ان المعادن من الانفال, الاّ ان اذنه لازم حال حياته, قال صاحب مفتاح الكرامة: «اتفقت كلمة الفريقين على انها (المعادن) تملك بالإحياء, ولكنّ القائلين بأنها للإمام يقولون بتوقف ذلك على اذنه حال حضوره لا غيبته, ولا خلاف في ذلك الاّ من الشافعي في أحد قوليه»[12] .

2ـ ثم اننا نضيف: ان المعدن حتى حال حضور النبي (صلى الله عليه وآله) او الإمام عليه السلام توجد سيرة قطعية على استملاكه بمقدار الحاجة بالاضافة الى أدلّة (من حاز ملك) التي هي بيان على انّ الحيازة سبب للملكيّة شرعاً فلا حاجة الى اذن, فيجوز تملّكه وعليهم الخمس, وعلى هذا ستكون هذه الرواية التي تقول ان الامام وقت الحضور قد أحلّ ذلك للشيعة فقط لم تصمد امام السيرة القطعية.

 


[1] فمن حاز سمكة ملكها، لأنه قاصد لتملّك السمكة امّا اذا كانت السمكة فيها لؤلؤة في داخلاها فلا يملك اللؤلؤة لأنه لم يقصد حيازة اللؤلؤة وحينئذٍ اذا السمّاك السمكة فشقّ بطنها المشتري وحاز اللؤلؤة فهو المالك لها دون السّماك.
[4] جواهر الكلام 16: 129.
[5] يمكن ان تحصل الحيازة مع فِعْلٍ حرام، كما اذا حازه ودفع غيره فوقع، فهو حيازة واعتداء ويتمكن ان يحوز من حفرة الغير أو ملك المسلمين من دون اذنهم فهو حيازة وحرام، أي الحائز قد يخالف النهي في التصرّف بأرض الغير.أمّا اذا كانت السيرة على الحيازة للمعدن وتملّكه من ارض الغير فهي لا تنسجم مع النهي، اذ كيف تكون سيرة على مخالفة النهي! نعم قد يخالف النهي واحدٌ أو إثنان أو مائة ولكن لا تصل الى السيرة على مخالفة النهي فلاحظ.
[10] المستند في شرح العروة الوثقى كتاب الخمس: 67.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo