< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقه

38/04/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حكم استخراج المعدن من الاراضي الخراجية / خمس المعدن / كتاب الخمس

ثانياً: ثم لنا ان نقول: انّ ملكيّة المسلمين للأراضي الخراجيّة, لا تقتضي اكثر من تملّك المسلمين للأرض المفتوحة عنوة والعامرة وقت الفتح, امّا المعدن فهو شيء آخر يختلف عن الارض عرفاً, وتقدّم منّا ان ملكية الأرض لا تقتضي ملكية المعدن كما ان احياء الارض لا يقتضي احياء المعدن, وحيازة الأرض لا تقتضي حيازة المعدن, اذ لا نكتة في التبعية خصوصاً في المعادن البعيدة, وعلى هذا ستبقى المعادن على الاباحة أو تكون من الانفال وقد تقدّم ان الانفال التي هي ملك للإمام لا يعني عدم الاستفادة منه بالاستخراج.

واعتبر بملكية الكفّار للأرض العامرة قبل ان تؤخذ منهم بالحرب, فانهم انما يملكون الأرض وقد احيوا الأرض وحازوا الأرض, امّا المعدن فهم غير مالكين له وغير محيين له وغير حائزين عليه فبأيّ مناط وسبب يملكون المعدن؟ وحينئذٍ ستكون ملكية المسلمين لهذه الارض كذلك.

اشكال: قد يقال: اذا قلنا ان المعادن من الانفال وقد ثبت أنّها للإمام (حاكم المسلمين) فحينئذٍ يحتاج الى اذن منه للحيازة والتصرّف فيه ليكون ملكاً للمستخرج أو الحائز وقد ثبت الاذن في الاراضي الميّتة فقال عليه السلام: «من أحيى أرضاً ميتة فهي له»[1] .

أمّا في المعادن فلم يأت ِهذا الدليل القائل من حاز معدناً أو من احيى معدناً فهو له, فلماذا تكون الحيازة والاحياء للمعدن سبباً للملك مع عدم وجود اذن بناءً على ان المعدن هو من الانفال وقد وردت فيه روايات كثيرة؟.

والجواب: ان الروايات الدالّة على انّ مَن احيى ارضاً فهي له ليست اذناً من الامام في التصرّف في الاراضي الميّتة بالاحياء بل هي ان الامام اراد بيان الحكم الشرعي القائل: «بأن الاحياء هو سبب للتملّك شرعاً» وهذه الروايات لم تأتِ من قبل الائمة عليهم السلام فقط, وانما جاءت من قبل النبي (صلى الله عليه وآله) وهي تعلّل بأنّ هذا الذي قيل هو قضاء من الله تعالى ورسوله, وهذا يعني انه حكم شرعي وان الاحياء سبب للملك شرعاً, وهذا أمر تدعمه السيرة العقلائية فانّ العمل في الارض زراعة أو سكناً أو إستخراجاً أو حفراً يؤدّي الى التملّك فمن زرع الأرض ملكها ومن بنى فيها بيتاً ملكها ومن حفر بئراً ملك البئر والماء الذي وصل اليه.

وأمّا المعادن فهي وان كانت للإمام فقد قلنا أنّ زمام أمرها بيده وهذا لا يعني انه لا يجوز لأحدٍ الإستفادة منها شرعاً وبإذنه, فقد يؤجّر المعدن الى شركة أوفرد.

وقد يقطع المعدن الى شركة أو فرد حسب مصلحة الاسلام وقد يمنع من الاستفادة من معدن معّين في فترة معيّنة, وقد يجيز في الاستفادة منه بشرط اعطاء الخمس وعلى هذا ستكون ملكية الامام (المنصب) تعني ان الارض الميتة أو المعدن وقف بيده وهو المتولي يعمل به ما يكون صالحاً للمسلمين أو للبشر وليست ملكية شخصية تحتاج الى اذن في التصرّف أو قل ان الامام عليه السلام قد بيّن حكماً شرعياً بالنسبة للمملوكات العامّة التي تكون للمنصب ولا تملك ملكاً شخصيّاً, فانّ الحكم الشرعي هو (من حاز ملك) و(من سبق الى مَن لم يسبق اليه غيره فهو أولى به), وهذا حكم شرعي لا يتنافى مع كون زمام المعادن بيده, فانّ هذا الحكم الشرعي «مَن حاز ملك» مقيّد بعدم منع الامام الذي يملك المعادن وبعدم تصريحه بأخذ الأُجرة على التملّك بالحيازة.

امّا مع عدم المنع ومع عدم الاجرة فالحكم هو جواز التملّك للمعدن بالحيازة والاستخراج مع اعطاء الخمس اذا بلغ عشرين ديناراً فهذا هو الاستثمار العام للمعادن في صورة عدم النهي وحينئذٍ سيكون من أخرج ماءً كبريتياً وعيناً كبريتيّة فقد ملكها ومن وصل الى معدن ملك ظاهر المعدن الذي وصل اليه ولا يملك عروقه فله الأخذ منه ولا يحقّ له منع الآخرين من الأخذ من عروق المعدن من طريق آخر أو حتى من طريقه الاّ من باب منعه من التصرّف في الارض التي احياها بالحفر كما تقدّم ذلك, فان الحفر قد يكون إحياءً كما اذا حفر ارضاً ووضع فيها لحوداً كمقبرة له ولأهله.

اذن اذا كان معنى «من أحيى ارضاً ميتة فهي له» هو حكم شرعي فلا حاجة الى اذن الامام عليه السلام (رئيس الدولة) ولذا فانّ الكافر اذا احيى الارض الميتة فقد ملكها أيضاً, والفتوى ايضاً على ذلك, ولو كان احتياج الاحياء الى اذن فان الامام لم يأذن لغير الشيعة أو قل لغير المسلمين بذلك مع ان الكافر اذا احيى الأرض فقد ملكها أيضاً وما ذاك الاّ لأنّ الروايات قد دلّت على الحكم الشرعي من الله والرسول وليس هو اذن من الامام لما يملكه.

أمّا المعدن فادلّة (من حاز ملك) تشمله لان كونه للإمام يعني انه وَقْفٌ بيده فمَن حازه فقد ملكه وان كان قد حازه أو أحياه من ارض المسلمين الّا انّه محرّم عليه تكليفاً لأنّه قد تصرّف في ارض المسلمين.

ثالثاً: قد يقال: ان نفس الاحياء للأرض الذي يكون مُملِّكاً عامٌّ ولا يختصّ بالزراعة, بل يشمل الزراعة والعمارة واستخراج الماء والمعادن كالكبريت والذهب والفضة وغيرها فان كل هذه الاعمال هي انتفاع من الارض, فالمراد من احياء الارض الإنتفاع منها, فحينئذٍ يكون الحكم أو الاذن موجوداً لكون الإحياء سبباً للملك فلاحظ.

أقول: ولكن هذا باطل لان الامام قيّد الاحياء بالارض فلا يشمل احياء المعدن نعم (من حاز ملك) يكفينا في ملكيّة المعدن لمن حازه فانه مطلق يشمل حتى حيازة الكافر, فلاحظ.

اذن مَن حاز ملك تشمل حيازة الكافر للمعدن الذي ليس أرضاً للمسلمين وكذا (من سبق الى ما لم يسبق اليه غيره فهو أحقّ به )أو (من سبق الى شيء فهو أحقُّ به) يكون شاملاً للمعدن الذي تكون رقبته بيد الامام فيتمكن ان يمنع وكذا رواية (الطير الذي نظر اليه شخص ووقع على شجرة فإخذه آخر؟ قال الامام عليه السلام: للعين ما رأت ولليد ما أخذت فهي تدل على ان الحيازة مملّكة[2] .

والرواية في سندها النوفلي الاّ ان السيرة قائمة على ذلك بالإضافة الى قوله تعالى: ﴿ وهو الذي خلق لكم ما في الارض جميعاً ﴾[3] اذن ستكون المعادن كالشجر والماء والانهار باقية على الاباحة الأصلية وهي من الانفال فيتمكن ان يمنع من الاستفادة منها.

اشكال آخر: قد يقال اذا كان الحكم الشرعي هو ان الاحياء سبب للتمليك والحيازة سبب للتملك فما معنى ان الارض للإمام؟ أو انّ المعدن للإمام؟

الجواب: اولاً: ان الامام (رئيس المسلمين) يتمكّن ان يمنع من ذلك, رغم ان الاحياء مملّك عقلاً وشرعاً.

وكذلك نقول:

1ـ ان الامام لو طلب بالأُجرة استحقها وهو ما عبّر عنه بالطَّسق.

2ـ يتمكّن الامام ان يخرج المستفيد من المعدن ويمنع بقاءه, وحينئذٍ اذا كان تصرّف المحيي عدواناً كما في تصرّف الكافر بارض المسلمين لأخذ المعدن فلا يضمن الامام قيمة احياء المعدن ولكن اذا كان يتصرّف تصرّفاً غير عدواني, فانّ الامام يضمن للمحيي قيمة حياة الارض أو المعدن الذي وصل اليه بالحفر, وتقدّم حقّ الامام (رئيس المسلمين) على حقّ المحيي ولذا فقد ذكرت الروايات: ان المؤمن اذا احيى ارضاً أو معدناً, فليوطّن نفسه على ان تؤخذ منه الارض عند ظهور القائم.

3ـ كما يمكن للإمام (رئيس المسلمين) استثمارها وتقديم نتائجها للناس.

ثانياً: اننا نقطع بانّ ما في باطن الارض «التي هي امّا للمسلمين كالأرض الخراجية أو للإمام كالأرض الميتة» هي باقية على الاباحة الاصلية يتملّكها المخرج وذلك: لان المعادن لو كانت ملكاً للمسلمين أو ملكاً للإمام عليه السلام فاللازم هو حمل نصوص الخمس في المعدن على كثرتها على خصوص من يخرج المعدن من ملكه الشخصي الذي هو أقلّ القليل فيلزم حمل المطلق على الفرد النادر جدّاً لأنّ اكثر المتصدّين لاستخراج المعادن انما يستخرجونها من الصحاري والبراري والمناطق الجبلية والغابات وسيوف البحار وامثال ذلك وهي امّا ملك للمسلمين أو للإمام عليه السلام.

اذن حكم المعادن في اراضي المسلمين أو الامام هو حكم الاشجار والانهار والماء والكلاء الباقية على الاباحة الاصلية أو انها من الانفال التي أجاز الشارع الاستفادة منها لكل أحد من دون استملاك منجم المعدن فانه للحكومة وللمنصب العام.

اذن المعادن يشترك فيها كل البشر وخلقها الله للجميع كما قال في كتابه العزيز: ﴿ هو الذي خلق لكم ما في الارض جميعاً ﴾ فمن احياها واستولى عليها فهي له وعليه خمسها, بعد ان عرفنا عدم ثبوت السيرة على التبعية في مثل هذه الاراضي المملوكة للعنوان الى يوم القيامة.

ثالثاً: وجود سيرة عملية قطعية من كل الناس على استخراج معادن من اراضي الخراج أو الموات وهذه السيرة هي دليل على ان المعدن لا يتبع الارض في الملك, وحينئذٍ ستكون المعادن إِمّا من المباحات الأصلية التي خلقها الله تعالى لكلّ الناس أو من الانفال فيكون مَن سبق اليها بالحفر ملكها بحدود سعة حفرته وعمله وليس له منع الغير من الاستفادة من هذا المعدن.

أقول: وبعد هذه الأدلّة الدالّة على ان المعدن سواء كان ظاهر ام باطناً ليس تابعاً للأرض ويجوز لكل ّانسان تملكه والاستفادة منه والانتفاع به بالعمل والحيازة, نفهم عدم صحّة ما ذكره السيد الخوئي قدس سره حيث اكتفى بانّ منجم المعادن التي تعدُّ من توابع الارض هي ملك لمالك الارض دون منجم المعادن التي لا تعدّ من توابع الارض «لقانون التبعية».

كما لا يصح كلام صاحب العروة قدس سره الذي يقول من ملك الارض ملك معدنها, وذلك لعدم الدليل على ذلك لان المعدن ليس نماءً للأرض ولا تابعاً, بل هو ثروة أودعها الله للناس وجعلها بيد الامام فهو المالك أو قل هو القيّم عليها.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo