< قائمة الدروس

الاستاذ الشيخ حسن الجواهري

بحث الفقة

32/01/20

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الشرط الجزائي.

كان كلامنا في الشرط الجزائي، وقلنا ان الشرط الجزائي في الفقه الغربي هو عبارة عن اتفاق على تعويض الضرر الذي اوجده أحد المتعاقدين، فلابد من وجود ضرر اولاً، وان هذا الضرر اوجده المتعاقد بتعديه او تقصيره فهو ضامن، فالشرط الجزائي اتفاق على تقدير هذا التعويض عن الضرر فلو لم يكن هناك ضرر اصلا لا يستحق المشترط للشرط الجزائي هذا التعويض فلو اثبت المدين عدم الضرر بتأخيره اعطاء السلعة فيسقط الشرط الجزائي.

منشأ الشرط الجزائي

والسؤال الآن ماهو مبدأ نشوء الشرط الجزائي في الفقه الغربي؟

الدكتور السمهوري في نظرية العقد يذكر مبدأ نشوء الشرط الجزائي، يقول: كان القانون الروماني أميناً على قاعدة تقتضي بان العقد لا ينشأ حقا للغير، فاذا اشترط متعاقد لمصلحة غير طرف في العقد كان هذا الاشتراط باطلا، اي عندما اتعاقد معك واشترط لمصلحة الغير شيئاً فقالوا هذ الشرط باطل بمعنى مزدوج اي ان المشترط له الاجنبي لا يمكن ان يطالب المشتري بالشرط لانه لم يكن طرفا في العقد، والمشترط لا يجوز له ان يدعي بما اشترط للغير لان هذا الذي اشترط لم يشترط لنفسه بل كان للغير، فلا تجوز المطالبة للمشترط ولا للمشترط له وهذا يعني عدم وجوب التنفيذ على المشتري، فالمنتفع بانشاء حق للغير بواسطة الشرط ليس له مطالبة المشروط عليه، وكذا المشترط له ليس له حق المطالبة بالشرط، وهذا معنى بطلان الشرط للغير بمعنى ان تنفيذ هذا الشرط غير لازم، هذا ما ذكره القانون الروماني.

الكتور السمهوري يقول: وجدت ضرورات حياتية دعت الى الخروج على هذه القاعدة، مثلا:

اولاً: لوكنت مدينا لشخص في بغداد وبعت البيت واشترطت على المشتري تحويل المبلغ الى الدائن في بغداد، فهذا الشرط اوجد حقاً للدائن سداداً للدين.

ثانياً: ولد عنده اب كبير يريد ان يؤمن له راتبا مادام حياً، فيريد ان يبيع شيئ ويشترط ان الثمن يعطى لابيه كراتب شهري طول حياته.

ففي هذين المثالين توجد مصلحة للمشترط وتوجد مصلحة للغير، مصلحة ماديّة ومصلحة ادبيّة، الاّ ان المانع من هذا الشرط هو القاعدة المتقدمة في القانون الروماني التي تقضي بان العقد لا ينشأ حقا للغير، فعندها فكروا في الشرط الجزائي مع البقاء على القاعدة، فاوجدوا قاعدة الشرط الجزائي فقالوا بجواز ان ينشأ المتعاقد حقا له وهو طرف في العقد والحق هو جعل الشرط الجزائي يستوفيه من المشتري اذا لم ينفذ الشرط، فان لم يفي المشتري بالشرط فياخذ البايع منه عشرة ملايين دينار، فاحتالوا على نفوذ الشرط للغير بجعل الشرط الجزائي، والمشتري بين امرين فاما ان يفي بالشرط واما ان يدفع الشرط الجزائي للبائع فالشرط الجزائي في الواقع هو حيلة وقلب للواقع لان الشرط الجزائي ليس هو الاصل بل الاصل هو تحويل المبلغ الى بغداد، فاوجدوا هذه الحيلة لأجل الوصول الى مآربهم مع البقاء على القاعدة والقانون الروماني.

مناقشة الشرط الجزائي

اولاً: الفقه الاسلامي يختلف عن القانون الروماني فقد اقر وامضى العقود العرفية بقوله (اوفوا بالعقود) وذكر حديث (المسلمون عند شروطهم) فاوجب على المتعاقدين الالتزام بالوفاء بالعقد وبكل شرط ذكر في متن العقد اذا لم يكن مخالفا للكتاب والسنة سواء كانت لمصلحة المتعاقد أو لمصلحة اجنبي فالشرط يجب الوفاء به، فلم يقبل الفقه الاسلامي تلك النظرية الضيقة القائله ان العقد لا ينشا حقا للغير، وهذا فرق اساسي بين الفقه الاسلامي والقانون الروماني.

اذاً حسب فقهنا يمكن للمتعاقد ان يطلب من المتعهد والمشتري تنفيذا عينيّا لالتزامه، والاّ فان خيار الفسخ هو خيار المشترط لو تخلف شرطه.

ثانياً: لو سلمنا القاعدة الرومانية بان العقد لا ينشأ حقاً للغير، فلماذا يقال بان الشرط الذي يشترطه المتعاقد لمصلحة الغير لا يجعل له حقاً في مطالبة المشروط عليه، فأن العقد هنا لم ينشأ حقا للغير بل الشرط هو الذي أوجد حقاً للغير.

ثالثا: ان المتعاقد قد اشترط حقا لنفسه، فالفائدة تعود على المتعاقد نفسه كما تعود على المشروط له، وبالنسبة للمثال الثاني وهو جعل المرتب للاب قد عبّروا عليه بالشرط الادبي، فكانهم لايرون وجوب النفقة على الاب، فلو سلمنا عدم وجوب النفقة على الاب ولكن هل هذا الشرط لافائدة فيه للمشترط؟ بل فيه مصلحة على الاقل من حيث الاحسان والثواب وفعل الخير وفي نفس الوقت فيه فائدة للأب، وكذا بالنسبة للتعهد فلابد من تنفيذه من قبل المتعهد لان دفع الثمن للدائن الذي هو في بغداد يوجب ابراء ذمة المتعاقد من الدين وهذه فائدة للمتعاقد.

رابعاً: المنتفع بهذا الشرط وان لم يكن متعاقدا كان يكون الجار، فيصبح له حقا من الشرط فلو كان العقد لا يوجد حقا حسب الفقه الروماني لكن هذا الحق اوجده الشرط، وفي فقهنا يجب على الابن ان ينفق على ابيه ان كان محتاجا فسيتحول هذا الشرط في الفقه الاسلامي الى منفعة مادية الى الابن حيث انه بذلك يسقط عنه وجوب دفع النفقة على الاب يوميا، فالفقه الاسلامي قال ان العقد ينشأ حقا للمتعاقدين كما ينشأ حقا للغير ويجب تنفيذ هذه الشروط التي اشترطت في متن العقد اما بقوة الموجب او بقوة المحكمة فان لم يتمكن فله حق الفسخ.

فعرفنا الى هنا كيف نشأ الشرط الجزائي في الفقه الغربي، وناقشنا هذه الطريقة التي اوجبت نشوء الشرط الجزائي.

فالشرط الجزائي هو تقدير لتعويض الضرر الحاصل في الخارج نتيجة تعدي وتقصير المدين، فالشرط الجزائي تقدير لتعويض ذلك الضرر.

ما هو الضرر الذي يعوّض عنه؟ هناك ضرر ينشأ من التقصير وهو الفعل الضار فالمدين يقصر بحيث يفعل فعلا ضرريا اي الضرر من المسؤلية التقصيرية، وتارة يتخلف عن بنود العقد فلابد من تسليم المبيع في اول رمضان ولكنه لا يسلم المبيع في اول رمضان، فالتعويض عن الضرر سواء كان في المسؤلية التقصيرية او المسؤلية التعاقدية اي سواء كان من التعدي او التقصير فانه يوجب الضمان، القانونيون يقولون هناك ضرر ادبي كالاهانة وضرر مادي كالخسارة، وما لحقني من خسارة و ما فاتني من كسر هو ضرر ايضا.

نحن هنا لنا وقفتان، وهي ان الضرر الادبي لايعوض، وما فاتني من كسر هو ليس ضررا بل عدم نفع فهو ليس ضررا .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo