< قائمة الدروس

بحث الفقه - الاستاذ حسن الجواهري

العقود

31/11/15

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: شرط الصيانة و عقد الصيانة

قلنا ان الصيانة اذا دخلت كشرط في العقد فهذا الشرط صحيح يجب الوفاء به لانه ليس مجهولاً عند اهل الفن واهل الصيانة، بل هذا الشرط معلوم واذا كانت هناك جهالة فالجهالة يسيرة.

ثم تكلمنا في الربط بين شرط الصيانة وبين خيار الرد بالعيب فقلنا شرط الصيانة لا يرفع خيار العيب بالكلية بل يرفع خيار الرد بالعيب في العيوب التي يمكن اصلاحها فكأن الصائن حينما اشترط الصيانة يقول ليس لك الحق ايها المشتري ان ترد السلعة بأي عيب وان امكن اصلاحه، نعم العيوب التي لايمكن اصلاحها يمكن فيها الرد، وكذا الارش ليس للمشتري اخذه لان البائع اشترط الصيانة كمصلحة له، ففي شرط الصيانة وعقد البيع لايمكن للمشتري ان يرد العين بالعيوب التي يمكن اصلاحها ولايمكنه ان ياخذ الارش، هذا كله في شرط الصيانة .

عقد الصيانة: واما عقد الصيانة، بمعنى ان اشتري المعمل من شركة معيّنة ثم أعقد عقد صيانة مع شركة اخرى غير الشركة المصنّعة لهذا المعمل ، فنقول ان الشركة التي قبلت الصيانة لها ارتباط بخيار العيب ايضاً وليس هذه الصيانة بديل عن الرد بخيار العيب.

وتوضيح ذلك مثلاً اذا اشتريت منك داراً واشترطت الخيار لمدة اسبوع ولكنني بعد يومين اردت بيع هذه الدار وقلت للمشتري بعتك الدار الاّ ان المشتري رفض القبول، فأن هذا الامر بنفسة يوجب سقوط الخيار لأن ارادة البيع علامة الرضا بالمعاملة، وفيما نحن فيه عندما يتعاقد مشتري المعمل مع شركة الصيانة فهذا بنفسه يدل على قبول المشتري بالعيوب التي تطرء على هذا المعمل، فليس له حق الارجاع بالعيوب التي يمكن اصلاحها ، ولكن له الحق في اخذ الارش.

اذاً هناك فرق بين ان تدخل الصيانة كشرط في متن عقد البيع فالمشتري ليس له حق ارجاع المعمل بعيب يمكن اصلاحه وليس له حق الارش في عيب يمكن اصلاحه لان البائع يكمل المثمن ويرفعه من القيمة الدانية الى القيمة العالية، اما اذا دخلت الصيانة كعقد مستقل منفصل عن البائع والصانع فان عقد الصيانة بنفسه هو رضا بالعيوب التي يمكن اصلاحها وليس له الرد واما الارش فللمشتري ان يأخذه من الصانع والبايع وان كان قد عقدَ عقدُ صيانة مع شركة ثانية لان البايع لم يكمل المثمن الى قيمته التي وقع عليها العقد فهو المسؤول لاصلاح قيمة المعمل.

هذا تابع الى ان عقد الصيانة ان كان شرطاً فله ربط بخيار العيب وليس بديلاً وكذا ان كان عقداً فله ربط بخيار العيب وليس بديلا، وقد تقدمت تفصيلات ذلك .

قلنا ان الصيانة هي عقد مستقل وليست اجارة ولاجعالة ولامقاولة ولاعقد تأمين، و عقد تأمين الصيانة هو عقد يلتزم فيه طالب التأمين بدفع مبلغ سنوي اوشهري لقاء التزام شركة التأمين بدفع تعويض عن الضرر الذي يلحق بالمستأمن خلال سنة مثلا، وهذا العقد يشبه عقد الصيانة وليس هو عقد صيانة، ويشبه عقد الصيانة العلاجية (وهو اصلاح الآلة بعد خرابها في قبال الصيانة الوقائية)، فان عقد تأمين الصيانة يشبه عقد الصيانة العلاجية لاالوقائية بينما الصيانة وقائية وعلاجية هذا فرق.

وفرق ثاني ان الصائن يعمل فيرفع العيب ولا يعوض تعويضاً مالياً بينما عقد تأمين الصيانة يعوض تعويضا مالياً، فصحة عقد تأمين الصيانة لايستوجب ان يكون عقد الصيانة صحيحاً للفرقين المذكورين بينهما، فلانتمكن ان نقول اذا كان عقد تأمين الصيانة صحيحاً فعقد الصيانة صحيحاً .

قلنا ان عقد الصيانة عقد جديد لاربط له بالاجارة ولا بالمقاولة ولابالتأمين ولا بالهبة المشروطة ولا بالجعالة فلا يمكن تطبيق احكام هذه العقود على عقد الصيانة فهو عقد جديد، فلو فرضنا انه من صنف عقود الاجارة الاّ انه يتميز بخصائص معينة.

خصائص عقد الصيانة:

اولاً: هو عقد زمني محدد بسنة او سنتين وهكذا فهو يشبه الاجارة لانها عقد زمني وهو يختلف عن الجعالة لانه ليس في الجعالة زمن.

ثانياً: ان عقد الصيانة لازم للطرفين فهو يشبه اجارة الابدان والاعيان لكنه خلاف الاصل في الجعالة لان الجعالة ليست بلازمة وخلاف الاصل في الاستصناع فانه ليس بلازم (من صنع لنا خمسة سفن فله كذا) مع ان الاصل في عقد الصيانة اللزوم .

ثالثا: يجوز ان نعجّل اجرة الصائن اوتأخيرها او تنجيمها (تقسيط) وهذا بخلافه في الجعالة فان الاجرة فيها لايجوز تاخيرها او تقديمها ويتفق مع اجارة الابدان والاستصناع فيمكن فيها تقديم وتاخير وتنجيم الاجر.

رابعا: يستحق الصائن الاجرة عند تحقق غاية العمل (وهو استمرار المعمل بالعمل) والالتزام بالعقد وهذا يشبه جهالة العمل في الجعالة ولكنه يخالف الجعالة في عدم استحقاق الجعل الاّ بعد تحقق الغاية من الجعالة وهو وجدان الضالّة.

خامسا: تقدم عندنا ان الصائن عادتاً يقدم قطع غيار مع انه لايوجد هذا الامر في الجعالة، نعم هو موافق للاستصناع لانه يقدم مادّة مع العمل.

سادسا: يختلف عن الاستصناع ايضا لانه متمركز على كمية المادة ومعلوميتها اما هنا فالمادة التي لابد من تبديلها غير معلومة، فالصيانة التي فيها تبديل قطع غيار خلاف الجعالة وخلاف الاجارة على الأبدان والسلع ولكن تبديل قطع الغيار يوافق الاستصناع ويخالفه كما تقدم.

هناك عقود صيانة على العمل وتبديل قطع الغيار على المالك ولكن العامل هو الذي يقوم بالعمل ويسعى بتحصيلها من السوق وكالة عن المالك، ويأخذ نسبة عشرة بالمائة مثلا للوكالة في شراء وتبديل قطع الغيار هذا لابأس به وهو أجر على الوكالة.

سابعا:

ثم ان محل العقد في الصيانة يكون العمل اذا كانت الصيانة دورية اي وقائية (اي العمل معلوم) ، ولكن قد يكون محل العقد في الصيانة هو الصيانة الدورية والعلاجية (اي العمل غير معلوم) فمرة تكون الصيانة دورية فقط ومرة تكون الصيانة دورية وعلاجية فسيكون العمل فيه جهالة على غير المتخصصين واما عليهم فالجهالة اما منتفية او يسيرة حتى لو عُين العقد وحُدد بزمان فالجهالة موجودة الاّ انها يسيرة، فهذا العقد يختلف عن الاجارة ويشبه الجُعالة فمتى يجد الضالة فهو غير معلوم.

ثامنا: ثم عقد الصيانة الشامل للعلاجية والوقائة يكون مجهول العمل ومجهول تبديل القطع الفاسدة وهذا يختلف عن المقاولات في الاستصناع.

فعلى كل حال التكليف الشرعي لعقد الصيانة ان كان شرطاً فهذا شرط مقبول لأن الجهالة في الشرط انما تكون مبطلة اذا كانت كبيرة اما اذا كانت يسيرة فالجهالة غير مبطلة وندعي ان الجهالة على الفنيين هي جهالة يسيرة، قلنا ان عقد الصيانة باشكاله الثلاثة هو عقد جديد فلا يشملة النهي عن الصفقتين في صفقة لانه فُسر بنقد كذا وبنسيئة كذا ولا يشمله النهي عن بيع وشرط فان هذا ليس بيع والنهي عن بيع وشرط لم يلتزم به احد المذاهب وكلهم خالفوا هذه الروايات على انها ضعيفة، اذاً هذا عقد جديد يشمله «اوفوا بالعقود» ، فسواء كانت الصيانه شرطاً في ضمن العقد فالشرط يجب الوفاء به لأجل «المؤمنون عند شروطهم» والنهي الوارد عن بيع وشرط تعارضه روايات «المؤمنون عند شروطهم» على انه ضعيف، فاذا كانت الصيانة عقد مستقل فهي ايضاً عقد جديد مستقل فيه مصلحة للصائن والمالك وليس فيه جهالة تؤدي الى النزاع سواء كانت هذه الصيانة وقائية وعلاجية او كانت وقائية فقط فان هذا عقد جديد يشمله «اوفوا بالعقود» ولا داعي للاقتصار على العقود التي كانت موجودة في زمان النبي (صلى الله عليه وآله) لأن «أوفوا بالعقود» قضية حقيقية تنطبق على أي عقد جديد موجود في الخارج مادام هذا العقد واجداً لشروط العوضين وشروط المتعاوضين وشروط العقد ولم يكن هناك نهي فيه .

الآن نقول شيئ وهو انه حتى لو كانت هناك جهالة كبيرة في عقود الصيانة ولدينا نظير هذا (اي عقود فيها جهالة مع انها صحيحة) وهو عقد الجعالة فهو عقد خارجي فيه جهالة في العمل ومعلومية الاجر.

ولو فرضنا في الصيانة توجد مجهولية كبيرة ولكن اليس هو عقود فيه مصلحة للطرفين نعم هو كذلك، ومع ذلك لا تؤدي الى منازعات في الخارج ولايوجد نهي شرعي فيه وشروط العقد واضحة فيه نعم فيه جهالة ولكنه يشبه عقد الجعالة المقبولة شرعاً فليكن هذا عقد جديد فيه جهالة اقدم عليه الناس لوجود مصلحة وهو نظير الجعالة، اذاً يشمله «أوفوا بالعقود» حتى لو كان فيه جهالة أكثر من اليسيرة لانه عقد ولا دليل على المنع، ولامانع من كونه عقد جديد يشبه الاجارة ولانهى عليه، والعرف يقول بانه عقد.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo