< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

42/02/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه الخامس ( دوران الأمر بين الشرطية والمانعية ) - الدوران بين الأقل والأكثر - مبحث أصالة الاشتغال ( الشّك في المكلف به )- مبحث الأصول العملية.

وفي مقام الجواب ذكر الشيخ الأعظم(قده)[1] :- إنه يمكن اجراء البراءة عن وجوب الجهر وعن وجوب الاخفات، وهكذا يمكن اجراؤها عن وجوب الركعتين الأخيرتين وعن حرمتهما، ولا يلزم من ذلك مخالفة قطعية، لأنَّ المكلف بالتالي إما أن يفعل أو يترك، فإن فعل يوجد احتمال الموافقة وإن ترك فيوجد احتمال الموافقة، فدائماً بين النقيضين بين الوجود والعدم مخالفة قطعية أو موافقة قطعية ليس بممكن، وإنما الممكن هو الموافقة الاحتمالية أو المخالفة الاحتمالية، فإذا كان الأمر هكذا فجريان الأصلين يعود من دون مانع لأنك حتى إذا لم تجرِ الأصلين فإما أن تفعل أو تترك.

وقد يقول قائل: - إذاً ما هي فائدة الأصل؟

ولكن نقول: - إنَّ فائدة الأصل هي أنه إذا لم يجر فيوحد احتمال تعين الفعل، فأنت كيف تؤمن نفسك من تعّين الفعل أو تعيّن الترك؟!، فالأصل سوف ينفعك في التأمين، فلا توجد عليك عقوبة، وهذه فائدة، فصحيح عملاً أنت لا تخلو إما من الفعل أو الترك ولكن بالتالي لم لا نقول إنَّ الفعل هو المتعيّن شرعاً، فلابد أن نحتاج إلى يرفع تعيّن الفعل وإلى مؤمن يرفع تعيّن الترك.

وأشكل السيد الخوئي(قده)[2] وقال ما حاصله:- إنه يمكن المخالفة القطعية، فهي تتحقق بسبب جريان البراءتين وذلك بترك الصلاة رأساً.

وجوابه واضح: - فإنَّ ترك الصلاة لم ينشأ من الأصلين، فالأصل في مثال الصلاة لا يقول لك يجوز أن تترك الصلاة وإنما يقول لك الاخفات ويجوز لك الجهر لا أنك تترك الصلاة، وأما في مثال القصر والتمام الأصل يقول لك يجوز لك أن تأتي بالركعتين الأوليين مع الركعتين الأخيرتين أو من دونهما لا أنك تترك الصلاة أصلاً، فإنَّ أصل البراءة لا يقول هذا وإنما يقول رفع وجوب الجهر ورفع وجوب الاخفات ولم يقل رفع أصل الصلاة.

إذاً ما أفاده السيد الخوئي(قده) كردٍّ على الشيخ الأعظم(قده) مرفوض، لأنَّ جريان الأصلين لا يجرّ إلى جواز ترك الصلاة رأساً بل يجرّ إلى الاتيان بالصلاة إما مع الجهر وإما مع الاخفات، وهكذا بالنسبة إلى الركعتين الثالثة والرابعة، فهو يقول لك يجوز لك أن تأتي بالركعتين الأوليين مع ضم الأخيرتين أو من دون ضمهما، ولا يقول لك اترك الصلاة رأساً، فإذاً هذا لا يتسجّل كنقضٍ على الشيخ الأعظم(قده).

وذكر السيد الشهيد(قده)[3] [4] رداً على الشيخ الأعظم(قده)فقال:- إنَّ المخالفة القطعية ممكنة، وذلك من خلال الاتيان بالركعتين الأخيرتين مثلاً أو بالجهر أو بالاخفات من دون قصد القربة، فتأتي بطرفٍ من دون قصد القربة، فبالتالي حينما تأتي بذلك الطرف من دون قصد القربة صارت مخالفة قطعية، لا أنه لا يمكن تحقق المخالفة القطعية.

والجواب واضح حيث يقال:- إنَّ جريان الأصل يؤمننا من الشيء الذي يحتمل وجوبه، أو الشيء الذي يحتمل حرمته هو يؤمننا عنه، فهو يؤمن عن الواجب ويؤمن عن الحرام ولا يؤمن عن شيء آخر لا هو الواجب ولا هو الحرام، وفي موردنا الواجب هو إما الاتيان بالركعتين مع قصد القربة أو أنَّ الحرام هو الاتيان بهما بقصد القربة، إذاً الاتيان بهما بقصد القربة إما هو الواجب أو هو الحرام، وأصل البراءة يؤمنك من هذا الذي هو يدور الأمر فيه بين أن يكون هو الواجب - وهو الاتيان بالركعتين الأخيرتين بقصد القربة - أو يؤمنك من فعلهما وأنه ليس بحرام، فالأصل يؤمن برفع الوجوب عمّا يحتمل وجوبه وهو الاتيان بالركعتين بقصد القربة، أو يؤمن من الفعل الحرام عمّا يحتمل حرمته وهو الاتيان بهما بقصد القربة، وأما الاتيان بهما لا بقصد القربة فليس هو الذي يحتمل وجوبه ولا أنه هو الذي يحتمل حرمته، بل الواجب هو إما الاتيان بالركعتين بقصد القربة أو المانع بالركعتين بقصد القربة أما الاتيان بهما من دون قصد القربة فهذا لا يحتمل أنه هو الواجب أو أنه هو المانع حتى نقول إنه يلزم من جريان الأصلين إمكان المخالفة القطعية وذلك بالاتيان بالركعتين الأخيرتين من دون قصد القربة فإنَّ هذا ليس هو الطرف الذي يحتمل وجوبه أو يحتمل حرمته حتى يؤمن منه أصل البراءة وإنما أصل البراءة يؤمن ما يحتمل وجوبه أو حرمته.

إذاً بقي ما أفاده الشيخ الأعظم(قده) من دون جواب، فإنه قال يمكن جريان كلا الأصلين عن الفعل وعن الترك وبالتالي تصير النتيجة هي التخيير، وهذا ضد ما ذكرناه في البداية، حيث قلنا إنه في مثل هذا المورد يلزم الاحتياط بفعل الصلاة مرتين مرة مع الركعتين الأخيرتين ومرة من دونهما، ومرة مع الجهر ومرة من دون الجهر، فإذاً لابد لنا من جوابٍ يدفع كلام الشيخ الأعظم(قده) حتى ثبت صحة مدّعانا.

والذي نقوله رداً على أما ما أفاده الشيخ الأعظم(قده):- هو أنَّ الأصلين لا يجريان لما أشرنا إليه في بعض الأبحاث السابقة، من أنَّ نتيجة الأصلين إذا كانت مخالفة قطعية لما نعلم به فهذه المانعية يصير بمثابة الارتكاز العقلائي يمنع من شمول اطلاق دليل الأصل لمثل هذا المورد، فصحيح أنَّ دليل الأصل ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون ) بالظاهر أنه مطلق ولكن يوجد ارتكاز عقلائي بأنَّ هذا الترخيص يجري إذا لم نعلم قطعاً بمخالفته، أما إذا كنّا نعلم قطعاً بمخالفته فلا يأتي الترخيص، فصحيح أنَّ ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون ) مطلق ولكن مادام يلزم محذور الترخيص في المخالفة القطعية فهذا بمثابة المانع العقلائي من شمول إطلاق دليل الأصل لمثل هذا المورد، فيصير بمثابة المقيد اللبي، وهذا المقيد اللّبي يقيّد الاطلاق بشرط أن لا تلزم مخالفة قطعية من جريان الأصل.

وفي مقامنا يلزم من جريان الأصل مخالفة قطعية، لأنَّ عدم وجوب الجهر ولا الاخفات باطل جرماً لأنه إما أن يكون الجهر واجب أو الاخفات واجب أما أنَّ الاثنين ليسا بواجبين فهذا باطل جزماً، فجريان الأصلين لا نحتمل موافقته للواقع وإنما هو باطل جزماً، فإطلاق دليل ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون ) لا يشمل هذا المورد ويصير مقيداً بالمقيد اللبّي، فصحيح أنه لا تلزم مخالفة عملية ولكن الترخيص في المخالفة في ترك الاثنين معاً غير صحيح، لأنَّ أحدها واجب جزماً، فهذا الترخيص نجزم ببطلانه، فإطلاق دليل الأصل لا يمكن أن يشمل مثل هذه الحالة.

نأتي بهذا المطلب أيضاً في أطراف العلم الإجمالي، كما لو كان عندنا عشرة أواني أحدهما نجس، فإنَّ جريان دليل فيها لا يمكن، لأنَّ جريانه في بعضها ترجيح من دون مرجح وجريانه في جميعها يكون ترخيصاً في المخالفة القطعية، ولو قال البعض: أنا لا أستطيع أن أتناول الجميع، ولكن نقول: لنفترض أنك لا تستطيع تناول الجميع ولكن بالتالي سوف يلزم أن يرخصك المولى في المخالفة القطعية، والعقلاء يمنعون عن شمول الاطلاق لمثل هذه الحالة ويرون أنه مقيّد بمقيد لبّي وهو أننا نتمسك الاطلاق إذا لم يلزم منه الترخيص في المخالفة القطعية، هذا أيضا نقوله في أطراف الشبهة المحصورة، وموردنا هذا أيضاً هو شبهة محصورة فإمّا جهر أو اخفات.إذاً ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) مردود لقصور إطلاق دليل البراءة عن الشمول للجهر والاخفات معاً وللقصر والاتمام معاً، لأنه يلزم منه الترخيص في المخالفة القطعية، فإذاً لا يجري الأصل، فإنه لا يجري عن أحدهما لأنه ترجيح من دون مرجح، وإذا جرى عن كليهما فسوف يلزم الترخيص في المخافة القطعية، فلا يجري في شيءٍ منهما.

والنتيجة: - هي أنه يلزم الاحتياط، وبذلك ثبت ما أدرناه.


[2] مصباح الأصول، الخوئي، ج2، ص564.
[4] دروس في علم الأصول ( الحلقة الثالثة)، السيد الشهيد، ج2، ص194، ط قديمة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo