< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

40/07/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- حكومة حديث الرفع على الأدلة الأولية - أصل البراءة- مبحث الأصول العملية.

النقطة الثامنة:- حكومة الحديث على الأدلة الأولية.

قد يقال إنَّ النسبة بين الأدلة الأولية وحديث الرفع هي عادة نسبة العموم من وجه ، كما في مثل دليل وجوب الصوم مع فقرة الاكراه لو فرض أن شخصاً أكرهني على الافطار حينئذٍ نقول إنَّ النسبة بين دليل وجوب الصوم وبين دليل ( رفع ما استكرهوا عليه ) هي العموم من وجه ، لأنَّ دليل وجوب الصوم يدل على وجوب الصوم وبإطلاقه سواء لم يكن هناك اكراه أو كان هناك اكراه فهو مطلق من هذه الناحية وحديث نفي الاكراه ايضاً هو مطلق يشمل الصوم وغير الصوم ، فعلى هذا الأساس كل واحد منهما هو أعم من جهة وأخص من جهة ، فدليل الصوم أخص لأنه خاص بالصوم ، وهو أعم لأنه يدل على الوجوب سواء فرض وجود اكراه أو لا يوجد اكراه ، ودليل رفع الاكراه خاص بالإكراه فيرفع الاكراه ، وعام للصوم وغير الصوم ، فالنسبة هي العموم والخصوص من وجه ، وهذا الذي نقوله سيّال في كل الموارد تقريباً ، فدائماً النسبة بين الحكم الأولي - الذي هو مثل دليل وجوب الصوم - وحديث الرفع الذي هو حكم ثانوي النسبة بينهما عموم وخصوص كما أوضحنا ، والأمر كذلك في سائر الأمثلة ، فإذا كانت النسبة هي العموم من وجه فلماذا نقدم حديث الرفع على تلك الأدلة الأولية والحال أنَّ المناسب هو التساقط في مادّة المعارضة ، فهنا لماذا لا نقول بالتساقط وقدمنا حديث الرفع ؟

الجواب واضح حيث نقول:- إنَّ حديث الرفع ناظر إلى الأدلة الأولية ، فهو يفترض وجود أدلة أولية ويقول رفع ما استكرهوا وما اضطروا وما شاكل ذلك ، أما إذا لم تكن هناك أدلة أولية وجاء حديث الرفع وحده فإنه سوف يكون لغواً ولا معنى له ، فإذاً هو ناظر إلى الأدلة الأوّلية ، وهذا النظر نفسه من موجبات التقديم ، فالمولى ينظر إلى تلك الأدلة ويقول إنَّ تلك الأدلة مختصة بغير حالة الاكراه أو حالة الاضطرار فيقدّم حينئذٍ ، وهذا ما يصطلح عليه في علم الأصول بالحكومة.

إذاً حديث الرفع يقدم على الأدلة الأولية رغم أنَّ النسبة هي العموم من وجه لملاك النظر ، أو بتعبير آخر قل لملاك الحكومة.هل الحكومة في المورد واقعية أو ظاهرية ؟والحكومة الواقعية يعني أنه يرفع واقعاً والحكومة الظاهرية هي أنه يرفع حالة الشك وعدم العلم وإلا فالحكم موجود واقعاً ، فهل حكومة حديث الرفع على الأدلة الأولية واقعية أو ظاهرية ؟

والجواب:- إنها بلحاظ بعض الفقرات واقعية وبلحاظ البعض الآخر ظاهرية ، فمثلاً بلحاظ ما استكرهوا عليه وما اضطروا إليه وما لا يطيقون فهذا الرفع واقعي ، يعني بتعبير آخر يريد أن يخصص ذلك الدليل ، فهو يقول إنَّ دليل جوب الوضوء أو دليل وجوب الصوم خاص بحالة عدم الاكراه أما إذا كان هناك اكراه او اضطرار إلى الترك فلا يوجد حكم واقعاً ، وهذه حكومة واقعية لا ترتبط بالعلم والجهل ، وهذا بخلاف فقرة ( رفع ما لا يعلمون ) يعني إذا لم تعلم - يعني حين الشك - أنا أرفعه مادام لا علم وهذه حكومة ظاهرية بمعنى في ظرف الشك وعدم العلم أنا أريد التخفيف عنك ، يعني معناه ان الحكم واقعاً قد يكون ثابتاً فالتدخين مثلاً قد يكون حراماً واقعاً ووجوب الدعاء عند رؤية الهلال قد يكون ثابت واقعاً ولكن ما دمت لا تعلم فقد رفع عنك ، وهذا رفع لوجوب الاحتياط وليس رفعاً وقعياً ، لأنه لو كان رفعاً واقعياً لزم اختصاص الأحكام بخصوص العالمين وهو باطل.

هل حكومة حديث الرفع على الأدلة الأولية حكومة بلحاظ الموضوع أو هي حكومة بلحاظ المحمول - أي بلحاظ الحكم -فحديث الرفع هل هو ناظر إلى الموضوع ويتصرف فيه ويرفعه أو هو ناظر إلى الحكم ويتصرف فيه ؟

أجاب الشيخ النائيني(قده)[1] قائلاً:- إنَّ حديث الرفع حاكم على الأدلة الأولية بلحاظ موضوعها ، وأما حديث نفي الحرج ونفي الضرر فهو حاكم بلحاظ محمول الأدلة الأولية.

أما أنَّ حديث الرفع حاكم بلحاظ الموضوع:- فذلك باعتبار أن الاكراه أو عدم الاطاقة أو الاضطرار مثلاً لا تكون بلحاظ الحكم فإنَّ الشخص لا يكره على الحكم وإنما يكره على الموضوع أو المتعلق - ومقصودنا من الموضوع والمتعلق هنا واحد - فيكره على الافطار مثلاً أو أنا لا أطيق الصيام الذي هو موضوع أو أنا مضطر للإفطار الذي هو موضوع - متعلَّق - ، فإذاً الاضطرار والاكراه وما شاكل ذلك هي أمور تطرأ على الموضوع لا على الحكم ، وهذا بخلافه في ( لا ضرر ) و ( لا حرج ) فإنَّ الحرجي والضرري ينشأ من الحكم ، فالحكم عليَّ بوجوب الحج يوجب الضرر أو الحرج ، وهكذا الحكم بوجوب الوضوء يوجب الحرج أو الضرر فيكون لا حرج ولا ضرر حاكماً بلحاظ الحكم - المحمول - في الأدلة الولية أما حديث الرفع فهو يكون حكماً ورافعاً بلحاظ الموضوع.

وفي التعليق نقول:- إذا أردنا أن نسير كما سار فنقول إنَّ حديث الرفع يمكن أن يكون رافعاً بلحاظ الحكم أيضاً ، كالنسيان فإنه يمكن أن يطرأ النسيان على الحكم ، كما لو كان المكلف ناسياً لحرمة الارتماس على الصائم فارتمس ، فالنسيان هنا يصير للحكم لا للموضوع ، وهكذا بالنسبة إلى فقرة ( ما لا يعلمون ) ، فنحن لا نعلم بوجوب لادعاء عند رؤية الهلال ، فالوجوب لا نعلمه فرفع ، وحرمة التدخين لا نعلمها فرفعت.

فيلزم على قول الشيخ النائيني(قده) أن تكون النتيجة هي التفصيل ، فلا يقول إنَّ حديث الرفع هو دائماً حاكم بلحاظ الموضوع ، بل المناسب أن يقول قد يكون حاكماً بلحاظ الموضوع وقد يكون حاكماً بلحاظ الحكم.أما قاعدتي نفي الضرر ونفي الحرج:- فهو قال إنَّ الحكومة هي بلحاظ الحكم ، لأنَّ الحكم بوجوب الصوم أو بوجوب الوضوء أو بوجوب الحج هو الذي يوجب الضرر أو الحرج أحياناً ، ونحن نقول:- كلا فإنًّ الحرجية ليست في الحكم وإنما الحرجية في الموضوع ، فإنَّ الوضوء هو الحرجي وليس والوجوب حرجياً ، فإنَّ الذي هو حرج في الجوّ البارد ليس وجوب الوضوء وإنما هو الوضوء ، أو أنَّ الحج عليَّ حرجي لأني كبير السن ، نعم نحن ننسب الحرجية إلى الحكم من باب وصف الشيء بحال متعلّقه فنقول وجوب الوضوء حرجي باعتبار أنَّ الوضوء حرجي ، أو وجوب الحج حرجي باعتبار أنَّ الحج حرجي.فإذاً بالنسبة إلى قاعدتي نفي الضرر ونفي الحرج يلزم أن يقول الشيخ النائيني(قده) إنَّ الحكومة هي بلحاظ الموضوع لأنَّ الموضوع هو الذي يتصف بالحرجية والحكم إن اتّصف بالحرجية إنما يتصف باعتبار الموضوع.فإذاً ما أفاده محل تأمّل.

والأنسب أن نفصّل بين الاحتمالات الثلاثة:- فنحن ذكرنا في حديث الرفع ثلاث احتمالات ، الأول تقدير المحذوف ، والثاني تنزيل الفعل منزلة عدمه ، والثالث الرفع التشريع ، فمن المناسب أن يفصّل بلحاظ هذه الاحتمالات الثلاثة.

 


[1] فوائد الأصول، النائيني، ج3، ص347.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo