< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

40/07/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- ما هو المرفوع بحديث الرفع ؟ - أصل البراءة- مبحث الأصول العملية.

النقطة السابعة:- ما هو المرفوع بحديث الرفع ؟

والمقصود أنَّ حديث الرفع قال رفع الخطأ والنسيان وما لا يعلمون و..... ماذا يراد من الرفع هنا فهل المقصود أن نفس هذه الأمور رفعت يعني نفس الخطأ رفع وجعل بمثابة عدم الخطأ ؟إنَّ هذا باطل لأمرين:-

الأول:- إنه يلزم منه الكب فإنَّ الخطأ موجود ولم يرفع ، فإن الرفع الحقيقي غير متحقق لأنه إذا كان الرفع الحقيقي متحققاً فهذا معناه أنه لا يوجد عندنا خطأ ولا نسيان في الاسلام ، وما أكثر الخطأ والنسيان عندنا وما اضطروا إليه وما لا يطيقون ، فإذاً لابد أن يكون المقصود ليس هو الرفع حقيقيةً.

ثانياً:- إنه يلزم عكس المنَّة ، يعني المفروض أن الحديث امتناني وإذا رفعت هذه العناوين حقيقة وتبدل النسيان إلى عدم النسيان يعني صار الشخص عامداً وهذا سوف يلزم منه عكس المنَّة يعني سوف يحاسب حساب المتعمد لا حساب الناسي ، لأنَّ الناسي يخفف عليه أما إذا كان المقصود هو رفع النسيان حقيقةً فسوف تصير عامداً ولا داعي إلى التخفيف عليك فإذا نسيت النجاسة فالمفروض أننا نريد أن نعيفك للمنَّة ، بينما هنا سوف تعد عامداً ، فإذا صليت بالنجاسة نعدّك عامداً بالصلاة في النجاسة فنقول إنَّ هذه صلاة عمدية بالنجاسة فلابد من الاعادة ، فهذا ينتج عكس المنَّة.

فإذا لهاتين النكتتين نقول إنَّ رفع هذه الأمور ليس رفعاً حقيقياً.

والنتيجة:- هي أنَّ الرفع الحقيقي ليس بمقصود.

فإذا ما هو المقصود في هذا المجال بعد عدم ارادة الرفع الحقيقي ؟المعروف في كلمات الشيخ الأنصاري(قده) وغيره من القدماء أنه لابد من تقدير ، وقد اختلف في أن المقدّر ما هو ، فيحتمل أن المقدر هو المؤاخذة - يعني العقوبة - ويحتمل أن المقدر هو الأثر الظاهر في كل مورد بما يناسبه فإن كان هو المؤاخذة فهي ، وإن كان الأثر الظاهر في كل مورد شيئاً آخر يكون ذلك الأثر الظاهر هو المقدَّر فلو كان كفارة فنقول بالكفارة أو كان وجوب الاعادة فنقول بوجوب الاعادة وهذا حسب المورد ، فالمدار على الأثر فنقدّر الأثر الظاهر وهذا قد يختلف من مورد إلى مورد آخر ، أو نقول إنَّ المقدَّر هو جميع الآثار لا خصوص المؤاخذة ، بل المؤاخذة ووجوب الاعادة ووجوب الكفارة وجميع الآثار مرتفعة ، أي أنَّ كل الآثار المترتبة على حالة العمد ترتفع في حالة الخطأ والنسيان ، هذه ثلاث احتمالات ذكرت في كلمات القدماء وجاءت الاشارة إليها أيضاً في كلمات الشيخ في الرسائل.

أما وجه الاحتمال الأول:- وهو تقدير المؤاخذة باعتبار أنه هي القدر المتيقن.

وأما وجه الاحتمال الثاني:- فباعتبار أن الفهم العرفي يقتضي أن المقدّر هو الأثر المناسب الذي يختلف في كل مورد.

أما وجه الاحتمال الثالث:- فهو التمسك بالإطلاق ، فإنه حيث لم يذكر خصوص المؤاخذة أو خصوص الأثر الظاهر فنقول إن المقدر هو جميع الآثار تمسكاً بالإطلاق ، وجهه أولاً: هو الاطلاق ، وثانياً: إنَّ رفع جميع الآثار هو الأقرب إلى نفي الحقيقة ، فإنه قد نفيت الحقيقة فقد نفي الخطأ ونفي النسيان .... وهكذا ، فالأقرب إلى عدم الشيء حقيقةً هو عدمه بلحاظ اثره فنقول كل الآثار مرتفعة.

إذاً القدماء اختلفوا في المقدَّر.

وذكر الشيخ العراقي والأصفهاني والنائيني(قده) احتمالين آخرين في المرفوع وبالتالي تصير الاحتمالات ثلاث:-

الاحتمال الأول:- ما ذهب إليه القدماء وعلى رأسهم الشيخ الأعظم(قده)[1] وحاصله: إنَّ المرفوع مقدر والمقدر إما المؤاخذة أو الأثر المناسب أو جميع الآثار.

الاحتمال الثاني:- أن نقول: إنَّ المقصود هو الرفع بنحو التنزيل ، يعني أن هذا الذي صدر بنحو النسيان كما إذا أكلت أو شربت في نهار شهر رمضان ناسياً ، فرفع النسيان يعني نزّل منزلة العدم ، وإذا صدر الشيء خطأً فهذا الصادر خطأً منزّل منزلة العدم ، وإذا صدر شيء عن اكراه فهو منزّل منزلة العدم ، فالمقصود هو الرفع بنحو التنزيل ، لا أننا نقدّر آثار كالمؤاخذة وغير ذلك وإنما نقول إنَّ المقصود من الرفع هو الرفع التنزيلي أي نزّل ما وقع نسياناً منزلة العدم وما وقع خطأً نزّل منزلة العدم ....... وهكذا ، ومن الواضح أننا نضم إلى ذلك مقدمة ، وهي أنَّ مقتضى اطلاق التنزيل أنَّ هذا التنزيل هو بلحاظ جميع الآثار إلا ما خرج بالدليل فالخارج هو الذي يحتاج إلى دليل ، ومادام لا دليل على اخراج بعض الآثار فمقتضى اطلاق التنزيل هو التعميم إلى جميع الآثار ، من قبيل ( الطواف بالبيت صلاة ) - إن صح هذا الحديث فإنه ليس وارداً من طرقنا - فالمقصود أنه ينزّل الطواف منزلة الصلاة ، وبمقتضى اطلاق التنزيل أنَّ الطواف هو بمزلة الصلاة بلحاظ جميع الآثار ، هنا أيضاً كذلك نقول إنَّ الرفع رفعاً تنزيلياً يعني نزّل الشيء المنسي منزلة العدم وكأنه لم يقع خارجاً ، ولكن هذا التنزيل بلحاظ الآثار ومقتضى اطلاق التنزيل هو الشمول لجميع الآثار إلا ما خرج بالدليل.

والفارق بين هذا الاحتمال وبين الاحتمال الذي ذهب إليه القدماء واضح:- فإن القدماء يقدرون محذوفاً فيقولون إن الحديث ليس بصدد التنزيل وإنما هو من قبيل ﴿ واسأل القرية ﴾ يعني أهل القرية فهو ليس تنزيلاً والعرب يوجد عندهم حذف لبعض الكلمات وهنا يوجد حذف ، فحينما يقال ( رفع عن أمتي النسيان ) يعني المؤاخذة أو الكفارة مثلاً ، فنقدِّر ، وحينئذٍ نقدِّر إما خصوص المؤاخذة او الأوسع من ذلك ، أما الاحتمال الثاني الذي ذهب إليه المتأخرون فهو أن الرفع تنزيلي ومقتضى اطلاق التنزيل هو يكون بلحاظ جميع الآثار فكل الآثار مرتفعة بلا حاجة إلى تقدير كلمة حتى يدور الأمر بني تقدير الأقل أو الأكثر.

إن قلت:- إنه لا فرق بين الاحتمال الأول والاحتمال الثاني فإن الاحتمال الأول يكون الرفع بلحاظ الآثار التي هي إما المؤاخذة أو جميع الآثار فبالتالي الرفع هو بلحاظ جميع الآثار ، وفي الاحتمال الثاني الذي هو رفع تنزيلي أيضا يكون بلحاظ الاثار فبالتالي هما من وادٍ واحد ، فذلك يرفع الاثار ولكن يقدّر ولكن يقدِّر ، وفي الاحتمال الثاني أيضاً الرفع هو بلحاظ الآثار ولكن من دون تقدير وما نقول إن مقتضى اطلاق التنزيل هو رفع جميع الآثار وهذا لا يؤثر ، فبالتالي الرفع هو بلحاظ الآثار من دون فرق بين الاحتمال الأول والاحتمال الثاني.

قلت:- إنه في الاحتمال الأول يفترض جود شيء محذوف وذلك المحذوف هو الأثر ولكن يدور الأمر بين أن نقول المحذوف هو أثر أحد أو أن المحذوف هو مجموعة آثار ، فبالتالي نقدر كلمة محذوفة وإذا دار أمر المقدَّر بين القلة والكثرة فنقتصر على ألقل لأنه القدر المتيقن والزاد هو الذي يحتاج إلى قرينة ، بنما على الاحتمال الثاني نتمسّك بإطلاق التنزيل ، فنقول حينما نزّل الذي وقع خطأً منزلة العدم ، وهو نزّل منزلة العدم بلحاظ اي اثر ؟ إنَّ التقيد بأثر دون أثر هو الذي يحتاج عرفاً إلى بيانٍ زائد ، أما الشمولية إلى جميع الآثار فهو لا يحتاج إلى بيان زائد ، بل يكفي عدم البيان لإثبات ارادة جميع الآثار.

إذاً هذا فارق مهم بين الاحتمال الأوّل وبين الاحتمال الثاني.

إن قلت:- إنه على الاحتمال الأول لو أريد جميع الآثار لا يلزم كثرة تقدير ، ومعه لا فرق بين الاحتمال الأول والاحتمال الثاني ، أما أنه كيف لا يلزم كثرة تقدير ؟ ذلك باعتبار أننا لا نذكر الآثار كل واحدٍ بعنوانه ، يعني لا نقول في باب النسيان ( رفعت المؤاخذة ورفع وجوب القضاء ورفع وجوب الكفارة ....... ) حتى يقال إنه يلزم كثرة التقدير وكثرة التقدير تحتاج إلى دليل وحيث لا دليل فالأصل العدم فنقتصر على القدر المتيقن ، وإنما نحن نقدّر كلمة واحدة هي تشمل جميع الآثار من دون زيادة تقدير ، وذلك بأن نقول ( رفعت الآثار ) فنعبّر بكلمة ( الآثار ) ولا نعبّر بكلمة ( مؤاخذة ووجوب اعادة ووجوب قضاء و..... ) حتى يلزم كثرة التقدير وحتى تقول لي إنه عند الدوران بين كثرة التقدير والقلّة نقتصر على القدر المتيقن ، بل تعال وقدّر عنوان ( جميع الآثار ) فتنحّل المشكلة.

قلت:- إن تقدير ( جميع الآثار ) هو تقديرٌ لكثيرٍ أيضاً ولكن مع اختصار العبارة ولكن بالنظرة العرفية قد قدرّنا جميع الآثار ، لكن القدر المتيقن هو المؤاخذة أما جميع الآثار فمشكوك فعادة المشكلة من جديد ، فإذاً أنت أردت تتغلب على المشكلة باللفظ فغيرت اللفظ ، وهذا التغيير اللفظي لا يغير من واقع الحال شيئاً ، لأنَّ العرف يرى أنه سوف تكون كثرة تقدير والأصل عدمها.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo