< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

40/02/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- حجية خبر الواحد.

ومن خلال هذا يتضح الردّ على الشيخ عبد الكريم الحائري(قده) حيث قال:- إنَّ الموضوع ليس هو طبيعي الخبر وإنما هو خبر الفاسق وإلا يلزم المحذور الذي ذكره .

فيرد عليه:- إنَّ هذا وجيه يعني كون الموضوع هو خبر الفاسق بقيد الفسق بلحاظ عالم الثبوت فثبوتاً الموضوع ليس هو مطلق الخبر بل خبر الفاسق ، ولكن صياغة وتركيباً الأمر ليس كذلك ، فإنَّ الآية الكريمة جعلت الموضوع هو النبأ فقال ﴿ إن جاءكم فاسق بنبأ ﴾ فطبيعي النبأ جعلته هو الموضوع والشرط شيء ثاني ، صحيح لبّاً الشرط هو قيد في الموضوع أما صياغةً فلا والمدار في اقتناص المفهوم على ملاحظة عالم الصياغة وتركيب القضية لا على ملاحظة عال اللب والواقع ، فما ذكره مندفع.

والنتيجة من خلال هذا:- اتضح أنَّ الموضوع ليس هو خبر الفاسق وإنما هو طبيعي الخبر فلا الموضوع هو الفاسق كما ذكر السيد الخوئي في الاحتمال الرابع ولا خبر الفاسق كما هو مقتضى الاحتمال الثاني بل هو طبيعي الخبر كما هو مقتضى الأحمال الأول الثالث ، وبناءً عليه يلزم أن يثبت المفهوم ، هكذا ربما يقال.

ولكن رغم هذا يشكل الجزم بثبوت المفهوم وذلك ببيان:- أنَّ الآية الكريمة لو كانت تعبّر بكلمة ( النبأ ) يعني مع الألف واللام لقبلنا بثبوت المفهوم بأن كانت تقول هكذا: ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسف بالنبأ فتبينوا ) ، فإذا كانت تقول هكذا فبعرفيتنا وبذوقنا العرفي نرى ثبوت المفهوم ، ولكن كلمة النبأ لم تذكرها مع الألف واللام بل ذكرتها من دونها فيصير المقام نظير ( إن جاءك زيد بنبأ فخذ به ) فإنَّ هذه القضية لا ينعقد لها مفهوم ، فلا يفهم من ذلك ( إن لم يجئك زيد فلا تقبل بقوله أو اقبل بقوله ) ، بل أصلاً لا دلالة لها على ذلك مادامت كلمة ( نبأ ) جيء بها منكّرة ، وهذا نشعر به بوجداننا ، ففرقٌ بين أن يؤتى بكلمة ( نبأ ) مع الألف واللام ويقال ( النبأ إن جاء به زيد فخذ به ) أو ( إن جاءك زيد بالنبأ فخذ به ) فهذه نشعر بوجود المفهوم فيها ، ففرقٌ بين كلمة ( نبأ ) إذا جيء بها من دون ألف ولام ، وهذا شعور وجداني نلمسه بوجداننا.

أما أنك تسألني وتقول:- ما هي فلسفة ومنشأ هذا الشعور الوجداني ؟

قلت:- إنَّ النكتة ليست مهمة ، ولعله أنه حينما نعبّر بكلمة النبأ بالألف واللام صار هناك موضوع وصار هناك حكم وصار هناك شرط فينعقد مفهوم ، أما إذا أتي بها من دون ألف ولام صارت كلمة بنبأ من توابع الشرط وكأنه لا موضوع مسلط عليه الضواء ومستقل في القضية ، فعله المنشأ في هذا الشعور الوجداني هو هذا ، هذا ليس مهماً لي ، بل المهم أنك تشعر بالوجدان بين قولك ( إن جاء زيد بالنبأ فخذ به ) هذا نشعر بالمفهوم فيه وبين ما إذا قيل ( إن جاء زيد بنبأ فذ به ) فهذا لا نشعر بالمفهوم فيه ، فهذا مادمنا نشعر به نطبقه في الآية الكريمة ، ففي الآية الكريمة الأمر كذلك ، ونحن فميا سبق كنّا نتقبل المفهوم إذا كان الموضوع هو طبيعي النبأ كنّا نلحظ كلمة النبأ بأنها محلّاة بالألف واللام ويوحى ذلك لنا ولو من خلال تعبيري أو تعبيرك أنها معرفة بالألف واللام ، أما إذا جرّدناها عن الألف واللام - كما في الآية الكريمة - فحينئذٍ لا يستفاد المفهوم من الشرط.

إن قلت:- ما ذكرته وجيه ولكن من ناحية أخرى من يقرأ الآية الكريمة يفهم منها المفهوم فهذا أيضاً خذه بعين الاعتبار ، فكيف التوفيق بين المطلبين ؟

قلت:- إنَّ هذا الشعور الثاني مسلّم أيضاً ولكنه ليس من باب الشرط وإنما هو من باب آخر ، فلعله هناك مناشئ أخرى كما ذكرنا ، فهو من باب مناسبات الحكم الموضوع ، وهو الذي أشرنا إليه سابقاً ، فالمناسب أنَّ الفاسق يختص بوجوب التبيّن ، أو من باب أن الآية الكريمة في صدد اعطاء قاعدة عامة ولازم اعطاء القاعدة العامة أن يثبت المفهوم ، ولكن هذه مناشئ أخرى ونحن الآن نتكلم عن مفهوم الشرط وبلحاظ الشرط ونغضّ النظر عن المناشئ الأخرى ، فإذا لاحظنا الشرط وحده فحينئذٍ يشكل استفادة المفهوم ، لأنه من قبيل ( إن جاءك زيد بخبر فخذ به ) فإنه لا نستفيد من ذلك المفهوم ، بخلاف ما لو قيل ( إن جاءك زيد بالخبر ) فنستفيد من ذلك المفهوم.

ولعلّ الذي دعا الشيخ الأعظم(قده) في الرسائل[1] إلى قبول الاشكال بأنَّ الآية الكريمة لا مفهوم لها من باب الشرط وأنه يمكن أن يقال هي مسوقة لبيان تحقق الموضوع ، فإنَّ كلامه يدل على أنه يرضى بذلك من دون أن يفصح عن المنشأ ، ولعل المنشأ هو ما أشرنا إليه ، وهو أنَّ كلمة ( نبأ ) جيء بها نكرةً ولم يؤتى بها معرّفة ، والمفهوم من الشرط يستفاد فيما إذا جيء بها معرفة ولا يستفاد إذا جيء بها منكّرة.

والخلاصة من كل هذا:- إنَّ الآية الكريمة من باب الشرط لا يمكن استفادة المفهوم منها ، نعم يستفاد ذلك منها من باب آخر ، وقد أشرنا إلى ذلك سابقاً بأنه من باب أنها تعطي قانوناً عاماً ، أو من باب مناسبات الحكم والموضوع ، ولكن تلك قضية أخرى.

التفرقة بين الاحتمال الأول الاحتمال الثالث:- ذكرنا فيما سبق أنَّ الاحتمال بناءً عليه يثبت المفهوم ، وهو أن يكون الموضوع هو طبيعي النبأ لا نبأ الفاسق والشرط هو كون الجائي بالنبأ فاسقاً ، وقد قلنا هذا الشرط ليس محققاً للموضوع فيثبت المفهوم بلا شكال ، والاحتمال الثالث أن يكون الموضوع هو النبأ أيضاً كالأول إلا أنَّ الشرط ليس هو كون الجائي فاسقاً وإنما مجيء الفاسق بالنبأ ، وقد قلنا إنه بناءً على الاحتمال أيضاً يثبت المفهوم لأجل أنَّ طبيعي النبأ لا يتوقف على مجيء الفاسق بالنبأ بل يمكن أن يتحقق بعدم مجيئه وذلك بأن يجيء العادل بالنبأ ، فإذاً على الاحتمال الأوّل والثالث يثبت المفهوم.

بيد أنه يظهر من بعض ومنهم صاحب الكفاية(قده) التفرقة:- وأنه على الاحتمال الأوّل يثبت المفهوم ، وأما على الاحتمال الثالث فلا يثبت المفهوم ، وممن يظهر من ذلك صاحب الكفاية(قده)[2] ، وممن بنى على ذلك السيد الروحاني(قده)[3] ونسبه إلى الشيخ الأصفهاني(قده) في منتهى الدراية ، أما ما هو توجيه ذلك ؟

قد يوجّه ذلك بوجهين:-

الوجه الأول:- أن يقال: إنه على الاحتمال الأوّل الشرط لا يكون محققاً للموضوع ، لأنَّ الشرط هو كون الجائي متصفاً بالفسق ، ومن الواضح أنَّ اتصاف الجائي الفسق لا يحقق النبأ ، وهذا بخلافة في الاحتمال الثالث فإنَّ الشرط هو مجيء الفاسق ومجيئ الفاسق بالنبأ يحقق النبأ ، فهو شرط محقق للنبأ ومعه لا يثبت المفهوم ، وإنما يثبت المفهوم لو كان الشرط يعدّ حالة عارضة على الموضوع من دون أن يحقق الموضوع ، من قبيل ( إن جاءك زيد فأكرمه ) فإنَّ الحكم هو وجوب الاكرام وموضوعه زيد والشرط هو المجيء والمجيء ليس محققاً للموضوع - الذي هو زيد - وإنما هو أمرٌ عارضٌ ، أما زيد فتحققه يكون بسبب أنَّ أمه ولدته لا أنه تحقق بالمجيء فإنَّ المجيء عارضٌ من العوارض ، فالشرطية يكون لها مفهوم فيما إذا فرض أنَّ الشرط كان من توابع الموضوع لا أنه كان محققاً للموضوع ، وفي الآية الكريمة على الاحتمال الثالث يكون مجيء الفاسق بالنبأ محققاً للنبأ ، فلا يثبت آنذاك المفهوم.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo