< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

40/01/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- الشهرة الفتوائية.

الدليل الرابع:- مرفوعة زرارة ، وهي طويلة وتذكر عادة في باب التعارض فهناك روايتان تذكران في باب التعارض في جملة روايات أحدهما المقبولة المتقدمة والثانية هذه المرفوعة ومضمونها انه يأتي عنكما الخبران المتعارضان فبأيهما نأخذ فأجاب عليه السلام ( خذ بما اشتهر بين أصحابك ) ثم بعد ذلك توجد تكملة لها هي ( قلت:- فإن كانا معاً مشهورين ) هذه ليست مهمة وإنما المهم هو فقرة ( خذ بما اشتهر بين أصحابك ) فبيت القصيد هو هذه العبارة ، ونصّ الرواية:- ( سألت الباقر عليه السلام فقلت:- جعلت فداك يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان فبأيهما آخذ ؟ قال:- خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر ..... )[1] ، ومورد الشاهد كما قال هو فقرة ( خذ بما اشتهر بين أصحابك ).

وتقريب الدلالة:- هو أنَّ صلة ( ما ) الموصولة هي ( اشتهر ) يدل على أنَّ المدار على الشهرة وأنَّ تمام النكتة في الشهرة فعلى هذا الأساس تكون الشهرة حجة بلحاظ الرواية كما هو مورد المرفوعة أو بلحاظ الفتوى الذي نريد أن نثبته ، فإذاً قوله عليه السلام ( خذ بما اشتهر بين أصحابك ) يدل على أن كل شيء مشتهر فهو حجة وخذ به من دون فرق بين أن يكون ذلك في الرواية الذي يعبر عنه بالشهرة الروائية أو يكون في الفتوى المعبّر عنه بالشهرة الفتوائية والذي هو محل كلامنا ونريد أن نستدل عليه.

ويرد عليها:-

أوّلاً:- إنَّ هذا الاستظهار الذي ذكره المقرّب لدلالة عهدته عليه ، يعني أنت قلت حينما يقول ( خذ بما اشتهر ) يعني كل مشتهر ، فالسؤال كان عن الروايتين المتعارضتين فقال ( خذ بما اشتهر ) ، فالمورد هو الروايتين المتعارضتين فهل أنت تغضّ النظر عن هذا ؟! أليس هذا اتصال للكلام بما يصلح للقرينية ، فالعرف في مثل هذه الحالة لا يفهم العموم ، فإذا قيل ( أيّ الرمّانتين أحبّ إليك ؟ ) فقلت ( أكبرهما ) فهل تفهم أنَّ كل أكبر ولو كانت زوجة أيضاً هي أحبّ ؟!! إنَّ هذا لا يفهم وهو خلاف الوجدان ، فهذا التعميم لا يفهم ، نعم القدر المتيقن هو الرمّان ، أما ما عدى ذلك فلا يفهم ، وهنا أيضاً كذلك ، فأصل التقريب واهٍ جداً.

ثانياً:- نقول ما يقصد من ( اشتهر ) ؟ أنت تفسّر كلمة ( اشتهر ) بالمعنى المصطلح عليه في الأصول وهو ذهاب الأكثر إلى الشيء ، فإذا كان في الرواية قد رواها الأكثر يعبّر شهرة رواية ، وإذا كانت فتوى فيعبّر بالشهرة الفتوائية ، فأنت تفسّر المشهور بالأكثر وهذا مصطبح أصولي ، ولكن نحن نقول:- يحتمل أنَّ المقصود بـ( اشتهر ) المعنى العرفي ، فكما قلنا في المقبولة هذا نقوله هنا أيضاً ، فإنَّ ( اشتهر ) عرفاً يأتي بمعنى الأمر الواضح البيّن فيقال هذه قضية مشهورة يعني واضحة بيّنة جليّة ، ولا يقصد الأكثر ، بل هو شيء جلي واضح شائع فإنَّ المعنى اللغوي العرفي هو هذا ، وهنا نحن أيضاً لا ندّعي أنه المقصود حتماً وإنما نقول من المحتمل عرفاً ذلك ، فتصير الرواية مجملة.

ثالثاً:- إنَّ الرواية ضعيفة السند ، فإن ابن أبي جمهور رواها عن العلامة في عوالي اللآلي ، والعلامة عن زرارة ، ومن أين اتصل العلامة بزرارة وبيّن له هذا المعنى ، فإنَّ العلامة لم يذكر هذه الرواية في كتبه ولا نعلم من أين عثر عليها ابن أبي جمهور ؟!! وهذه قضية غريبة ، مضافاً إلى أنَّ طريقه إلى العلامة ليس بمعلوم فأنه يوجد فاصل بينه وبين العلامة.

وطعن صاحب الحدائق(قده) في هذه الرواية رغم أنَّ مذاقه اخباري ولا يناقش في الأسانيد ، لكنه يوجد عنده مشي على المصطلحات - وهذه فائدة جانبية - فيعبر تارة بحسنة وأخرى بصحيحة أو موثقة ولكنه يذكر مجرّد مصطلحات فقط أما أنه يبني على الصحيحة فقط أو مع الموثقة دون غيرهما فلا ، وإنما مذاقه مذاق اخباري فهو من هذه الناحية يأخذ بالكل ، ولكنه رغم ذلك طعن في هذه الرواية وقال:- ( إنا لم نقف عليها في غير كتاب عوالي اللآلي مع ما هي عليه من الرفع والارسال وما عليه الكتاب المذكور من نسبة صاحبه إلى التساهل في نقل الأخبار والاهمال وخلط غثّها بسمينها وصحيحها بسقيمها كما لا يخفى من وقف على الكتاب المذكور )[2] .

فإذاً من حيث السند يشكل الأخذ بهذه الرواية.

الدليل الرابع:- التعليل الوارد في آية النبأ ﴿ يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ﴾[3] ، فالآية الكريمة عللت وجوب التبين عند مجيء الفاسق بخوف إصابة القوم بالجهالة التي هي عبارة عن السفاهة وهو الفعل غير المناسب وحصول الندم إذا أخذت بقول الفاسق ، فالآية الكريمة عللت عدم جواز الأخذ بخبر الفاسق بخوف إصابة القوم بالسفاهة واحتمال الندم بعد ذلك ، ومنه يفهم أنه إذا لم يكن هناك احتمال الاصابة بالسفاهة والندم - والمقصود من السفاهة فعل ما لا ينبغي أن يصدر من العاقل - فإذا لا يوجد خوف السفاهة وخوف الندم فلا بأس ، إنما البأس بالأخذ بخبر الفاسق وما شاكل ذلك من جهة احتمال الاصابة بالسفاهة والندم ، أما إذا لم يكن كذلك فهذا معناه أنه لا محذور أن يؤخذ بخبر الفاسق أو بغيره ، وحينئذٍ يقال:- وحيث إنَّ الأخذ بالشهرة الفتوائية لا يشتمل على السفاهة ولا على احتمال الندم ، لأنَّ هذا مشهور من الفقهاء الذين هم متّبعون وهذا لا يعدّ سفاهة واحتمال الندم ليس بموجود فحينئذٍ لا محذور في الأخذ.

وجوابه واضح:- فإنَّ غاية ما يستفاد من التعليل أنَّ كل ما وجدت فيه العلة يتعدّى إليه ، يعني كل ما يوجد فيه احتمال الاصابة بالسفاهة والندم فهذا لا تأخذ به ولا تصنعه وإن كان غير خبر الفاسق ، ولا يفهم منه أنه إذا لم يكن كذلك فخذ به ، وهذا نظير ( لا تأكل الرمان لأنه حامض ) فإنه يفهم منه أنَّ كل حامض لا تأكله وإن لم يكن رمّاناً ، ولكن هل يفهم منه أنّ كل غير حامض فأنت تناوله ؟! كلا لا يفهم هذا ، بل أقصى ما يفهم أن الحامض لا يؤكل من دون خصوصية للمورد ، لا أنَّ كل غير حامض يؤكل فإنَّ هذا لا يفهم من التعليل ، فالتعليل يدل على التوسعة من جانب وجود العلّة ، فيتعدى الحكم إلى كلّ موارد وجود العلّة ، يعني كل حامض يتعدّى إليه وأنه لا تأكله ، أما أنه في موارد عدم وجود العلة الحكم يكون عاماً فهذا لا يستفاد ، وموردنا أيضًا كذلك ، فغاية ما يستفاد أنه في كل مورد يوجد احتمال اصابة القوم بالجهالة وبالندم فهذا لا يؤخذ به سواء كان في مورد خبر الفاسق أو في غيره ، أما أنه في غير موارد احتمال الاصابة بالسفاهة والندم يؤخذ به فهذا لا يفهم منه ، فإذاً لا يمكن أن نستفيد حجية الشهرة الفتوائية.

ومن خلال هذا كلّه اتضح أنَّ الأدلة الأربعة التي استدل بها على حجية الشهرة الفتوائية قابلة للمناقشة ، وبالتالي لم يتم دليل على حجيتها.

ولكن نستدرك ونقول:- إنَّ هذا لا يعني أن لا نعير أهمية لها ونعدها كالعدم المحض ، بل من المناسب للفقيه أن لا يغض النظر عنه غضاً مطلقاً ويعدّه بحكم العدم ، ولكن الذي نريد أن نقوله هو أنه من المناسب للفقيه أن يحتاط ، وفي الشهرة الفتوائية أيضاً كذلك ، فإنها وإن لم تكن حجة لكن من المناسب الاحتياط لأجلها ، وحينما نقول المناسب الاحتياط فلابد أن نلحظ نقل الاجماع أو نقل الشهرة الفتوائية هل هو بدرجة معتدّ بها أو لا ، فإن كان بدرجة معتدّ بها - يعني ثبت عندك أن اجماع مدّعى موجود فهذه المدّعى ثابتة كدعوى ولكن ليس من المعلوم أنها حجة لاحتمال المدركية - فهنا تحتاط ، أما إذا فرض أنَّ نقل الاجماع كان واهياً ضعيفاً قد نقله واحد أو اثنين من الأعلام أما البقية فقد سكتوا عنه فأصل ثبوته ليس بواضح وهذا أيضاً في الشهرة الفتوائية فأصل ثبوتها ليس بواضح فهنا لا نقول من المناسب الاحتياط ، فالاحتياط يصير فيما إذا فرض أنَّ النقل كان بدرجةٍ معتدٍّ بها ، أجل إذا كانت غير معتدّ بها اجعل الاحتياط استحبابياً ، وإذا كانت معتدّ بها اجعله وجوبياً.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo