< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

37/07/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مبحث الضد.

وقبل أن ننتقل إلى مسلك المقدمية نذكر قضيتين:-

القضية الأولى:- كلامٌ للشيخ النائيني(قده).

ذكر الشيخ النائيني(قده)[1] كلاماً حاصله أنه في باب الضدّين اللذين لا ثالث لهما يكون الأمر بأحدهما مقتضياً للنهي عن الضدّ الآخر مادام لا ثالث لهما ، مثل الحركة والسكون ، فالشخص إما أن يتحرك وإما ساكن ولا شق ثالث ، فإذا أُمِر بالسكون وقيل له كن ساكناً فقال الشيخ النائيني إنَّ الأمر بالسكون هو نهيٌ عن الحركة ، ونفس كلام قاله في النقيضين فالأمر بالنقيض هو نهيٌ عن النقيض الاخر ، وهكذا قال في الملكة وعدمها من قبيل - على ما مثّل - التكلّم والسكوت بناءً على أنّ السكوت أمرٌ عدمي وهو عدم التكلّم فهنا إذا أُمِر بالتكلّم فقد نُهِي عن السكوت.

ونحن نقول:- هذا قد اتضح أنه لا يمكن الالتزام به للوجهين اللذين أشرنا إليهما السابقين:-

الأوّل:- إنّ لازم النهي عن النقيض الآخر أو عن الضد أو عن عدم الملكة تعدّد التكليف وبالتالي يلزم تعدّد العقوبة ، فإذا قلت للشخص اسكن فإذا كان لازم أسكن هو النهي عن الحركة فإذا لم يسكن فلازمه أن يعاقب بعقابين الأوّل لأنه لم يمتثل الأمر بالسكون والثاني على مخالفة النهي عن الحركة وهذا من البعيد أن يلتزم به أحد ، بينما على رأيه يلزم تعدّد العقوبة لأنه يوجد تكليفان تكليفٌ ظاهر وتكليفٌ مستتر مضمر فالظاهر هو اسكن والمضمر هو لا تتحرك - أي النهي عن الضدّ أو عن النقيض - والالتزام بتعدّد العقوبة شيء بعيد.

الثاني:- قلنا إنّ الهدف من التكليف هو تحريك المكلف ، ومن المعلوم أنه لو قلنا للمكلف اسكن فقد حرّكناه نحو السكون وبالتالي حركناه نحو عدم الحركة ، ومعه فالنهي عن الحركة يكون لغواً وبلا فائدة ، إلا إذا فرض أن ذلك كان للتأكيد ، أما أن يأتي تكليفٌ آخر فهذا لا يمكن الالتزام به لأنّ المفروض أنه قد حصل التحريك بالأوّل فإيجاد التحريك بالثاني بنحو التأسيس يكون لغواً وبلا فائدة.

إذن ما ذكره شيء غريب على ضوء ما ذكرنا.

القضية الثانية:- وهي الشبهة المنسوبة إلى أبي القاسم الكعبي.

وحاصلها:- إنّه لا يوجد مباح وتنحصر الأحكام بأربعة لا بخمسة ، بل ما يقال إنه مباح فهو في واقعه إما واجب وإما حرام ، باعتبار أنّ كلّ مكلف يلزمه أن يترك الحرام - يترك شرب الخمر - وترك الحرام واجب ، وبم يتحقّق ترك الحرام ؟ إنه يتحقق إمّا بأن ينام الشخص الذي هو من الأفعال المباحة أو يأكل الذي هو من الأفعال المباحة ، فبالتالي صار الأكل أو النوم واجباً لأنه به يتحقّق الواجب - أعني ترك الحرام -.

وقد يصير المباح محرّماً ، كترك الصلاة ، فإنّ تركها حرامٌ وهو يتحقّق إمّا بأن يشرب الشاي أو ينام أو يمشي أو غير ذلك من الأفعال المباحة.

إذن تحقّق ترك الصلاة بالمباح ، فصار المباح حراماً ، فإذن كلّ ما يدّعى أنّه مباح فهو إمّا واجبٌ أو حرام.

ويمكن بيان هذه الشبهة تارةً من خلال مسلك التلازم وأخرى من خلال مسلك المقدمية:-

أما بيانها من خلال مسلك التلازم فبأن يقال:- إنّ ترك الحرام - مثل ترك شرب الخمر الذي هو واجبٌ - يلازم التحقق ضمن أحد المباحات ، فيلزم أن يكون المباح واجباً ، ونفس الشيء تطبّقه على ترك الواجب ، فترك الصلاة هو حرامٌ يلازم فعل أحد المباحات فيصير أحد المباحات كالأكل والنوم حراماً.

إذن إمّا أن تنظر إلى ترك الواجب فيصير المباح حراماً ، أو تنظر إلى ترك الحرام الذي هو واجبٌ يصير فعل المباح واجباً.

ويردّ:-

أوّلاً:- نحن لا نسلّم أنّ ترك الصلاة حرام ، وإنما هو تركٌ للواجب لا أنّ نفس الترك حرام ، فإذا لم يكن حراماً لما أشرنا إليه سابقاً وإلا يلزم أن يعاقب تارك الصلاة عقوبتين عقوبة على ترك الواجب وعقوبة على ارتكابه للحرام وهذا الاحتمال لا يقول به أحد ، فإذن ترك الصلاة لا يجوز ولكن من باب ترك الواجب لا من باب أنه فعلٌ للحرام ، فإذا لم يكن ترك الصلاة محرّماً فلا يمكن أن تحكم على الأكل والنوم الملازم لترك الصلاة بأنه حرام؛ إذ ذلك الملازم - وهو ترك الصلاة - ليس بحرامٍ حتى يكون الملازم الآخر حراماً.

ثانياً:- سلّمنا أنّ ترك الصلاة ليس هو تركاً للواجب فقط بل هو حرامٌ أيضاً ولكن تقدّم منّا أنّ المتلازمين لا يجوز اختلافهما في الحكم لا أنه يلزم اتفاقهما في الحكم ، فلنفترض أنّ ترك الصلاة حرامٌ ولكن لا يلزم أن يكون فعل الأكل الذي هو ملازمٌ أن يكون حراماً لأنه لا يلزم اتفاق المتلازمين في الحكم ، نعم لا يحكم عليه بحكمٍ مغايرٍ للحرمة لا أنه يلزم أن يحكم عليه بحكمٍ ملازم.

إن قلت:- أوليست الوقائع لا تخلو من حكم ؟

قلت:- إنَّ الاكل بعنوانه محكومٌ بالإباحة ، وكلامنا هو من حيث الملازمة لترك الصلاة لا يحكم عليه بأنه حرام ، وفي نفس الوقت نقول لا يحكم عليه بالحرمة ولا يحكم بحكمٍ مغاير للحرمة كالوجوب وإنما يخلو من الحكم ، والمقصود من أنه يخلو من الحكم يعني الحكم من حيث الملازمة ، وأما من حيث الحكم الواقعي فقد فرضنا أنه مباح.

إذن على مسلك التلازم لا يتم ما أفاده الكعبي.

وأما بيانها من خلال مسلك المقدّمية فبأن يقال:- إنّ فعل المباح مثل الأكل مقدّمة لترك الخمر ، فتركك للخمر يصير بفعل أحد المباحات من قبيل الأكل أو النوم ، فيصير الأكل أو النوم أو غيرهما واجباً من باب أنه مقدّمة لترك الحرام الذي هو واجب.

ويردّه:-

أوّلاً:- نحن لا نسلّم أنّ ترك الحرام واجبٌ ، فإنّ شرب الخمر متّصفٌ بالحرمة أمّا أن تركه يكون واجباً إضافةً إلى حرمة فعله فلا ، وإلا يلزم أن من شرب الخمر يعاقب بعقوبتين عقوبة على مخالفة حرمة شربه وعقوبة على ترك الواجب لأنّ الواجب كان هو ترك الخمر وهذا لم يترك الخمر ، وهل تلتزم بتعدّد العقوبة ؟!! إنه لا يحتمل ذلك.

ثانياً:- لو سلّمنا أنّ ترك شرب الخمر واجبٌ ولكنّ نقول هل ترك شرب الخمر يتوقّف على مقدّمةٍ وهي أن ينام مثلاً ؟!! كلا فإنّ النوم أو الأكل ليس مقدّمةً لترك الخمر وإنما هو مقارنٌ اتفاقي في عالم الوجود وإلا فترك الخمر لا يتوقف على مقدّمة ، فترك المحرّم يتحقّق بالعزم بإضافة العناية الإلهية ، نعم إذا ترك الحرام فهو إمّا أن ينام أو يمشي أو غير ذلك وهذه أمورٌ اتفاقية لا أنّ ترك شرب الخمر يتوقف على تحققها فإنّ هذا لا يحتمل.

وعليه فينبغي أن نفرّق بين المقدّمة وبين الملازم الاتفاقي ، فالمقدّمة هي ذلك الشيء الذي يتوقّف عليه ذو المقدّمة بحيث من دونه لا يمكن تحقّق ذو المقدّمة ، والأمر هنا ليس كذلك فترك الحرام يحتاج فقط إلى الارادة والتصميم بإضافة العناية الإلهية ، وأما أن يشتغل بالنوم أو الأكل أو الشرب فلا يتوقّف على ذلك وإنما هي مقارنات اتفاقية.

فإذن هذه الشبهة مندفعة ، وبهذا انتهى حديثنا عن مسلك التلازم.

مسلك المقدّمية[2] :-

وأما مسلك المقدّمية فهو بالبيان التالي:- إنّ فعل الإزالة يتوقّف على ترك الصلاة ، فترك الصلاة إذن صار مقدّمة لفعل الإزالة ، وإذا صار مقدّمة صار ترك الصلاة واجباً من باب وجوب المقدّمة ، وإذا صار واجباً حرمت بذلك الصلاة التي هي الضدّ العام لترك الصلاة وهي الضدّ الخاص للإزالة - فالصلاة بلحاظ الإزالة هي ضدّ خاص وهي بلحاظ ترك نفس الصلاة هي ضدّ عام -.

إذن هذا الدليل مركب من مقدّمات ثلاث:-

الأولى:- إنّ وجود الإزالة يتوقف على ترك الصلاة - يعني على ترك الضدّ الخاص - ، وبتعبير آخر:- ترك الصلاة هو مقدّمة لوجود الإزالة - الواجب - ، يعني عدم أحد الضدّين مقدّمة لوجود الضد الآخر.

الثانية:- إنّ مقدّمة الواجب واجبة ، ونتيجة هذا أنّ عدم الصلاة بعد كونه مقدّمة صار واجباً من باب وجوب مقدّمة الواجب.

الثالثة:- إذا وجب ترك الصلاة حرم الضدّ العام لترك الصلاة وهو الصلاة ، فصارت الصلاة التي هي ضدٌّ خاصٌّ للإزالة محرّمة ، فبسبب الأمر بالإزالة صار ضدّها الخاص محرّماً.

وإذا قارنّا بين هذه المقدّمات الثلاث التي يتوقف عليها مسلك المقدّمية مع المقدّمات التي يتوقّف عليها مسلك التلازم وجدنا أنهما يشتركان في بعض المقدّمات ويختلفان في بعضها الآخر.


[2] لإثبات حرمة الضد الخاص يعني إن الأمر بشيء يقتضي النهي عن الضدّ الخاص، يعني الامر بالإزالة يقتضي النهي عن الصلاة من باب المقدمية.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo