< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

35/03/24

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع:- التنبيه السادس ( الاستصحاب في مؤديات الأمارات والأصول ) / تنبيهات / الاستصحاب / الأصول العملية.
ذكر في هذا المجال عدّة أجوبة:-
الجواب الأوّل:- نستصحب الحكم الظاهري الذي ثبت من خلال الأمارة فإنها تثبت حكماً ظاهرياً فالنجاسة - أي نجاسة الماء المتغيّر - هي حكم ظاهري ثبت بسبب الرواية، وهذا الحكم الظاهري هو متيقّنٌ وليس مشكوكاً، نعم المشكوك هو الحكم الواقعي، يعني أن النجاسة الواقعيّة هي ليست معلومة ومتيقنة بل هي محتملة أما النجاسة الظاهرية من خلال الأمارة فهي متيقّنة وإلا فوظيفة الأمارة ماذا ؟! فالنجاسة الظاهرية ثابتة جزماً بسبب الأمارة ثم بعد ذلك حينما يزول التغيّر من قِبَل نفسه نشك في بقاء تلك النجاسة الظاهرية إذ نحتمل أن أمدها هو فترة التغيّر فقط ونحتمل أيضاً أن أنمدها ممتدّ إلى ما بعد زوال التغيّر فنستصحب بقاء تلك النجاسة الظاهريّة فارتفع الاشكال.
ونحن نورد عليه مناقشتين:-
المناقشة الأولى:- إن هذا الجواب يتم بناء ً ملسك السببيّة، يعني إذا قلنا أن الأمارة سبب لحدوث مصلحة في مؤداها وهو نجاسة الماء المتغيّر تحدث مصلحة وبسبب حدوث تلك المصلحة يُجعَل حكمٌ بالنجاسة ولكنه حكم ظاهري، إنه إذا سلكنا مسلك السببيّة فهو شيءٌ صحيح إذ توجد آنذاك نجاسة ظاهريّة، أما إذا لم نسلك هذا المسلك وقلنا بمسلك جعل المنجزيّة والمعذريّة أو جعل العلميّة فلا يوجد آنذاك حكم ظاهري بالنجاسة حتى يُستصحب بل أقصى ما هناك هو التنجيز والتعذير، يعني إذا أصابت الأمارة يتنجّز عليك الواقع ومعنى ( يتنجز ) أنه تستحق العقاب إذا خالفت فقط ولا يوجد حكمٌ وإنما هذا المقدار – أي تنجيز أو تعذير –.
وإذا قلنا إنها ترجع إلى جعل العليمّة كما يتراءى من بعض عبائر الرسال للشيخ الأعظم(قده) - وهو الذي شيد اركانه الشيخ النائيني(قده) - فالمجعول هو العلميّة والطريقيّة دون الحكم الظاهري، بل إن مسلك السببيّة لابد وأن نفرّ منه فرارنا من الأسد فإن لازم القول بالسببيّة التصويب فإنه إذا حدثت مصلحة في مؤدّى الأمارة فيلزم أن يتغير الحكم الواقعي ويحدث حكم جديد ثاني على طبق هذه المصلحة وهذا هو معنى التصويب فهذا الحكم الثاني حكم واقعي وليس ظاهرياً، نعم نسمّيه ظاهري باعتبار مغايرته للحكم الأوّل وإلا فهو حكمٌ واقعيٌّ لأنه بعد حدوث المصلحة يلزم أن يحدث تغيّر فلذلك ترى أنه لا يصير إلى مسلك السببيّة أحدٌ من اصحابنا لأن لازمه التصويب، بل إن المصلحة السلوكيّة التي صار إليها الشيخ الأعظم(قده) وقال إن المصلحة في سلوك الأمارة كان هدفه إلى جعل المصلحة في السلوك دون المؤدى ولماذا ؟ إنه للفرار من التصويب وإن أُشكل عليه بأن التصويب يبقى ملاحقاً لك.
والمهم الذي نريد أن نشير إليه هو أن مسلك السببيّة لا يمكن أن يصار إليه لأن لازمه التصويب بل لابد وأن نصير إما إلى مسلك جعل المنجزيّة والمعذريّة أو إلى مسلك جعل العلميّة أو الى مسلكٍ آخر غير السببيّة . إذن لا يوجد حكم ظاهري مجعول.
والخلاصة:- إن الردّ الأول على هذا الجواب هو أن هذا يتمّ على مسلك السببيّة وهو مسلكٌ باطل.
المناقشة الثانية:- لو سلمنا بمسلك السببيّة فرغم ذلك لا يمكن جريان الاستصحاب، والوجه في ذلك هو أن شرط جريان الاستصحاب وجود الشك وبناءً على مسلك السببيّة لا يوجد شكٌّ - يعني في البقاء - وذلك باعتبار أن الأمارة التي دلّت على أن الماء المتغيّر نجسٌ هي تُحدِث وتُنْشِئ مصلحةً بمقدار مدلولها لا أزيد منه ومقدار مدلولها هو أن الماء المتغّير هو نجس فهي تُحدِث مصلحةً في حدود الماء المتغيّر ومفروض كلامنا هو أن الماء الآن ليس بمتغيّرٍ فإنه جزماً قد زال تغيّره من قِبَل نفسه فتلك المصلحة إذن غير موجودة فإن المصلحة موجودة في حدود مدلول الأمارة ومدلول الأمارة حسب الفرض هو أن الماء المتغيّر نجسٌ والآن قد انتهى الماء المتغيّر فلا يوجد ماءٌ متغيّر ومادام قد انتهى الماء المتغيّر فقد انتهى جزماً ذلك الحكم الظاهري المجعول على طبق مدلول الأمارة لأن ذلك الحكم هو بمقدار مدلول الأمارة فيلزم أن يزول وينتهي آنذاك . فإذن نحن نجزم بأن ذلك الحكم الظاهري الذي جُعِل بسبب تلك المصلحة قد انتهى جزماً فكيف تجري الاستصحاب ؟! وهذا شيء ظريف.
ومنه يتضح النظر فيما يظهر من الشيخ الخراساني(قده) في الكفاية فإن ظاهره أن الجواب والمناقشة تنحصر بأن هذا مبنيٌّ على مسلك السببيّة فإذا بنينا على مسلك السببيّة يكون تاماً لا محالة والحال أنه قد اتضح أنه حتى لو بنينا على مسلك السببيّة فالاستصحاب غير قابلٍ للجريان لما أشرنا إليه.
الجواب الثاني:- ما ذكره الشيخ الخراساني(قده) في الكفاية فإنه ذكر ما حاصله:- إن اليقين وإن كان مفقوداً في باب الأمارات ولا يوجد يقينٌ بالحدوث ولكن هل اليقين بالحدوث ركنٌ - أي بما هو يقين - أو أن الركن هو الحدوث لا اليقين بالحدوث ؟ استقرب واستظهر أن الركن هو نفس الحدوث لا اليقين بالحدوث نعم اليقين ذُكِر في النصّ من باب أنه طريقٌ لإثبات الحدوث ومرآة إلى إثباته لا أنه بنفسه له المدخليّة في ذلك، فالمدار إذن على نفس الحدوث والركن إذن هو نفس الحدوث ودليل الاستصحاب - أي ( لا تنقض اليقين بالشك ) - يريد أن يجعل ملازمةً بين الحدوث والبقاء لا بين اليقين بالحدوث والبقاء، فإذا قبلنا بهذا فحينئذٍ نقول:- إذا قامت الأمارة - من قبيل صحيحة زرارة - على أن الماء المتغيّر ينجس فهذه أمارة على حدوث النجاسة الواقعيّة فالأمارة أمارةٌ على حدوث النجاسة الواقعيّة، ثم نضمّ إلى هذه - الرواية الدالة على النجاسة الواقعيّة - تلك الملازمة المستفادة من روايات الاستصحاب التي قالت ( لا تنقض اليقين بالشك ) فلو شككنا في أن ذلك الحدوث مسترٌ أو ليس مستراً فبروايات الاستصحاب سوف تثبت الملازمة فالحدوث يكون ثابتاً بالرواية الدالّة على نجاسة الماء المتغيّر والبقاء يكون ثابتاً بروايات الاستصحاب الدالة على الملازمة بين الحدوث والبقاء.
فإذن النقطة التي ارتكز عليها الشيخ الخراساني(قده) والمهمّة هي أنه ألغى ركنيّة اليقين وصرفه من الموضوعيّة إلى المرآتية والطريقيّة لإثبات الحدث فالمدار هو على نفس الحدوث وبالتالي دليل الاستصحاب يريد أن يجعل ملازمةً بين الحدوث وبين البقاء . هذا توضيح ما أفاده(قده).
وناقش السيد الخوئي(قده) ما ذكره الشيخ الخراساني فقال:- ما مقصودك من أن دليل الاستصحاب يجعل ملازمة بين الحدوث والبقاء ؟ فهل تقصد بذلك أنه يجعل ملازمة واقعاً أو تقصد أنه يجعل ملازمةً ظاهراً ؟
ويقصد من جعل الملازمة واقعاً:- هو جعل الملازمة بقطع النظر عن الشك فالملازمة ليست مقيّدة بحالة الشك بل يراد أن يقال إنه كلّما كان هناك حدوثٌ فهناك بقاءٌ ولا يقيَّد ذلك بالشاك في البقاء، يعني لا يوجّه هذا الخطاب إلى الشاك في البقاء ويقال له ( أيها الشاك في البقاء هناك ملازمة بين الحدوث وبين البقاء )، كلّا وإنما هذا الخطاب يوجّه إلى كل إنسانٍ أنه ( أنا كشارع أجعل ملازمةً بين الحدوث والبقاء ) نظير جعل الملازمة بين وجوب القصر في الصلاة ووجوب الافطار في الصوم فهناك ملازمة فكلما قصرت الصلاة وجب الافطار في الصوم، إن هذه الملازمة هل هي مجعولة في حقّ الشاك ؟ كلّا وإنما هي مجعولة واقعاً بقطع النظر عن حالة الشك، إنها حكم واقعيّ فواقعاً متى ما كان حكم الصلاة هو القصر فحكم الصوم هو جواز الافطار، وهنا أيضاً يقال كذلك إنه متى ما ثبت الحدوث واقعاً فهناك بقاء واقعاً ولا يقيّد هذا بالشاك، هذا هو المقصود من الملازمة.
وأما المقصود من الملازمة ظاهراً - يعني في حق الشاك -:-فالشاك في البقاء تُجعَل ملازمة في حقّه بمعنى ملازمة في مرحلة التنجّز وكأنه يقال ( أيها الشاك في البقاء إذا تنجّز الحدوث في حقّك فالبقاء أيضاً كذلك ) فالملازمة ملازمة بين تنجّزين تنجّز الحدوث وتنجّز البقاء في حقّ الشاك، بينما على الأوّل فلا بل توجد ملازمة في مرحلة الواقع بقطع النظر عن التنجّز وعن الشك .
فهل أن مقصودك من هذه الملازمة التي دلّ عليها حديث ( لا تنقض اليقين بالشك ) هي ملازمة واقعيّة أو أن مقصودك هو أنها ملازمة ظاهريّة في مرحلة التنجّز والشاك ؟

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo