< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

34/12/22

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع:- تنبيهات / التنبيه الرابع ( الأصل المثبت ) / الاستصحـاب / الأصول العملية.
هذا كلّه في غير الحيوان.
وأما الحيوان:- فينبغي أن نلتفت إلى هذه القضية أوّلاً ثم نشير إلى ما يرتبط بالنجاسة بلحاظه ، وتلك القضية هي أنه هناك فرقٌ بين جسم الحيوان وبين ببقيّة الأجسام فبقيّة الأجسام إذا تنجس لا يطهر إلا بالماء أو بالأحجار - في حالة خاصّة - أما زوال النجاسة بغير هذين فلا تتحقق الطهارة إلا في بواطن الانسان كالفم إذا خرج في داخله دمٌ كم لو خرج بين الأسنان أو في اللسان أو ما شاكل ذلك فزوال النجاسة هنا يكفي في حصول الطهارة أما في غير هذا فلا يكفي زوال النجاسة في حصول الطهارة ، وهذا بخلافه في بدن الحيوان فإنه إذا تنجس منقار الدجاجة فإنه يطهر بزوال عين النجاسة فإذا زالت العين فهذا يكفي في الطهارة ، وهذا من خصوصيّات بدن الحيوان - وهو أن زوال عين النجاسة عنه هو من جملة المطهّرات - ، ومن باب الكلام يجّر الكلام نقول:- ما هو الدليل على أن زوال عين النجاسة يكفي لحصول الطهارة في الحيوان ؟ والجواب:- قد يستفاد ذلك من بعض الروايات ، ولكن استفيد من الروايات أم لم يستفد فهناك دليلٌ آخر أقرب من الروايات وهو السيرة فإن السيرة بين المتشرّعة قد جرت على التعامل معاملة الطاهر عند زوال عين النجاسة والمنبّهات على هذه السيرة كثيرة من قبيل ما أشرنا إليه - أيّ منقار الدجاجة - فإنه لا يتوقّف أحدٌ في طهارة منقار الدجاجة فإنه مادام ليس ملوثاً بالنجاسة فنحكم بطهارة الماء الذي أصابه ومن توقّف كان موسوساً وهكذا القطّة والخروف وغيرها فإنا نحكم بطهارته ما دام لا توجد على بدنه عينُ نجاسةٍ والحال أنه حينما ولدته أمّه هو ملوّث بالدّم ولم يُغسل ورغم ذلك يتعامل معه معاملة الطاهر والحيوان الولودة نتعامل معها الآن معاملة الطاهر والحال أنها جزماً كانت في فترةٍ سابقة قد أصابتها النجاسة ولا نعلم بأنها قد طهّرت بعد ذلك ولكن رغم ذلك نتعامل معها معاملة الطاهر . إذن المنشأ للحكم بكفاية زوال عين النجاسة في حصول طهارة بدن الحيوان هو هذه السيرة وهي تكفينا.
وبعد اتضاح هذه القضية نعود ونقول:- إذا فرض أن بدن الحيوان كان ملوّثاً بالنجاسة وأصاب الماء - يعني بأن كان في منقار الدجاجة دم وأصاب الماء القليل - فلا إشكال في تنجّس الماء وهذا خارج عن محلّ الكلام ، وإذا فرض أنه لم تكن هناك نجاسة على المنقار وأصابت بمنقارها الماء القليل فهنا لا يتنجّس الماء جزماً وهذا أيضاً خارج عن محلّ الكلام ، وأما إذا فرض أنه كان فيما سبق ملوثاً بالنجاسة وبعد ذلك شككنا في أن النجاسة باقية على بدن الحيوان الذي أصاب الماء أو لا وتلك الرطوبات المتنجسة هل هي باقية أو لا فهنا هل يجري استصحاب بقاء تلك الرطوبة أو النجاسة وبالتالي الحكم بنجاسة الماء ؟ إن هذا هو محلّ الكلام وقد ربط غير واحدٍ من الفقهاء جواب هذه المسألة بمسألةٍ أخرى وهي أن بدن الحيوان كما عرفنا تزول عنه النجاسة ويطهر بمجرد زوال العين - وهذا مفروغ عنه - ولكن إذا فرض أن النجاسة بعدٌ باقية فهل يتنجّس بدن الحيوان ويطهر بالزوال أو أنه لا يتنجس أبداً فهو نجسٌ - أي أن القذارة نجسة - ولكن لا تُنجّس بدن الحيوان - فبدن الحيوان يبقى طاهراً ولكن عليه نجاسةٌ لا أنّه بزوال النجاسة يطهر البدن كلّا بل البدن طاهر من البداية حتى بعد وجود النجاسة عليه ، إنه يوجد احتمالان في المسألة فيحتمل أن بدن الحيوان يتنجس بإصابة النجاسة كالدم ويطهر بزوالها ويحتمل أنه لا يتنجس ، وهل هناك ثمرة بين هذين الاحتمالين أو أنهما احتمالان من دون ثمرة ؟ قيل إن من جملة ما تظهر فيه الثمرة هو في هذا المورد - يعني لو كانت رطوبة النجاسة موجودة على البدن وشككنا في بقائها وأصاب هذا الحيوان الذي كانت توجد على جسمه رطوبة نجاسة شيئاً آخر فهنا تظهر الثمرة فإن قلنا بأن بدن الحيوان يتنجّس بإصابة النجاسة فنحكم حينئذٍ بنجاسة الملاقي له - كالماء القليل إذا لاقاه بدن الحيوان نحكم بنجاسته فيما إذا شككنا في بقاء النجاسة فنجري الاستصحاب ويثبت بذلك نجاسة الماء - وأما بناءً على أن بدن الحيوان لا يتنجّس أبدا فهذا الاستصحاب لا ينفع شيئاً ولا يثبت تنجّس الماء . إذن قيل بأن الثمرة بين هذين الاحتمالين تظهر في هذا المورد ، أما كيف ذلك ؟ وتوضيح ذلك:- هو أنه إذا بنينا على أن بدن الحيوان يتنجس بملاقاة النجاسة له فيلزم أن يكون تنجّس الملاقي له - أعني مثل الماء - موقوفاً على إثبات ملاقاة الماء لبدن الحيوان وعلى إثبات أن بدن الحيوان هو بَعدُ نجسٌ - يعني أنه موقوفاً على هذين الأمرين - ومادام الأمر كذلك فحينئذٍ نقول إنه توجد هنا حالتان فتارةً يفترض أن الملاقي للبدن يكون سائلاً ومائعاً كالماء وأخرى يكون جافّاً كالثوب فإن كان مائعاً فتثبت نجاسته - أي نجاسة ذلك المائع أعني الماء - لأن الملاقاة التي هي الجزء الأوّل محرزة بالوجدان فحتماً هذا الماء لاقى بدن الحيوان والجزء الثاني - أعني كون بدن الحيوان متنجساً وباقياً على النجاسة - يثبت بالاستصحاب فبضمّ الوجدان الى الاستصحاب يلتئم كلا جزئي موضوع النجاسة ويحكم بنجاسة الماء ، وأما إذا كان الملاقي لبدن الحيوان جافاً كالعباءة فتارةً نبني على أن التنجّس يدور مدار السراية فالتنجّس يحصل بالسراية أي أن موضوع التنجّس بسيط وهو السراية وأخرى نبني على أن موضوع التنجس ليس بسيطاً وإنما هو مركب من ملاقاةٍ لجسمٍ مع نجاسة ذلك الجسم ، فإن بنينا على فكرة التركيب فالمناسب هو تنجّس العباءة لأنها لاقت الجسم الآخر جزماً - وهذا هو الجزء الأول - فهو محقّق بالوجدان والجزء الثاني - وهو نجاسة ذلك البدن - يثبت بالاستصحاب فكلا جزئي الموضوع يكون ثابتاً فنحكم حينئذٍ بتنجّس العباءة ، وأما بناءً على السراية - يعني على أن موضوع التنجس بسيط - فهنا لا نحكم بتنجّس العباءة باعتبار أن تنجسها يدور مدار السراية وباستصحاب بقاء بدن الحيوان على النجاسة لا تثبت السراية إلا بفكرة الأصل المثبت وهذا بخلافه في حالة كون الملاقي لبدن الحيوان سائلاً ومائعاً كالماء فإن السراية هناك جزميّة ومتحققة حتى بناءً على كون موضوع التنجّس هو السراية فإن السراية جزميّة باعتبار أن الجسم الثاني مائع - أي ماء - فالملاقاة موجودة والسراية موجودة وكون الجسم الملاقي نجساً هو ثابتٌ بالاستصحاب ، وعلى هذا الأساس إذا كان الجسم الملاقي لبدن الحيوان سائلاً لا نفصّل بين كون موضوع التنجّس أنه بسيط أو أنه مركّب فإنه لا تأتي ثمرةٌ هنا بل نحكم بحصول التنجّس مطلقاً - أي سواء بنينا على فكرة السراية أو بنينا على فكرة التركيب - وهذا بخلافه فيما إذا كان الملاقي لبدن الحيوان جافّاً فهنا تظهر الثمرة بين السراية وبين فكرة التركيب فبناءً على التركيب من جزأين يحرز كلا الجزأين فملاقاة العباءة لجسم الحيوان ثابت بالوجدان وكون بدن الحيوان نجسٌ هو ثابت بالاستصحاب فيثبت كلا جزئي الموضوع وأما بناءً على السراية فنحتاج الى إثبات السراية ومجرد استصحاب نجاسة بدن الحيوان لا يثبت السراية ، نعم إذا كان هذا الجسم مائعاً فالسراية وجدانيّة وأما هنا فالسراية من النجس نثبتها فالسراية ليست وجدانية باعتبار أن هذا الجسم جافٌّ . هذا كلّه بناءً على أن جسم الحيوان يتنجس بملاقاة النجاسة والمهم أنّا عرفنا أن الاستصحاب قد ينفعنا في بعض الفروض وإن لم ينفعنا في كل الفروض وقد اتضح أنه ينفعنا فيما إذا كان الجسم الملاقي مائعاً وينفعنا أيضا فيما إذا كان الجسم الملاقي جافاً ولكن بنينا على أن موضوع التنجّس مركبٌ وليس بسيطاً وهذا ليس بمهمٍ لي وإنما المهم هو أنه بناءً على أن جسم الحيوان يتنجّس نحكم بنجاسة الملاقي في بعض الفروض.
وهذا بخلافه بناءً على أن بدن الحيوان لا يتنجس فإنه بناءً على هذا لا يمكن أن نحكم بنجاسة الملاقي له لأن التنجس هنا يدور مدار ملاقاة عين النجاسة لا ملاقاة بدن الحيوان لأن البدن ليس بنجس - فظهرة الثمرة إذن- فالمدار على ملاقاة عين النجس - أي عين الدم - ومن الواضح أن استصحاب بقاء الدم على بدن الحيوان لا يُثبِت أن هذا الجسم قد لاقى الدّم بل أقصى ما يثبت أنه هناك دمٌ على بدن الحيوان أما أن هذا الملاقي متنجّس- أعني العباءة أو الماء - فلا يمكن إثباته بالوجدان ولا بالتعبّد لأنه أصل مثبت فالثمرة تظهر هنا.
إذن الثمرة هي:- إنه بناءً على أن بدن الحيوان يتنجّس فالتنجّس يدور مدار الملاقاة لبدن الحيوان والملاقاة لبدن الحيوان وجدانيّة غايته يلزم أن يكون بدن الحيوان نجساً وهذا نثبته بأنه باقٍ على النجاسة بالاستصحاب ، وأما بناءً على أن بدن الحيوان لا يتنجّس فالمدار على ملاقاة عين النجاسة والملاقاة لعين النجاسة ليست وجدانيّة وإنما الوجداني هو الملاقاة لبدن الحيوان - وهذه الثمرة ظريفة جداً - والملاقاة للبدن وإن كانت وجدانيّة لكنها ليست نافعة والمهم هو الملاقاة لعين النجاسة ، وكيف نثبت الملاقاة لعين النجاسة ؟! فإن استصحاب بقاء النجاسة أقصى ما يقول هو أن النجاسة باقية أما أنه حصلت ملاقاة لها فهذا لازمٌ عقليّ فلا يثبت . هكذا قيل في أن الثمرة بين الاحتمالين هو هذا.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo