< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

34/12/13

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع:- تنبيهات / التنبيه الرابع ( الأصل المثبت ) / الاستصحـاب / الأصول العملية.
 الأمر الثاني:- إن الآثار غير الشرعيّة التي قال بأنها لا تثبت بالاستصحاب يراد منها الآثار الثابتة للمستصحب بوجوده الواقعي كنبات اللحية مثلاً فإنه أثرٌ لحياة الولد بوجودها الواقعي فإذا كان الولد موجوداً وحياً واقعاً الى الآن فمن آثاره غير الشرعية هو نبات اللحية ومثل هذا الأثر يقال هو لا يثبت بالاستصحاب ، وأما إذا كان الأثر أثراً للمستصحب الأعم من وجوده الواقعي وغيره أو بالأحرى كان أثراً لنفس الاستصحاب فيثبت حينئذٍ ذلك الأثر غير الشرعي بلا لزوم محذور الأصل المثبت من قبيل استصحاب وجوب صلاة الجمعة الى زماننا فإنه به يثبت وجوب الإطاعة والامتثال والاتيان بصلاة الجمعة في زماننا والوجوب المذكور كما نعرف وجوب عقليّ وليس شرعياً فإن العقل هو الذي يقول يلزم أن تطيع مادام وجوب الجمعة باقياً الى زمن الغيبة إن مثله يترتب بلا محذور الأصل المثبت ، والسؤال هو:- ما هي النكتة الفارقة بين هذين ؟ يعني لماذا هذا يثبت وذاك الأول لا يثبت ؟
 والجواب:- إن الثاني يثبت باعتبار تحقّق موضوعه وجداناً وليس تعبّداً فإن العقل يقول يلزمك أيها الانسان أن تطيع الوجوب وتمتثله مادام باقياً ولو بقاءً استصحابياً وتعبّدياً والوجود التعبّدي كما هو واضح ثابت بالوجدان فإنا بعد جريان الاستصحاب يمكنني أن أقسم وأقول والله يوجد وجوبٌ استصحابيّ لصلاة الجمعة ، نعم لا يمكن أن أقسم على الوجوب الواقعي فلا استطيع أن أقول والله يوجد وجوب واقعي للجمعة ولكن استطيع أن أقسم وأقول والله يوجد وجوب للجمعة ولكنّه وجوب ظاهريّ استصحابيّ تعبديّ - ما شئت فعبّر - إذن موضوع الحكم العقلي الذي هو وجوب الإطاعة هو الوجوب بوجوده الأعم من الواقعي والتعبّدي وهذا الموضوع محرزٌ بالوجدان فيثبت الأثر إذن مادام موضوعه قد ثبت بالوجدان ، وهذا بخلافه في النحو الأول - يعني إذا كان الأثر ثابتاً للمستصحب بوجوده الواقعي - فإن الأثر لا يترتب باعتبار أن موضوعه ليس محرزاً إذ الوجود الواقعي ليس محرزاً بالوجدان نعم الشارع قد عبّدني بثبوته وتحقّقه - يعني المستصحب - ولكنّه عبّدني من زاوية معيّنة وليس من جميع الزوايا فإن التعبّد يتحدّد بمقداره ومن الزاوية التي تمّ فيها والاستصحاب يعبّدني ببقاء الحياة من زاوية الآثار الشرعيّة المباشريّة فإن هذا هو القدر المتيقّن من دليل التعبّد الاستصحابي وأما من زاوية الآثار غير الشرعية - أعني نبات اللحية أو بالأحرى وجوب الصدقة المترتّب على نبات اللحية - فلم يثبت تعبّد بلحاظه ومن زاويته.
 وعلى هذا الأساس نخرج بهذه النتيجة:- وهي أن اللوازم غير الشرعية لابد من التفصيل فيها فهي لا تثبت بالاستصحاب إذا كانت آثاراً للمستصحب بوجوده الواقعي وأما إذا كانت آثاراً للمستصحب بوجوده الأعم من الواقعي والتعبّدي فتثبت بالاستصحاب والنكتة في الفرق هو ما بيّناه.
 الأمر الثالث:- إن عدم حجيّة الأصل المثبت - كما عرفنا هو لأجل القصور في المقتضي وليس لأجل محذور عقليّ ، وبناءً على هذا فيمكن أن نفترض في موردٍ أن يعبّدنا الشارع بالأصل المثبت فإنه لا محذور فيه إذ المفروض أن عدم الحجيّة هو ليس لأجل حكم العقل حتى يقال إن أحكام العقل لا تقبل التخصيص ، وعلى هذا الأساس نقول:- قد وقع كلامٌ بالنسبة الى صحيحة زرارة الثالثة المتقدمة الواردة في شكوك الصلاة فإنه جاء في جملتها:- ( وإذا لم يدرِ في ثلاثٍ هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث قان فأضاف اليها ركعة أخرى ولا شيء عليه ولا ينقض اليقين بالشك ) إنه عليه السلام حكم بأنه يضيف ركعةً رابعةً ويتشهّد ويسلّم ولا شيء عليه وتمسّك الإمام عليه السلام بقاعدة ( لا ينقض اليقين بالشك ) وقد وقع الكلام في أن الإمام عليه السلام حينما تمسّك بهذه القاعدة ماذا يريد ؟ فهل يريد الإشارة بذلك الى الاستصحاب يعني أنه يقصد من قوله " لا ينقض اليقين بالشك " الاستصحاب - أو أنه يقصد الإشارة الى قاعدة أخرى غير الاستصحاب مثل ما يعبَّر عنه بقاعدة اليقين بمعناها الجديد وهو أنه يلزم على المكلف أن يأتي بركعةٍ يحصل من خلالها إفراغ اليقيني وتلك الركعة هي ركعة الاحتياط فيكون المقصود هو أنه لا ينقض اليقين باشتغال الذمة بالشك في فراغها بل يلزم أن يفرّغها يقيناً فإن الاشتغال اليقيني يستعي الفراغ اليقيني ، ولكن كيف يحصل الفراغ اليقيني ؟ قد علّمه الإمام عليه السلام وذلك بأن يأتي بركعةٍ فالإتيان بهذه الركعة ليس من باب الاستصحاب بل من باب قاعدةٍ أخرى فلنسمّها نحن بقاعدة اليقين أو أي مصطلح آخر فإن هذا شيء ليس بمهم.
 وبالجملة:- وقع الكلام في أنه هل الإمام عليه السلام يريد أن يتمسّك بالاستصحاب أو يريد أن يشير الى قاعدة أخرى ؟
 ذكر الشيخ الاعظم(قده) في الرسائل:- أنه لا يمكن أن يقصد بذلك الاستصحاب لأن لازم جريان الاستصحاب هو الاتيان الركعة المشكوكة متصلة لا منفصلة والحال أن المذهب الإمامي قد انعقد على الخلاف وأنه لا يجوز الاتيان بركعة الاحتياط متّصلة بل يؤتى بها منفصلة وهذا معناه أن المورد ليس من مورد الاستصحاب.
 وذكر الشيخ العراقي(قده) في نهاية الافكار [1] :- إنه لا يمكن أن يكون المقصود من قوله عليه السلام ( لا ينقض اليقين بالشك ) هو الاستصحاب ولكن لا لما أشار إليه الشيخ الاعظم(قده) من أنه يلزم الاتيان بركعة الاحتياط متصلة بل لمحذورٍ آخر وهو أن التشهد والتسليم يلزم الاتيان بهما في الركعة الرابعة وبعنوان الركعة الرابعة ومن المعلوم أنه إذا أردنا أن نجري الاستصحاب فغاية ما ينتج أني لم أأت بالركعة الرابعة أما أن هذه الركعة التي أأتي بها بعد جريان الاستصحاب هي رابعةٌ فهذا لازمٌ غير شرعي بل هو عقلي فلا يثبت بالاستصحاب أن ما سوف أتي به من ركعةٍ هو رابعةٌ ومعه كيف أأتي بالتشهد والتسليم في هذه الركعة التي لم يثبت أنها رابعة والمفروض أن التشهد والتسليم يلزم أن يكون في الركعة المعنونة بكونها رابعة ، إذن الإمام لا يريد أن يشير الى الاستصحاب لأن الاستصحاب هنا مثبت.
 والخلاصة:- إن الشيخ العراقي(قده) يقول إنه هنا لا يمكن أن يكون مقصود الإمام هو تطبيق الاستصحاب لأن الاستصحاب هنا أذا أراد أن يجريه فسوف يثبت أني لم أأت بالرابعة ولابد من الاتيان بالرابعة . وهذا سلّمنا به ولكنّ التشهد والتسليم أين سوف تأتي بهما ؟ هل في هذه الرابعة والحال أن التشهد والتسليم قد ثبت أنه يلزم الاتيان بهما في الركعة الرابعة المعنونة بأنها رابعة واستصحاب عدم الاتيان بالرابعة غاية ما يُثبت هو أنك لم تأتِ بالرابعة أما أن هذه المأتي بها رابعةٌ فهو لازمٌ عقليٌّ وليس شرعياٌ إذ لا توجد آية أو رواية تقول ( يا أيها الذين آمنوا إذا لم تأتوا بالرابعة فما سوف تأتون به هو رابعة ) بل العقل يقول هذا فهذا الاستصحاب مثبت ، إذن لا يمكن حمل الرواية عليه ، ولذلك ذهب(قده) يممنة ويسرة ليتخلص من هذا الاشكال.
 ونحن نقول له:-
 أولاً:- إن أصل المبنى الذي ذكرته - وهو أن التشهد والتسليم يلزم الاتيان بهما في الركعة المعنونة بانها رابعة - من أين لك هذا ؟! فهذا يحتاج الى مثبت - وهذا بحث فقهي - ولكن نقول له - والمهم الذي أريد أن أقوله هو هذا إنه حتى لو أثبت من خلال الروايات القطعيّة أن التشهد والتسليم يلزم الاتيان بهما في الركعة المعنونة بأنها رابعة ولكن نقول إنّا نستثني من ذلك حالة الشك لأجل هذه الرواية فيصير تخصيصٌ لذلك المبنى فنقول إنه لأجل هذه الرواية نستكشف أنه في حالة الشك لا بأس بذلك.
 وثانياً:- لو سلّمنا المبنى المذكور وأنه يلزم محذور الأصل المثبت ولكن نقول:- إن محذور الأصل المثبت ليس محذوراً عقلياً حتى لا يقبل التخصيص بل هو محذورٌ من باب عدم الدليل والقصور في المقتضي ، يعني أن روايات الاستصحاب تعبّدنا بمقدار الآثار الشرعيّة المباشريّة أما ما سوى ذلك فلا يستفاد التعبّد فغاية ما يوجد هو قصورٌ في المقتضي ولا مانع من أن نفترض في موردنا أن يكون الأصل المثبت حجّة في خصوص هذا المورد لأجل هذه الرواية فتصير هذه الرواية مخصّصٌ لقاعدة عدم حجيّة الأصل المثبت.
 وهذا التخصيص غير التخصيص الذي ذكرته في الجواب الأوّل فذلك تخصيصٌ في المبنى - أي مبنى أن التشهد والتسليم يلزم أن يكون في الركعة المعنونة بالرابعة فنخصص المبنى - أما الآن فقد سلّمنا بالمبنى ولكن نخصّص عدم حجيّة الأصل المثبت فنقول كلّ أصلٍ مثبت ليس بحجّةٍ للقصور في المقتضي إلّا في باب الشك بين الثالثة والرابعة لأجل هذه الراية فإن الأصل المثبت هنا حجّة لأن الإمام عليه السلام تمسك به وهو أصلٌ مثبتٌ فإي مانع من ذلك ؟! فإن الأصل المثبت محذوره ليس محذوراً عقلياً وإنما هو محذور القصور في المقتضي ومادام يوجد دليلٌ يمكن أن نستفيد منه حجيّة الأصل المثبت في هذا المورد فلا مانع من ذلك.


[1] نهاية الافكار، العراقي،ج3، ص61، 62.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo