< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

32/12/25

بسم الله الرحمن الرحیم

  تنبيهات
 التنبيه الاول:- نقل الشيخ الأعظم(قده) في الرسائل [1] عن صاحب الحدائق التفصيل بأنه تارة يكون الخطاب المتوجه إلى المكلف معلوماً وليس مردداً بين خطابين فهنا يكون العلم الإجمالي منجزاً وبين ما إذا كان مردداً بينهما فلا يكون منجزاً.
 مثال الاول:- ما إذا كان لدينا إناءان ونعلم أن أحدهما نجس فان الخطاب المتوجه إلينا معلوم وهو ( اجتنب شرب النجس ) ولكن لا نعرف متعلق الخطاب بالتفصيل فهنا يكون العلم الإجمالي منجزاً ، فتحرم المخالفة القطعية بل ربما تجب الموافقة القطعية بترك كلا الإناءين.
 ومثال الثاني:- ما إذا فرض أنا كنا نجزم بأن أحد الإناءين فيه مشكلة حتماً ولكن هل المشكلة هي النجاسة حتى يكون الخطاب المتوجه هو ( اجتنب النجس ) أو كونه مغصوباً حتى يكون الخطاب المتوجه هو ( اجتنب المغصوب ) ؟
 إذن الخطاب المتوجه إلينا مردد بين الخطابين وفي مثل ذلك لا يكون العلم الإجمالي منجزاً ، وكأن شرط التنجيز عنده(قده) معرفة المكلف بالخطاب المتوجه تفصيلاً وانـــه مثـــلاً خطـــاب ( اجتنب النجس ) وأما مع عدم معرفته تفصيلاً فلا يكون منجزاً.
 والمناقشة في ذلك واضحة:- فان العقل الذي هو سند منجزية العلم الإجمالي لا يفرق بين الحالتين أي بين الحالة التي نعرف فيها الخطاب تفصيلاً وبين الحالة الثانية ففي الثانية يعلم المكلف باشتغال ذمته جزماً ولكن لا يعرف هل أنه هذا أو ذاك فيكون موجباً للفراغ اليقيني أو على الأقل لحرمة المخالف القطعية . والمطلب لا يستحق الوقوف عنده أكثر من هذا.
 التنبيه الثاني:-
 الاضطرار إلى ارتكاب بعض الأطراف:- نحن نعرف أن الاضطرار هو من أحد روافع التكليف ، وسند ذلك قوله صلى الله عليه وآله ( رفع عن أمتي ما اضطروا إليه ) وهذا من القضايا المسلمة ، ولا فرق في الاضطرار الرافع للتكليف بين أن يكون حاصلاً من البداية أو في مرحلة البقاء.
 كما ينبغي أن يكون واضحاً أيضاً أن الاضطرار يرفع وجوب الاجتناب بلحاظ الطرف المضطر إليه ، وإنما الإشكال بلحاظ الطرف الثاني.
 وبكلمة أخرى:- وقع الكلام بين الأصوليين في أن الاضطرار يرفع منجزية العلـم الإجمالــي أو لا ؟ ولكن هذا ليس نزاعاً بلحاظ الطرف المضطر إليه فانه يرتفع التكليف جزماً لفرض الاضطرار وإنما وقع الكلام بلحاظ الطرف غير المضطر إليه فهل يرتفع التنجيز أيضاً أو لا ؟
 والكلام يقع تارة فيما إذا كان الاضطرار إلى طرف معين وأخرى إذا كان إلى غير المعين.
 مثال الاول:- إذا كان لدينا إناءان من الماء وكان أحدهما بارداً واضطر المكلف إلى شرب طرف معين وهو الماء البارد.
 ومثال الثاني:- ما إذا كان كلا الإناءين بارداً وهو محتاج إلى شرب واحد منهما فهو مضطر إلى طرف غير معين.
 أما إذا كان الاضطرار إلى طرف معين:- فلا إشكال في عدم تنجيز العلم الإجمالي لو كان الاضطرار قد ثبت أوًّلاً ثم حدث العلم الإجمالي بعد ذلك ، كما لو فرض أن المكلف كان مضطراً إلى شرب الماء البارد والمفروض أن أحدهما كان بارداً ولكن قبل أن يشربه وقعت قطرة بول في أحد الإناءين من دون تعيين ، فهنا اتفقت الكلمة على جواز شرب الإناء المضطر والمجوّز هو الاضطرار ، وأما الإناء الثاني فهل يجوز شربه أو لا ؟ اتفقت الكلمة على جواز شربه ، يعني لا تنجيز بلحاظه ، والوجه في ذلك واضح فانه لا علم إجمالي بالتكليف إذ المفروض أن الاضطرار قد حصل أوَّلاً ولعل النجاسة قد وقعت في المضطر إليه فلا يكون هناك تكليف بالاجتناب لفرض أن المكلف مضطر إليه ، نعم لو كانت النجاسة قد وقعت في الإناء الأخر فهناك تكليف بالاجتناب ولكن لا يدري أين وقعت وبالتالي سوف يشك في توجه خطاب ( اجتنب النجس ) إليه أو لا ؟ فالمورد يصير من موارد الشك في توجه التكليف وليس له علم بتوجهه ، فالشك شك بدوي فتجري البراءة عن وجوب الاجتناب عن الثاني.
 ان قلت:- أَوَليس للمكلف علم بإصابة النجاسة لأحدهما فانه له علم بذلك جزماً فكيف تقول ان الموارد من موارد الشك البدوي ؟
 قلت:- صحيح أن له علم بإصابة النجاسة ولكن المنجز ليس هو إصابة النجاسة لأحدهما أو العلم بإصابتها لأحدهما وإنما المنجز هو العلم بالتكليف ، أي العلم بتوجه خطاب ( اجتنب النجس ) إلى المكلف والمكلف لا يعلم بذلك لاحتمال أن النجس هو المضطر إليه بل هو يشك في ذلك فيكون المورد من موارد الشك البدوي وهذا ليس فيه كلام.
 وإنما الكلام فيما لو حصل العلم الإجمالي أوَّلاً والاضطرار طرأ بعد ذلك ، يعني أن المكلف حينما لم يكن مضطراً وحدث علم بإصابة النجاسة لأحد الإناءين وبعدها اضطر إلى شرب احدهما ، هنا وقع خلاف في هذه الحالة بين الشيخ الأعظم وبين تلميذه صاحب الكفاية فالشيخ الأعظم قال لا يجوز شرب الإناء غير المضطر إليه لأنه قبل ان يضطر كان له علم إجمالي بتوجه خطاب ( اجتنب النجس ) ثم حدث بعد ذلك الاضطرار المرتفع بشرب الإناء البارد ، فمن باب الجمع بين الحقين نقول اشرب الاول لأنك مضطر إليه والثاني يلزم تركه للزوم امتثال العلم الإجمالي بالمقدار الممكن فان ترك كلا الطرفين غير ممكن للاضطرار وأما أحدهما فيمكن فيلزم ذلك . ووافقه على ذلك الشيخ النائيني(قده) [2] .
 وأما الشيخ الخراساني(قده) قال ان الإناء الثاني لا يجب اجتنابه لأنه في البداية نسلم أنه حدث علم بوجوب اجتناب النجس ولكن هذا العلم ارتفع وتبدل إلى الشك لاحتمال أن النجاسة قد وقعت في الطرف المضطر إليه ، وعليه فيرتفع التكليف بالاجتناب لأن الاضطرار كما يرفع التكليف بدايةً كذلك يرفعه بقاءً وبالتالي لا يمكن للمكلف أن يجزم بتوجه خطاب ( اجتنب النجس ) بعد الاضطرار . نعم ذلك صحيح قبل الاضطرار أما بعده فلا يبقى علم بتوجه التكليف ، ومعه فلا مجال لفكرة الجمع بين الحقين فان العلم الإجمالي قد زال وتبدل إلى الشك البدوي فلا معنى للجمع بين حقه وبين حق الاضطرار فان الجمع بين الحقين وجيه إذا كان العلم الإجمالي باقياً والمفروض أنه ارتفع وتبدل إلى الشك البدوي.


[1] الرسائل في طبعة لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم ج2 ص 209 ورقم تسلسل الكتاب 25 ، والطبعة القديمة المحشاة بحاشية رحمة الله ص 248.
[2] فوائد الأصول 4 95،96.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo