< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

44/08/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 188 ) احكام ترتبط بالمكيل والموزون - الفصل السابع ( التسليم والقبض ) - الخيارات.

وهنا مطلبٌ حاصله:- لو اراد المشتري أن يبيع ما اشتراه قبل أن يقبضه ببيع الوضيعة - أي بأقل من الثمن - وكان مكيلاً أو موزوناً فهل يجوز ذلك أو لا؟

والجواب:- المناسب هو الجواز بنحو الأولوية، لأنه إذا كان يجوز البيع بنحو التولية فبالأولى يجوز بالأقل منها وهي الوضيعة، فأنَّ التولية معناها أنه لا يربح ولا يخسر في البيع أما في الوضيعة فنفترض أنه سوف يخسر فالمناسب جوازها بالأولوية.

ولكن توجد رواية تدل على عدم الجواز:- وهي ما رواه الشيخ الطوسي بسندٍ ينتهي إلى ابي بصير:- ( وعنه عن القاسم بن محمد عن علي عن ابي بصير قال:- سألت أبا عبد الله عن رجل اشترى طعاماً ثم باعه قبل أن يكيله، قال:- لا يعجبني أن يبيع كيلاً أو وزناً قبل أن يكيله أو يزنه إلا أن يوليه كما اشتراه إذا لم يربح أو يضع. وما كان من شيء عنده ليس بكيل ولا وزن فلا بأس أن يبيعه أن يقبضه )[1] [2] .

وبملاحظة السند السابق نجد أنَّ المقصود من تعبير ( وعنه ) هو الحسين بن سعيد، وهو أخو الحسن بن سعيد وكلاهما من أجلَّة اصحابنا.

وموضع الشاهد هو أنَّ الامام عليه السلام قال:- ( لا يعجبني أن يبيع كيلاً أو وزناً قبل أن يكيله أو يزنه إلا أن يوليه كما اشتراه إذا لم يربح أو يضع ) فلا تجوز المرابحة كما لا يجوز البيع بالوضيعة، وهي دالة على ذلك بوضوح فكيف الجواب؟

وفي مقام الجواب يمكن أن يقال:- إنَّ قول الامام عليه السلام ( لا يعجنبي ) لا يدل على التحريم، فإنه قال (لا يعجبني) ولم يقل ( لا يجوز ) وتعبير ( لا يعجبني ) يلتئم مع الكراهة، وعليه فلا تضرّنا هذه الرواية.

أجل قد يقال:- إنَّ هذا وجيهٌ إذا لم تكن كلمة ( يضع ) مقرونةً بعبارة ( لم يربح ) فإنه بالنسبة إلى عدم الربح يلزم ذلك، يعني لا يصح بيع غير المقبوض في موردنا مع الربح وهذا شيء مسلَّم، وإنما الكلام فيما إذا فرض أنه أراد أن يبيعه قبل القبض بوضيعةٍ، وحيث إنَّ عدم الجواز في حالة الربح إلزامي - لا أنه كراهتي - فبقرينة كلمة ( يضع ) تأخذ كملة (يربح) نفس حكمها، فإذا كان الحكم بعدم جواز الربح في غير المقبوض من المكيل والموزون إلزامياً فبهذه القرينة يلزم أن يكون الحكم إلزامياً بلحاظ المعطوف وهو ( يضع )، وعليه فعبارة ( لا يعجبني ) لا يمكن أن نتمسك بها بعد وجود هذه القرينة الدالة على أنه لا فرق بين الوضيعة وبين الربح إذ كلاهما لا يجوزان بنحو الإلزام، فكيف الجواب عن هذه الرواية؟

والجواب:- تنحصر مناقشة هذه الرواية بسندها، فإنَّ سندها هكذا:- ( وعنه عن القاسم بن محمد عن علي عن أبي بصير )، وعليّ يقصد به عليّ بن أبي حمزة البطائني الذي يروي عن أبي بصير كثيراً - وهو قائد أبي بصير - وحيث يوجد كلامٌ في توثيقه فعلى هذه الاساس قد تضعَّف الرواية من ناحيته.

ولكن قد يجاب:- بأنَّ الاصحاب قد عملوا بروايته، فنفس عملهم بروايته يوجب التساهل في أمره.

وهذا له وجاهة، ولكنه لا ينفعنا.

والاجدر في ردّ الرواية أن يقال:- إنَّ سندها اشتمل على القاسم بن محمد المعروف بالجوهري وهو لم يعرف بتوثيق، وعليه فتكون الرواية مردودة من ناحيته، وإلا فدلالتها لا مشكلة فيها.

وأما الحكم الثالث:- فيوجد فيه خلافٌ ولعل المشهور هو الكراهة، قال صاحب الجواهر(قده) بعد أن حكم بالكراهة:- ( بل هو المشور بين متأخري الاصحاب نقلاً وتحصيلاً )[3] .

ونحن نقول:- إذا رجعنا إلى الروايات وجدنا بينها احتلاف في حكم هذه الحالة:-

الرواية الاولى:- ما رواه الشيخ الصدوق بإسناده عن خالد بن الحجاج الكرخي قال:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- اشتري الطعام من الرجل ابيعه من رجل آخر قبل أن اكتاله فأقول ابعث وكيلك حتى يشهد كيله إذا قبضته، قال:- لا بأس )[4] .

وهي قد دلت على جواز بيع المكيل أو الموزون قبل قبضه، فالبيع صار من الآن ولكنه قال للمشتري ابعث وكيلك حتى يقبضه بعد أن نكيله، فإذاً البيع قد صدر قبل الاكتيال وهو قد صرّح بذلك حيث قال:- (ابيعه من رجل قبل أن اكتاله)، أما ارسال الوكيل فهذه قضية أخرى ترتبط بقبضه للمبيع بعد أن يكيله له.

لكن الاشكال على التسمك بهذه الرواية:- هو أنَّ محل كلامنا حالة ما إذا فرض أنَّ بيع غير المقبوض كان مرابحةً، وهو لم يفترض في هذه الرواية؟

والجواب:- الأجدر أن يقال إنَّ البيع عادةً لا يكون إلا مع الربح أما البيع من دون ربحٍ فهذا تصرف سفيه، فنتمسك بهذه المقدمة وبها يثبت المطلوب.

لكن المشكلة في سندها:- فإنَّ خالد بن الحجاج لم تثبت وثاقته.

الرواية الثانية:- الشيخ الصدوق باسناده عن حمّاد عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( سألته عن الرجل يشتري الثمرة ثم يبيعها قبل أن يأخذها، قال:- لا بأس به إن وجد بها ربحاً فليبع )[5] .

ودلالتها واضحة على أنَّ البيع قبل القبض جائز.

بيد أنه قد يقال:- إنها خاصة بالثمرة ولا تعم جميع انحاء المبيع، إلا أن يجاب بإلغاء الخصوصية جزماً، فإن حصل الجزم بذلك أمكن التعميم وإلا فلا.

وأما سندها:- فطريق الصدوق إلى حمّاد بن عثمان هو:- ( أبوه رضي الله عنه عن سعد بن عبد اله والحميري جميعاً عن يعقوب بن يزيد عن محمد بن ابي عمير عن حمّاد بن عثمان )، وكل رجال السند من أجلة اصحابنا.

وعليه فطريقها معتبر ودلالتها على الجواز واضحة، ولكن نحتاج إلى الجزم بعدم الخصوصية للثمرة وهو ليس ببعيد.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo