< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

44/08/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 185 ) حكم حدوث العيب بعد العقد وقبل تحقق القبض، مسألة ( 186 ) حكم تلف بعض المبيع لو كان جملةً - الفصل السابع ( التسليم والقبض ) - الخيارات.

مسألة ( 185 ):- لو حدث في المبيع عيبٌ قبل القبض كان للمشتري الردُّ كما تقدم.

..........................................................................................................

مضمون المسألة واضح، فإنَّ العيب تارةً يكون ثابتاً قبل العقد فهنا يثبت للمشتري خيار الردّ وهذا واضح، وإنما الكلام فيما لو حدث العيب بعد العقد وقبل تحقق القبض وقد حكم السيد الماتن بأنَّ الحكم هنا كالحكم في العيب الحادث قبل العقد، أي يثبت له خيار الردّ، ويمكن التمسك لذلك بوجهين: -

الوجه الأول: - إنَّ المورد من موارد الشرط الضمني، فهناك شرط ضمني بين الطرفين على أنه لو حدث عيبٌ في المبيع قبل القبض فللمشتري حق الخيار، وعليه فسوف يثبت الخيار بهذا الشرط الضمني، والظاهر أنَّ هذا شيءٌ وجدانيٌ ليس قابلاً للتشكيك.

الوجه الثاني: - البناء العقلائي، وهو أن يقال هناك بناءٌ عقلائيٌ جمعيٌ واسعٌ بين جميع العقلاء على أنه لو حدث عيبٌ في المبيع قبل قبضه فللمشتري حق الفسخ، وحيث لا ردع عن هذا البناء العقلائي فيثبت بذلك امضاؤه.

وعلى هذا فنحن بالخيار بين سلوك أحد هذين الطريقين أو كليهما.

 

مسألة ( 186 ):- لو باع جملةً[1] فتلف بعضها قبل القبض انفسخ البيع بالنسبة إلى التالف ورجع إليه ما يخصّه من الثمن وكان له الخيار في الباقي.

..........................................................................................................

تشتمل المسألة على حكمٍ واحد: -

وحاصله أنه لو باع شخص مجموعة أشياء في سلَّة واحدةٍ وفرض أنَّ بعض هذه الأشياء قد تلف ففي مثل هذه الحالة سوف ينفسخ العقد بالنسبة إلى المقدار التالف ويسترجع المشتري مقدار الثمن الذي يقابله، كما له حق الفسخ في الباقي وبالتالي سوف تنفسخ المعاملة بأجمعها.

وقبل الشروع في توضيح المسألة نقول: - قد عبّر السيد الماتن في بداية المسألة وقال: - ( لو باع جملةً )، لكن الأنسب أن يعبّر ويقال:- ( لو اشترى ) وذلك لوجود قرينة في المسألة تساعد على أن يكون التعبير الأنسب هو ما ذكرناه فإنه قال بعد ذلك ( ورجع إليه ما يخصَّه من الثمن ) أي ورجع إلى المشتري وليس إلى البائع.

وقد تعرض الشيخ الأعظم(قده) إلى هذه المسألة في مكاسبه حيث قال ما نصّه:- (لو تلف بعض المبيع قبل قبضه فإن كان مما يقسّط الثمن عليه[2] انفسخ البيع فيه فيما يقابله من الثمن لأنَّ التالف لأنَّ التالف مبيعٌ تلف قبل قبضه فإنَّ البيع يتعلق بكل جزءٍ إذ البيع ليس إلا التمليك بعوضٍ وكل جزءٍ كذلك[3] ... وكيف كان فلا اشكال ولا خلاف في المسألة)[4] .

وما ذكره يبتني على مقدمتين: -

المقدمة الأولى: - إنَّ بعض المبيع هو مبيعٌ أيضاً - أي يطلق عليه عنوان المبيع - وقد صرح بهذه المقدمة حيث قال: - ( لأنَّ التالف مبيعٌ تلف قبل قبضه فإنَّ البيع يتعلق بكلّ جزء )، يعني أنَّ القسم الأول من المبيع قد تحقق فيه بيعٌ والقسم الثاني من المبيع قد تحقق فيه بيعٌ ... وهكذا، فلو كان للمبيع عشرة اجزاءٍ فيوجد عشرة بيوع.

المقدمة الثانية: - مادام يصدق على كل جزءٍ تلف من المبيع عنوان المبيع فحينئذٍ نطبق عليه قاعدة ( تلف المبيع قبل قبضه من مال بائعه ).

وكلا المقدمتين قابل للمناقشة: -

أما المقدمة الأولى: - فهي مخالفة للوجدان، فإنَّه إذا كان يطلق على اجزاء المبيع مبيعاً يلزم أنَّ من اشترى رزمةً من الدفاتر تحتوي على عشرة دفاتر مثلاً أن يصدق أنه قد تحقق منه عشرة بيوع، وهذا لا يمكن الالتزام به وجداناً.

أما المقدمة الثانية: - فيمكن أن يشكل على القاعدة المذكورة ويقال إنَّ السند مرسل حسب الفرض فيكف تتمسك به وتستند إليه؟!!

والأجدر أن يستدل لإثبات الضمان في هذه الحالة بأن يقال: - إذا تلف المبيع قبل قبضه فهناك سيرة عقلائية وبناءٌ عقلائي على بطلان البيع بلحاظ الجزء التالف ويسترجع المشتري قسط الثمن الذي يقابله وأما بالنسبة إلى الباقي من المبيع فللمشتري الخيار بين ابقاء المعاملة وبين الفسخ، لأنَّ الباقي هو جزءٌ المبيع وليس جميع المبيع والمستند لذلك هو هذا البناءٍ العقلائيٍ.

ولو قلت: - إنَّ هذا البناء العقلائي هو مجرّد دعوى لا مثبت لها.

قلت: - عليك ملاحظة هذا البناء العقلائي بنفسك، فمثلاً لو اشتريت شيئاً ولم تقبضه من البائع وذهبت لتأتي بمن يساعدك على حمله فلو رجعت ووجد نصفه قد تلف فماذا تصنع في مثل هذه الحالة وماذا يصنع العقلاء؟ إنهم يسترجعون نصف الثمن إلى المشتري، كما أنَّ المشتري إذا لاحظ تبعّض المبيع عليه وكان الباقي منه لا ينفعه فحينئذٍ يتمكن من الفسخ في الباقي - يعني في المجموع - وحيث لا ردع عن هذا البناء العقلائي فيثبت بذلك الامضاء.


[1] أي مجموعة أشياء في حزمةٍ واحدةٍ أو في سلّةٍ واحدة.
[2] يعني كان شيئاً معتداً به لا ما كان شيئاً جزئياً لا يُقابل بقسطٍ من الثمن.
[3] ومقصوده من ( وكل جزءٍ كذلك ) يعني فيه تمليكٌ بعوضٍ فيصدق عليه أنه مبيع.
[4] كتاب المكاسب، الانصاري، ج6، ص281.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo