< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

44/07/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- الفصل السابع ( التسليم والقبض ) - الخيارات.

وأشار إليه المقدس الاردبيلي(قده)[1] إلى مطلبٍ جانبي حاصله:- لو امتنع أحد الطرفين من التسليم لم يجز للطرف الآخر الامتناع من التسليم لأنه ظلم، وصدور الظلم من أحدهما لا يبرر صدوره من الآخر، قال: - ( ومنع احدهما حق الآخر لا يستلزم جواز الظلم للآخر ومنعه عن حقه فيجبرهما الحاكم معاً على ذلك إن امتنعا فيعطي من يد ويأخذ من يد ).

ووافقه على ذلك الشيخ البحراني(قده) في حدائقه[2] .

ونحن نقول: - إذا كان مقصوده أنه لا يجوز لأحد الطرفين الامتناع من التسليم وإن امتنع الطرف الآخر عن تسليمه فيردّه: -

أولاً: - إنَّ تحفظ أحد الطرفين على ماله عند عدم تسليم الطرف الآخر لما في يده لا يعدُّ ظلماً للطرف الآخر بل هو عين العدالة، نعم لو امتنع هذا الطرف عن التسليم حتى مع تسليم الطرف الآخر له فهذا يُعدُّ ظلماً، أما أنه لا يسلّم ما في يده إلا أن يسلم الطرف الآخر ما في يده فهذا عين العقل والعدالة ولا موجب لمنعه.

ثانياً: - يمكن أن يقال: هناك مشارطة ضمنية لا يصرّح بها لوضوحها وهي أنَّ كل طرفٍ هو مشترطٌ على الثاني أنه يسلّم ما في يده للثاني إذا سلَّم الطرف الثاني ما في يده إليه وأما إذا لم يسلّمه الطرف الثاني فهو لا يسلّم أيضاً، ومع وجود هذه المشارطة كيف يكون الامتناع من التسليم ظلماً؟!!

اللهم إلا أن يكون مقصود الاردبيلي(قده) شيئاً آخر غير ما يعطيه ظاهر عبارته بحيث يمتنع هذا الطرف من التسليم حتى مع قبول الطرف الآخر به، فإن كان هذا هو مقصوده فهو مقبول، أما أنَّ الطرف لا يسلَّم حتى يسلّم الطرف الآخر فهذا شيء عقلائي ويفعله كل عاقل خصوصاً في الأشياء الثمينة كالذهب، فإننا لا نسلّم الثمن أولاً ثم بعد ذلك نأخذ الذهب وإنما يكون الثمن بيدٍ والذهب باليد الأخرى، وهذا ما يحكم به العقل والعقلاء، وعليه فعدُّ هذا الامتناع عن التسليم من قبل الاردبيلي(قده) ظلماً لابد من توجيهه بشكلٍ وآخر.

الحكم الخامس: - لو امتنع أحدهما مع فرض تسليم صاحبه اجبر الممتنع على التسليم.

وهذا حكمٌ واضح، فإنه إذا لم يقم الممتنع بأداء الحق لصاحبه مع فرض أنَّ الطرف الآخر كان مستعداً للتسليم وقد دفع ما في يده فحينئذٍ يجبر الممتنع على دفع ما عليه من الحق.

الحكم السادس: - لو اشترط أحدهما تأخير التسليم إلى مدّةٍ – كأسبوعٍ مثلاً - ورضي الطرف الآخر بذلك فلا مانع من الصحة، فإنَّ ذلك عبارة أخرى عن الاشتراط، فأحدهما يشترط تأخير التسليم وهو شرطٌ سائغٌ فيشمله عموم ( المؤمنون عند شروطهم )، ومادام الطرف الآخر قد رضي بذلك فيكون الآخر ملزماً بالتسليم ولكن الأول لا يكون ملزماً بالتسليم إلا بعد نهاية مدّة الشرط، نعم كان من حق الآخر أن لا يقبل بهذا التأخير ولكن هذا مطلبٌ آخر، أما بعد أن رضي بالتأخير فحينئذٍ يكون عموم ( المؤمنون عند شروطهم ) شاملاً للمقام ومقتضياً لصحة ولزوم هذا الشرط، فالأول لا يلزمه التسليم أما الثاني فيلزمه التسليم.

ويوجد شيء لا بأس بالإشارة إليه: - وهو أنه هل يجوز لكلا الطرفين اشتراط تأخير تسليم العوضين أو لا يجوز ذلك؟

والجواب: - هناك ثلاث حالات: -

الحالة الأولى: - أن يكون كلا العوضين المؤجلين شخصيين، بأن يفترض أنَّ المثمن كان هو هذه النسخة المشار إليها من الكتاب ولكنه لا يسلّمها إلى المشتري بعد العقد مباشرة وإنما يكون التسليم مؤجلاً بعد أسبوع، وكذلك الثمن يكون هذا الدينار الجزئي ولكنه لا يسلّمه إليه إلا بعد الاسبوع.

الحالة الثانية: - أن يفترض أنَّ يكون أحد العوضين شخصياً والآخر كلياً في الذمة.

الحالة الثالثة: - أن يفترض أنهما كليان معاً.

أما الحالة الأولى: - فلا مانع من ذلك بعد فرض تشخّص العوضين، فإنَّ البيع قد جرى على العوضين المشخّصين، كما لو جرى العقد على هذا الكتاب وهذا الدينار والتسليم لهما يكون بعد أسبوعٍ فمثل هذا لا دليل على منعه، فيشمله مثل عموم ﴿ احلَّ الله البيع ﴾ أو ﴿ تجارة عن تراض ﴾ ويكون صحيحاً.

وأما الحالة الثانية: - فلا محذور فيها أيضاً، إذ لم يدل دليل على المنع فنتمسك بعموم ﴿ افوا بالعقود ﴾ أو ﴿ وأحلَّ الله البيع ﴾ أو ﴿ تجارة عن تراض ﴾ أو سائر العمومات.

وأما الحالة الثالثة: - فهي محل الكلام، إذ في مثل هذه الحالة يمكن أن يحكم بعدم الجواز لأنَّ ذلك مصداقٌ لبيع الدين بالدين - والذي يعبر عنه ببيع الكالئ بالكالئ - الذي دلت النصوص على عدم جوازه، فعنوان بيع الدين بالدين يصدق في خصوص هذه الحالة الثالثة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo