< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

44/06/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- الفصل السادس ( ما يدخل في المبيع ) – الخيارات.

الفصل السادس:- ما يدخل في المبي

من باع شيئاً دخل في المبيع ما يقصد المتعاملان دخوله فيه دون غيره. ويعرف قصدهما بما يدل عليه لفظ المبيع وضعاً أو بالقرينة العامة أو الخاصة، فمن باع بستاناً دخل فيه الارض والشجر والنخل والطوف[1] والبئر والناعور والحضيرة ونحوها مما هو من اجزائها أو توابعها، أما من باع ارضاً فلا يدخل فيها الشجر والنجل الموجودان، وكذا لا يدخل الحمل في بيع الام ولا الثمرة في بيع الشجرة. نعم إذا باع نخلاً فإن كان التمر مؤبّراً[2] فالتمر للبائع وإن لم يكن مؤبّرا فهو للمشتري. ويختص هذا الحكم ببيع النخل، أما في نقل النخل بغير البيع أو بيع غير النخل من سائر الشجر فالثمر فيه للبائع مطلقاً وإن لم يكن مؤبّراً. هذا إذا لم تكن قرينة على دخول الثمر في بيع الشجر أو الشجر في بيع الارض أو الحمل في بيع الدابة، أما إذا قامت القرينة على ذلك وإن كانت هي التعارف الخارجي عمل عليها وكان جميع ذلك للمشتري.

..........................................................................................................

ويشتمل المتن على حكمين، وأما باقي الامور المذكورة فيه فهي توضيحات وامور جانبية:-

الحكم الاول:- من باع شيئاً دخل في المبيع ما يقصد المعاقدان دخوله في المبيع دون غيره.

الحكم الثاني:- طريق معرفة قصد المتعاقدين إما بدلالة نفس اللفظ الوضعية أو بضم القرائن الحافّة بالكلام.

وكلا الحكمين شيءٌ مقبول ولا يحتاج إلى استدلال، وأما الامور الجانبية التي ذكرها السيد الماتن فالمناسب الاشارة إليها فقطبصورة اجمالية دون الدخول في تفاصيلها.

ونشير هنا إلى مطلبٍ آخر:- وهو أنه إذا حصل التنافي والتعارض بين ما قصده المتعاقدان وبين ما عليه الفهم العرفي فبأيَّ واحدٍ منهما نأخذ؟

المناسب الأخذ بما قصده المتعاقدان وأما الفهم العرفي فيصار إليه في حالة الجهل بمقصود المتعاقدين، كما لو جيء لنا بوصيةٍ لميتٍ ففي مثل هذه الحالة يكون المدار على ما يقصده الموصي ولو من خلال القرائن وليس المدار على ما يفهم من الوصية بدلالتها الوضعية.

بيد أنَّ صاحب الحدائق(قده) اختار العكس:- فجعل المدار على ما يفهمه العرف لا على ما قصده المتعاقدان، وإنما يصار إلى قصد المتعاقدين فيما إذا جُهِل الفهم العرفي، قال:- ( إنَّ الواجب هو حمل اللفظ على الحقيقة الشرعية إن وجدت وإلا فعلى عرفهم عليهم السلام لأنه مقدمٌ على عرف الناس إن ثبت وإلا فعلى ما هو المتعارف في ألسن المتخاطبين والمتبادر في محاوراتهم )[3] . فعلى رأيه يصير المدار على عرف الناس في المرحلة الثانية أما في المرحلة الاولى فالمدار يكون على ما هو المفهوم شرعاً.

وفي التعليق نقول:- إنَّ ماذ كره وجيهٌ في النصوص الشرعية، فإنه إذا كان لدينا نصٌّ شرعي فلابد من فهمه على طبق المداليل والمعاني الشرعية ولا يصار إلى ما عليه العرف، نعم إذا جهلنا المدلول الشرعي فقد يقال بالمصير إلى ما عليه الفهم العرفي، أما في الخطابات الشخصية كما في باب الوصية أو عند اجراء العقد بين شخصين فهذه قضية خاصة بين الناس ولا ترتبط بالمفاهيم الشرعية والمناسب هنا المصير الفهم الخاص بين المتعاقدين ولا معنى للمصير إلى المدلول الشرعي أولاً ومع فقده يكون المصير إلى ما عليه الناس ثانياً، بل هذه قضية ترتبط بالناس والمتعاقدين فلابد وأن يكون المدار على ما يقصده المتعاقدان.

ثم أنه توجد في مسألتنا بعض الروايات التي تعارض ما عليه عرفنا الحالي، يعني قد يفهم منها أنه لابد من الأخذ بالعرف السابق لا بعرفنا الحاضر فماذا نفعل تجاه هذه الروايات:- ونذكر منها روايتين:-

الرواية الاولى:- وهي ما رواه الشيخ الكليني عن محمد بن يحيى عن احمد بن حمد بن عيسى عن محمد بن يحيى عن غياث بن ابراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( قال أمير المؤمنين عليه السلام:- من باع نخلاً قد أبَّره فثمره للبائع إلا أن يشترط المبتاع، ثم قال:- قضى به رسول الله صلى الله عليه وآله )[4] .

أما دلالتها:- فقد يقال: إنها دلت على أنَّ المدار على التأبير وعدمه، فإن أُبّر النخل فالثمر يكون للبائع وإلا فهو للمشتري.

ولكن في المقابل يمكن أن نقول:- لابد من حمل الرواية على الفترة الزمنية السابقة، أما لو صار المتعارف في زماننا أنَّ الثمر يكون للمشتري مطلقاً أو يكون للبائع مطلقاً - أي صار اشبه بالشرط الضمني - فحينئذٍ لا نحتمل لزوم الأخذ بالتفصيل المذكور في الرواية، وعليه فلابد من حمل التفصيل الذي ذكرته على الفترة الزمنية السابقة وإلا فلا يحتمل تعيّن المصير إلى العرف السابق رغم تغيره عندنا.

وأما سندها:- فهو معتبر، فإنَّ محمد بن يحيى فهو الاشعري من أكابر اصحابنا وثقاتنا، وأما احمد بن محمد بن عيسى الاشعري فهو صاحب كتاب نوادر الحكمة وهو من الثقات، وأما محمد بن يحيى فهو الخزّاز الذي قال عنه النجاشي:- ( محمد بن يحيى الخزاز كوفي روى عن اصحاب أبي عبد الله عليه السلام ثقة عين )، كما توجد رواية اخرى في هذا المجال رواها الشيخ الطوسي[5] بسنده عن احمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن يحى الخزاز عن عبد الله بن ابراهيم، وهذه الرواية الثانية تجعل كشاهدٍ على أنَّ احمد بن محمد بن عيسى يروي محمد بن يحيى الخزّاز، فإذا روى احمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن يحيى فهذا يصلح قرينةً على كون المقصود من محمد بن يحيى هو الخزّاز الثقة، وأما غياث بن ابراهيم فقد وثقه الناجشي.

الرواية الثانية:- ما رواه محمد بن الحسن الطوسي باسناده عن محمد بن الحسن الصفار أنه كتب إلى ابي محمد عليه السلام:- ( في رجلٍ اشترى من رجل أرضاً بحدوها الاربعة وفيها زرع ونخل وغيرهما من الشجر ولم يذكر النخل ولا الزرع ولا الشجر في كتابه، وذكر فيه أنه اشتراها قد بجيمع حققها الداخلة فيها والخارجة أيدخل الزرع والنخل والاشجار في حقوق الارض أم لا؟ فوقّع عليه السلام:- إذا ابتاع الارض بحدودها وما اغلق عليه بابها فله جميع ما فيها إن شاء الله تعالى )[6] .

وسندها معتبر:- فإنَّ طريق الشيخ الطوسي(قده) إلى الصفار معتبر كما ذكره في المشيخة.

وفي التعليق عليها نقول:- إذا قال المتعاقدان أو قال المشتري قد اشتريتها بجميع حقوقها الداخلة والخارجة وغير ذلك فهنا نسلّم بدخول جميع ذلك في المبيع، ولكنَّ هذا يحمل على الفترة الزمنية السابقة، أما في زماننا لو صار المتعارف هو عدم دخول مثل هذه الامور فحينئذٍ نأخذ بما عليه عرفنا وزماننا، فعرف كل زمانٍ هو المحكّم فيه، فإذا كان العرف يقضي بأن يدخل كذا وكذا في المبيع دخل فيه حينئذٍ لأنَّ هذا يصير اشبه بالشرط الضمني، وأما إذا انعكس العرف انعكس الأمر، فلا يمكن أن نحكّم هذه الرواية على جميع الاعصار حتى لو فرض حصول تغيرٍ في العرف والعادة.


[1] مجمع البحرين، الطريحي النجفي، فخر الدين، ج3، ص74. ( والطوف :- الغائط، ومنه الخبر" لا يصلِّ احدكم وهو يدافع الطوف " ).
[2] تأبير النخل: - هو تلقيحه.
[5] تهذيب الاحكام، الطوسي، ج10، با الحد في السرقة والخيانة، ح434.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo