< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

44/06/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- فصلٌ في إرث الخيار – احكام الخيار- الفصل الرابع ( الخيارات).

أحكام الخيار: -

الخيار حقٌّ من الحقوق فإذا مات من له الخيار انتقل إلى وارثه. ويحرم منه من يحرم من ارث المال بالقتل أو الكفر أو الرق، ويحب عنه ما يحجب عن ارث المال. ولو كان العقد الذي فيه الخيار متعلقاً بمال يحرم منه الوارث كالحبوة المختصة بالذكر الأكبر والأرض التي لا ترث منها الزوجة ففي حرمان ذلك الوارث من ارث الخيار وعدمه أقوال أقربها عدم حرمانه والخيار لجميع الورثة، فلو باع الميت أرضاً وكان له الخيار أو كان قد اشترى أرضاً وكان له الخيار ورثت منه الزوجة كغيرها من الورثة.

..........................................................................................................

يبحث في هذا الفضل عن أحكام مطلق الخيار وليس المقصود خصوص خيار الشرط، وهو يشتمل على ثلاثة أحكام:-

الحكم الأول: - إنَّ الخيار يورث، فإذا مات من له الخيار انتقل خياره إلى الورثة، وقد استدل السيد الماتن(قده) على ذلك بأنَّ الخيار حقٌ وليس حكماً فينتقل إلى الورثة.

الحكم الثاني: - يُحرَم من الخيار من يُحرَم من إرث المال كالقاتل والكافر والرق فإنَّ القتل والكفر والرقية تحجب عن الإرث، كما يحجب عنه ما يحجب عن إرث المال كالطبقة الأولى من طبقات الارث - وهم الآباء والابناء - فإنها تحجب الطبقة الثانية، فكما أنَّ القتل أو الكفر يكون سبباً للمنع للكلي كذلك وجود الطبقة الأولى سببٌ للمنع الجزئي عن الارث فمادامت الطبقة الأولى موجودةً لا تصل النوبة إلى الطبقة الثانية أما إذا عدمت الطبقة الاولى فينتقل الخيار إلى الطبقة الثانية.

الحكم الثالث: - لو فرض أنَّ العقد كان متعلقاً بمالٍ لا يرث منه بعض الورثة كالحبوة - وهي مثل سيف الميت ومصحفه وملابسه - التي يختص بها الولد الأكبر فلو كان هناك خيار متعلّقٌ بالسيف مثلاً فهل يختص إرث الخيار بالولد الأكبر أو يعم جميع الورثة؟ إنَّ هذه المسألة محل الكلام وقد ختار السيد الماتن(قده) أنَّ الجميع يرث هذا الخيار لا خصوص من يرث الحبوة، وهكذا الحال لو فرض أنَّ الانسان اشترى أرضاً فيها الخيار ثم مات فالمعروف أنَّ الزوجة لا ترث من الأرض ففي مثل هذه الحالة الخيار الثابتٌ في هذه الأرض هل ترث منه الزوجة أو أنه يختص ببقية الورثة الذي يرثون الأرض؟ ذهب السيد الماتن(قده) إلى أنه يعم الجميع.

أما الحكم الأول: - فصحيحٌ أنَّ الحق يورث ولكن كيف نثبت أنَّ الخيار هو حق وليس حكماً شرعياً؟

قد يستدل على كونه حقاً بالوجوه التالية: -

الوجه الأول: - الاجماع، فإنه لم يقع خلافٌ بين الفقهاء في كون الخيار حقاً من الحقوق.

ولكن الاشكال فيه واضح: - فأنه لو سلّمنا تحقق الاجماع جزماً إلا أنه محتمل المدرك، والاجماع إنما يكون حجّة فيما إذا كان مجهول المدرك حتى يكون مستنداً على التلقّي من المعصوم عليه السلام يداً بيد، وفي المقام نحتمل وجود المدرك وهو أحد الأمرين اللذين سنذكرهما، وعليه فلا يمكن التمسك بالإجماع كدليل، لكن عدم حجيته لا يعني أنَّ الفقيه لا يستفيد منه شيئاً وأنه لا قيمة له رأساً وإنما قد يشكّل له نصف قرينة وبضمَّ قرينة ثانية وثالثة إليه قد يحصل للفقيه الاطمئنان بالحكم الشرعي آنذاك ويفتي على طبقه، وهذه قضية سيّالة في جميع الاجماعات المدركية.

الوجه الثاني: - التمسك بحديث: - (ما ترك الميت من حق فلوارثه ).

ولكن يشكل عليه: -

أولاً:- إن الحديث المذكور لا وجود له بشكل معتبر في مصادرنا الحديثية وإنما جاء مع سنده في بعض كتب حديث العامة كمسند أحمد[1] وسنن ابن ماجة[2] .

ثانياً: - إنه حتى لو سلّمنا تمامية سنده ولكنه لا ينفعنا شيئاً، لأنه يقول ( ما ترك الميت من حق فلوارثه ) ونحن كلامنا أنَّ هذا حقٌّ أو ليس بحق، فكلامنا هو في الصغرى وليس في الكبرى التي هي أنَّ الحقوق تروث أو لا تورث فإن مسألة وراثة الحقوق نتمسك لها بإطلاق أدلة الإرث لإثبات أنها تورث وهذا الحديث يثبت الكبرى دون الصغرى التي هي محل الكلام.

الوجه الثالث:- أن يقال إنَّ الخيار قابل للإسقاط، وكل ما يقبل الاسقاط فهو حق، ويدل على سقوطه بالإسقاط بعض الروايات الدالة على أنه بالتصرف يسقط الخيار، كما في بعض روايات خيار الحيوان المتقدمة التي منها معتبرة محمد بن يعقوب عن عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد وأحمد بن محمد جميعاً عن ابن محبوب عن علي بن رئاب عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري اشترط أم لم يشترط فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثاً قبل الثلاثة الأيام فذلك رضاً منه فلا شرط )[3] .

ودلالتها واضحة: - فإنه عليه السلام قال: - ( أحدث المشتري فيما اشترى حدثاً قبل الثلاثة الأيام فذلك رضاً منه فلا شرط )، والمقصود من قوله ( فلا شرط ) يعني يسقط خيار الحيوان بالتصرف، وموردها وإن كان هو خيار الحيوان إلا أنه لا يحتمل الخصوصية لخيارٍ دون آخر.

وأما سندها:- فهو تام، فإنَّ الشيخ الكليني رواها عن العدّة وقد قلنا إنَّ العدَّة أقلها ثلاثة ومن البعيد أن يجتمع ثلاثة من مشايخ الكليني في التواطؤ على الكذب، وهذا معناه تطبيق حساب الاحتمال، وإذا وصلت النوبة إلى ذلك فالقضية تعود حينئذٍ أشبه بالشخصية فقد يقبل بها بعض وقد يرفضها البعض الآخر، ونحن يحصل لنا الاطمئنان بذلك، وأما سهل بن زياد ففيه كلام وإذا لم تقبل بوثاقته يكفينا أحمد بن محمد لأنَّ الرواية مروية عنهما معاً وأحمد بن محمد هو إما ابن عيسى أو ابن خالد البرقي وكلاهما ثقة، وأما لفظ ( جميعاً ) فهو يعني أنَّ سهل وأحمد بن محمد قد رويا معاً عن بن محبوب، وأما ابن محوب فهو الحسن بن محبوب وهو من أجلة أصحابنا، وأما علي بن رئاب فهو ثقة أيضاً، وعليه فتكون الرواية معتبرة السند.


[2] سنن ابن ماجة، ج2، رقم 419، ورقم 2738.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo