< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

44/05/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 166 ) فساد الشرط لا يوجب فساد العقد- شروط صحة الشرط - الفصل الرابع ( الخيارات).

مسألة( 166 ):- الظاهر أنَّ فساد الشرط لا يسري إلى العقد المشروط فيه فيصح العقد ويلغو الشرط.

تشتمل المسألة على حكمٍ واحد، وهو أنَّ فساد الشرط لا يوجب فساد العقد.

وقد وقعت هذه المسألة محل خلافٍ بين الاعلام كما أشار إلى ذلك الشيخ الاعظم(قده) حيث قال:- ( وإنما الاشكال ... هل يكون مجرد فساد الشرط موجباً لفساد العقد أم يبقى على الصحة؟ فقولان ... )[1] .

وربما يستدل على أنَّ فساد الشرط يفسد العقد أيضاً بوجوهٍ نذكر اثنين منها:-

الوجه الأول:- أن يقال إنَّ للشرط قسطاً من الثمن، فإذا فسد الشرط لزم من ذلك جهالة الثمن، حيث إنَّ مقدار ما يقابل الشرط مجهولٌ وذلك يوجب جهالة مقدار الثمن بعد حذف ما يقابل الشرط.

ويردّه:-

أولاً:- إنَّ دعوى كون الشرط يُقابل بجزءٍ من الثمن قابلة للتأمل والتوقف فإنَّ المقابلة هي بين الثمن والمثمن من دون أن يدخل الشرط في الحساب، نعم الشرط يصير سبباً لزيادة الثمن على المشروط لا أنه يُقابل بجزءٍ من الثمن والوجدان شاهدٌ على ذلك، فمن اشترى داراً بشرط أن تكون قريبةً من الحرم الشريف لأمير المؤمنين عليه السلام مثلاً بثمن كذا ففي مثل هذه الحالة يكون جميع الثمن في مقابل الدار لا أنَّ ربعه مثلاً يكون مقابل كونها قريبةً من الحرم الشريف، نعم تزداد قيمة الدار بسبب هذا الوصف وهذا الشرط لا أنَّ جزءاً من الثمن يصير في مقابله.

ثانياً:- إنَّ ما بإزاء الشرط لا يكون مجهولاً دائماً بل ربما يكون معلوماً أحياناً، فحتى فلو سلّمنا أنَّ للشرط قسطاً من الثمن ولكن نقول ليس قسط الثمن يكون مجهولاً دائماً وإنما هو في الغالب يكون هكذا وأما في بعض الأحيان فربما يكون معلوماً ومعه يكون اصدار الحكم بفساد العقد بنحو الموجبة الكلية أمراً غير وجيه بل لابد من التفصيل فيقال إذا كان القسط المقابل للشرط مجهولاً فالبيع يكون باطلاً وأما إذا كان معلوماً فلا يكون البيع باطلاً والحال أنه لا يوجد مثل هذا التفصيل وإنما يوجد قولان في المسألة قولٌ بفساد البيع مطلقاً وقولٌ بصحته مطلقاً أما أنَّ الأقوال ثلاثة فليس بموجود.

ثالثاً:- إنَّ الجهالة المذكورة في الثمن هي جهالة حاصلة بعد العقد وليس حين العقد، فإنه حين العقد يفترض أنَّ الثمن معلومٌ وهو في مقابل الدار مع هذا الشرط ولكن حينما يُطَّلع على كون الشرط فاسداً فيجهل آنذاك قسطه من الثمن ومثل هذه الحالة لا تكون مشمولة لأدلة الفساد، وإنما أدلة الفساد تقول إذا كان العوض مجهولاً حين العقد بطل البيع لا ما إذا حصلت الجهالة فيما بعد، والمفروض أنه لم تكن هناك جهالة في البيع حين العقد، كما لو كانا يتخيلان أنَّ الشرط ليس بفاسدٍ أو كانا يعتقدان أنَّ الشرط الفاسد ليس بمفسدٍ للعقد، أما هنا فالجهالة تتحقق بعد العقد لا حينه فلا توجد جهالة حين العقد.

الوجه الثاني:- فقدان التراضي، فإنَّ شرط صحة العقد وجود الرضا، وفي المقام لا يوجد رضا فإنَّ الرضا متعلَّق بالعقد المشروط وليس متعلقاً بالعقد الفاقد له، ومادم الشرط فاسداً فالتراضي في المقام يكون مفقوداً فيقع العقد فاسداً لفقدان التراضي.

والجواب:- إنَّ فقدان الشرط تارةً يوجب المباينة العرفية بين المبيع الذي جرى عليه العقد وبين المبيع المطلوب من قبل المشتري - كما إذا قال المشتري للبائع أشتري منك هذه الدار على أن تكون فيها ساحة كبيرة بمقدار ثلاثين متراً وكذا عدد من الحجر فباعه على هذه الأوصاف ولكن تبين بعد ذلك أنَّها ليست داراً وإنما هي خان الصعاليك مثلاً - وتارةً أخرى لا يوجب المباينة العرفية -كما إذا تبيّن أنها دارٌ حقاً وفيها عدد من الحجر ولكن ساحتها قليلة كعشرين متراً لا كما اشترط المشتري أي كانت فاقدة للصفة أو الشرط - ففي الحالة الأولى صحيحٌ أنَّ التراضي ليس بموجودٍ - لأنَّ الرضا كان متعلقاً بشراء الدار والتعاقد والتوافق قد حصل على هذا بينما الموجود هو شيء آخر - فيلزم بطلان البيع كما ذكر، وأما في الحالة الثانية فلا توجد مباينة بين متعلّق العقد وبين ما هو موجود فالعقد يقع صحيحاً غايته أنه يثبت خيار تخلف الشرط لا أنَّ البيع يكون باطلاً.

فإذاً يكون البيع باطلاً فيما إذا كانت هناك مباينة بين ما جرى عليه العقد وبين الواقع الخارجي فنقول ما جرى عليه العقد ليس بموجود وما هو موجود لم يجر عليه العقد، أما إذا لم تكن المباينة موجودة فالعقد يكون صحيحاً غايته يثبت خيار تخلف الشرط.

فإذاً لحد الآن لا يوجد دليل على فساد العقد لأنَّ جميع هذه الأدلة قابلة للمناقشة ولو كنا نحن وهذه الأدلة لكان المناسب أن نقول الأحوط أنَّ فساد الشرط يوجب فساد العقد.

ولكن دلت الروايات على أنَّ فساد الشرط لا يوجب فساد العقد:- وهي:-

الرواية الأولى:- ما رواه علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حمّاد عن الحلبي قال:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن أمة كانت تحت عبد فأعتقت الأمة، قال:- أمرها بيدها إن شاءت تركت نفسها مع زوجها وإن شاءت نزعت نفسها منه، وقال:- وذكر أنَّ بريرة كانت عند زوج لها وهي مملوكة فاشترتها عائشة وأعتقتها فخيّرها رسول الله صلى الله عليه وآله وقال:- إن شاءت أن تقر عند زوجها وإن شاءت فارقته، وكان مواليها الذين باعوها اشترطوا على عائشة أن لهم ولاءها، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله:- الولاء لمن أعتق )[2] .

أما سندها:- فهو معتبر.

وأما دلالتها:- فالشاهد هو أنَّ النبي صلى الله عليه وآله حكم ببطلان الشرط الذي شرطه موالي بريرة على عائشة وقال ( الولاء لمن اعتق )، والذي اعتق هو عائشة فالولاء يكون لعاشة، ولكن رغم فساد هذا الشرط كان البيع صحيحاً، لأنَّ المفروض أنَّ عائشة قد اعتقتها ولو كان البيع فاسداً لكان العتق فاسداً والحال أنَّ النبي صلى الله عليه وآله أمضى الشراء والعتق رغم حكمه ببطلان الشرط الذي وقع في عقد الشراء، وعلى هذا تكون دلالة الرواية على أنَّ بطلان الشرط لا يوجب بطلان العقد واضحة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo