< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

44/05/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 165 ) الأمور غير المعتبرة في صحة الشرط- شروط صحة الشرط - الفصل الرابع ( الخيارات).

أما بالنسبة إلى سنده:- فينحصر مدركه برواية الشيخ الصدوق(قده) له في كتاب عيون أخبار الرضا حيث نقل عن الامام الحسين عليه السلام خطبةً طويلةً لأمير المؤمنين عليه السلام ومن جملتها حديث النهي عن الغرر، ولعل الشيخ الصدوق(قده) روى هذا الحديث في العيون بخمسة أسانيد كلّها من المجاهيل عندنا حيث لا يوجد عندنا مدرك لتوثيقهم، وعليه فيكون الاستناد إليه بحيث ينحصر مدرك الفقيه به أمرٌ مشكل، إلا أن يقال: إنَّ تعدد الأسانيد ولو كانوا من المجاهيل هو بنفسه يرتقي بالخبر إلى مستوى الحجية حيث يحصل الاطمئنان للفقيه بأنه صادر من المعصوم عليه السلام، وهذه قضية تختلف من فقيهٍ لآخر.

وأما نحن فنأخذ بالحديث كمؤيدٍ وليس كدليل.

اللهم إلا إذا سلكنا طريقة صاحب الجواهر(قده) أو الشيخ الاعظم(قده) في المكاسب وقبلنا بما قالاه.

أما صاحب الجواهر(قده) فحينما ذكر حديث في الغرر قال:- ( المشهور المعتبر المتلقى بالقبول بل قد أجمع عليه المؤالف والمخالف القائل بحيجة الخبر وغيره كالسيد المرتضى وابني زهرة وابن ادريس بل رد به الكثير من الأخبار المسندة المروية من طرق الأصحاب )[1] ، فعلى طريقته لا نحتاج إلى أن يكون السند من الثقات، نعم إذا رواه الثقات فبها وإلا فيوجد بديلٌ آخر وهو أنَّ الاصحاب قد تلقّوه بالقبول وأنه مشهورٌ عندهم فيؤخذ به حينئذٍ، فإن قبلت بهذا فسوف يرتقي هذا الحديث إلى مستوى الحجّية وذلك من باب الاطمئنان وإلا فلا.

وأما الشيخ الاعظم(قده) فقال:- (واشتهار الخبر بين الخاصة والعامة يجبر ارساله)[2] . وهو روح ما أفاده صاحب الجواهر(قده)، فالمقصود هو أنَّ شهرة الحديث بين الخاصّة والعامّة يوجب اعتباره.

وعلى أي حال إن حصل وثوقٌ بصدوره من معدن العصمة والطهارة فبها وإلا فسوف ينتقل الفقيه من الفتوى إلى الاحتياط الوجوبي، فإنَّ هذا المورد من أحد موارد الاحتياط الوجوبي فيكون الحكم هو أنَّ الاحوط وجوباً أن لا تكون الجهالة في الشرط موجبةً للغرر، وأما إذا بنى الفقيه على صحة هذا الخبر وكانت دلالته تامة فسوف يفتي على طبقه.

وأما بالنسبة إلى دلالته:- فهناك احتمالان في معنى كلمة الغرر، فإنها تستعمل بمعنيين:-

الأول:- الغرر بمعنى الخديعة، ومنه قوله تعالى:- ﴿ فدلّاهما بغرور ﴾ أي دلاهما بخديعةٍ أي خدعهما.

الثاني:- الغرر بمعنى المخاطرة، كبيع أو شراء السمك في الماء فهذا مخاطرةٌ بالمال، لأنه من قال أنك تستطيع أن تخرجه الماء إذ لعله يهرب ولا تتمكن من الحصول عليه.

وحيث يحتمل أنَّ المقصود من الغرر هو الخديعة فإنَّ حديث ( نهى النبي عن بيع الغرر ) كما يلتئم مع المخاطرة بالمال الذي هو محل كلامنا والذي نستفيد منه يلتئم أيضاً مع الخديعة فيكون آنذاك دالاً على حكمٍ تكليفي وهو أنَّ خديعة البائع للمشتري في البيع محرّمة وبذلك يكون أجنبياً عن شرطية صحة البيع بعدم الغرر، وعليه فسوف يصير الحديث مجملاً من هذه الناحية.

إن قلت:- لماذا لا نقول سوف يحصل عندنا علمٌ اجمالي إما بهذا المعنى أو بذاك المعنى وحيث إنَّ العلم الاجمالي منجّز فسوف ينجّز حرمة بيع الشيء مع وجود الغرر والجهالة فيثبت بذلك المطلوب؟

قلت:- إنَّ هذا وجيه إذا كان كلا الطرفين محرّماً بالحرمة التكليفية فإنَّ العلم الاجمالي ينجّز التكاليف، فإذا كانت الحرمة التكليفية ثابتة على كلا التقديرين فسوف تثبت الحرمة التكليفية، ولكن من المعلوم أنَّ الحرمة التكليفة ثابتة على تقدير كون المراد من الغرر هو الخديعة لأنَّ خديعة المؤمن من المحرّمات بالحرمة التكليفية بلا إشكال، وأما إذا كان المقصود من الغرر هو المخاطرة بالمال فهذا ليس بمحرّم تكليفاً بل أقصى ما فيه أنه باطلٌ والعلم الاجمالي إنما يكون منجّزاً فيما إذا كان كلا الطرفين قد ثبتت فيه الحرمة التكليفية، أما إذا فرض أنه إن كان هذا هو الثابت فهناك حرمة تكليفية وإن كان الثابت هو ذاك فلا توجد حرمة تكليفية فلا يكون هذا العلم الاجمالي منجّزاً حينئذٍ فإنَّ المخاطرة بالمال ليست من المحرّمات الكليفية.

ومن خلال هذا اتضح أنَّ المستند لو كان هو حديث نفي الغرر فالفتوى بشرطية عدم الغرر وبالتالي بطلان المعاملة يصير مبنياً على الاحتياط الوجوبي وليس على مستوى الفتوى؛ إذ لم يثبت كون المقصود من الغرر هو المخاطرة بالمال بل لعل المقصود هو الخديعة فتثبت الحرمة التكليفية لا أكثر، إلا على طريقة صاحب الجواهر(قده) وغيره من الاعلام الذين يقولون بأنَّ المشهور بين الأعلام هو أنَّ المقصود من الغرر المخاطرة فإنَّ حصل لك الاطمئنان بهذا فبها وإلا فلا.

نعم توجد رواية قد يستفاد منها أنَّ الشرط يلزم أن يكون معلوماً[3] :- وهي ما رواه الشيخ الطوسي بسنده عن الحسين بن سعيد عن صفوان عن ابن مسكان عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( أنه قال في رجلٍ اشترى من رجلٍ طعامًا عدلاً بكيلٍ معلوم وأن صاحبه قال للمشتري ابتع مني هذا العدل الآخر بغير كيل ف،َّ فيه مثل ما في الآخر الذي ابتعتَ، قال:- لا يصلح إلا بكيل. وقال:- وما كان من طعام سميت فيه كيلاً فإنه لا يصلح مجازفةً هذا مما يكره[4] من بيع الطعام)[5] .

أما سندها:- فطريق الشيخ الطوسي إلى الحسين بن سعيد معتبر، فإنه ذكر في مشيخة التهذيب - أو الفهرست - عدّة طرق إلى الحسين بن سعيد بعضها معتبرٌ جزماً، وأما صفوان فهو ثقة، وأما ابن مسكان فهو عبد الله بن مسكان الثقة، وأما الحلبي فهو ثقة أيضاً حيث ذكر النجاشي أنَّ ( الحلبيون بيتٌ في الكوفة كلّهم ثقات ).

وأما دلالتها:- فهي تامة أيضاً.

ولكن نقول:- إنها واردة في العوضين ونحن كلامنا في الشرط فلا يمكن أن نستفيد منها في موردنا، اللهم إلا أن يقال إنه لا فرق من هذه الناحية، إذ مادام يلزم في العوض أن يكون معلوماً فكذا الحال في الشرط.

والخلاصة من كل ما ذكرنا:- إنَّ الجهالة في الشرط إذا كانت مؤدّيةً إلى الغرر فهي قادحةٌ على الاحوط وجوباً.


[3] وبهذا يكون ما يطرح كمستندٍ في المقام ثلاثة وهي الاجماع وحديث نفي الغرر وهذه الرواية.
[4] معنى يكره هنا أي لا يجوز وليسي بمعنى المصطلح الفقهي الموجود عندنا الآن.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo