< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

44/04/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 159 ) كيفية أخذ الأرش- الخيار السابع ( خيار العيب) - الفصل الرابع ( الخيارات).

 

أما بالنسبة إلى الحكم الأول:- فالوجه فيه واضح:-

أولاً:- باعتبار أنَّ الثمن لا يساوي القيمة السوقية دائماً بل ربما يكون أقل منها بكثير، فإذا كان المدار على القيمة السوقية فربما يكون الأرش مساوياً للثمن فيأخذ المشتري المبيع مع كل الثمن وهذا واضح البطلان، فلأجل أنَّ الثمن لا يعادل القيمة فالمدار حينئذٍ يكون على ملاحظة النسبة بين القيمتين ولا معنى لملاحظة نفس الثمن، وهذه قضية عقلائية.

ثانياً:- وجود بعض الروايات التي ربما قد يستفاد منها كون المدار على ملاحظة النسبة بين القيمتين وليس على ملاحظة ثمن الصحيح والمعيب، وذلك من قبيل ما وراه عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال:- ( سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:- أيما رجل اشترى جاريةً فوقع عليها فوجد بها عيباً لم يردّها وردّ البائع عليه قيمة العيب )[1] ، والشاهد أنَّ الامام عليه السلام قال في بيان الأرش:- ( وردّ البائع عليه قيمة العيب ) فليس المقصود من قيمة العيب هو القيمة الواقعية السوقية من دون ملاحظة النسبة، لأنه لو كان الأمر كذلك فلعله سوف يأخذ المشتري الجارية وثمنها بالكامل كما ذكرنا وهذا غير محتمل وعليه فلابد من ملاحظة النسبة، فالمقصود من قوله عليه السلام:- ( وردّ البائع عليه قيمة العيب ) يعني بعد ملاحظة النسبة بالشكل الذي أوضحناه.

ونحو ذلك ما رواه محمد بن ميسر عن أبي عبد الله عليه السلام في نفس الباب[2] .

وأوضح من ذلك معتبرة ابن سنان، وهي ما رواه محمد بن يعقوب عن عدَّة من أصحابنا عن سهل بن زياد وأحد بن محمد جميعاً عن ابن محبوب عن ابن سنان[3] عن أبي عبد الله عليه السلام في حديثٍ قال:- ( قال علي عليه السلام:- لا تردّ التي ليست بحبلى إذا وطأها صاحبها ويوضع عنها من ثمنها بقدر عيبٍ إن كان فيها )[4] ، وهذ المعتبرة أحسن من الرواية الأولى لأنَّها قالت:- ( ويوضع عنه من ثمنها بقدر عيبٍ إن كان فيها ) أي يوضع من الثمن بمقدار العيب، أي تلاحظ النسبة بين قيمة الصحيح وقيمة المعيب ويوضع من الثمن بتلك النسبة. ونحو ذلك معتبرة أبان[5] .

وبناءً على هذا يأتي سؤال:- وهو أنه بعد أن عرفنا أنَّ الأرش هو جزءٌ من الثمن هل يلزم أن يدفع البائع الأرش من نفس الثمن أو يجوز له الدفع مما يماثله، وهل من حق المشتري إلزام البائع بالدفع من نفس الثمن؟

والجواب:- المناسب أنه يعطيه من نفس الثمن، والوجه في ذلك هو أنَّ الرواية قالت:- ( ويوضع عنه من ثمنها ) وظاهره أنه يرجع له الأرش من نفس الثمن.

وبقطع النظر عن هذا يمكن أن يقال:- إنَّ الثمن الذي دفعه المشتري مقابل المبيع لم ينتقل بتمامه إلى البائع وإنما بقي جزء منه للمشتري - وهو مقدار الأرش - فعلى البائع ارجاع ذلك الجزء من الثمن بنفسه أما جواز ارجاع البديل فيحتاج إلى دليل، وهذا هو مقتضى القاعدة.

وأما بالنسبة إلى الحكم الثاني:- فالوجه في ذلك واضح أيضاً، فإنَّ أهل الخبرة هم الذين يعرفون قيمة الصحيح والمعيب، وعليه فلابد من الرجوع إليهم لأنَّ هذه القضية حدسية وليست حسّية.

وقد تسأل وتقول:- هل يكفي الواحد من أهل الخبرة أو يلزم التعدد؟

والجواب:- ذهب السيد الحكيم(قده) في منهاجه القديم إلى اعتبار التعدد.

بيد أنه يمكن أن يقال:- تكفي شهادة الواحد منهم فإنَّ السيرة العقلائية في تحديد قيم الأشياء قد جرت على الاكتفاء بالواحد إذا كان خبيراً بدرجةٍ عاليةٍ والمفروض أنه ثقة، ولو كان يعتبر التعدّد لكان من اللازم ورود نصٍّ يدل على ذلك، وحيث إنه مفقودٌ فيكفينا ما جرت عليه السيرة بعد فرض أنه لم يردع عنها، والخروج عن هذه السيرة في أيّ موردٍ من الموارد يحتاج إلى دليل كما في رؤية الهلال ففيها قد دلَّ الدليل الخاص،كما توجد موارد أخرى، أما في تحديد قيم الصحيح والمعيب من الأشياء فلا يوجد نصٌّ يخالف ما جرت عليه السيرة فنأخذ بما جرت عليه السيرة.

وأما بالنسبة إلى الحكم الثالث:- فقد جاء في عبارة المتن:- ( يعتبر الأمانة والوثاقة )، وكان المناسب حدف لفظ ( الأمانة ) لأنَّها نفس الوثاقة، فذكرها بعد الوثاقة قد يكون موهماً، فمطلق الثقة يكفي بشهادة السيرة العقلائية.

وهل يعتبر الوثوق اضافةً إلى كونه ثقة؟ وبتعبيرٍ آخر:- قد نذهب إلى شخصٍ ثقةٍ وهو يعرف تحديد قيمة الأشياء وطلبنا منه تحديد قيمة الشيء المعيّن فحدّده بشكلٍ لم يحصل لنا وثوق بذلك وإنما حصل عندنا تردّد فهل يعتبر في قبول شهادة الثقة مضافاً إلى كونه ثقة حصول الوثوق من شهادته أو لا يعتبر ذلك؟ وهذا كلام سيّال لا يختص بهذا المورد وإنما يعم بقية موارد شهادة الثقة.

والجواب:- المناسب كفاية الوثاقة من دون الحاجة إلى الوثوق لقضاء السيرة العقلائية غير المردوع عنها بذلك، ولو شكك شخصٌ في انعقاد السيرة فلابد من اعتبار الوثوق مضافاً إلى الوثاقة، أما إذا جزمنا بأنَّ السيرة جارية على ذلك فلا حاجة حينئذٍ إلى الوثوق.

ومن الغريب اعتبار السيد الحكيم(قده) في منهاجه القديم العدالة والتعدّد.

ونحن أجبنا عن ذلك وقلنا لا يشترط التعدّد للسيرة العقلائية بل يكفي الواحد، أما اشتراط العدالة فهذا غريب، لأنه بعدما كان الشخص ثقةً فلا حاجة حينئذٍ الى اعتبار العدالة.

فإذاً مقتضى السيرة العقلائية كفاية الوثاقة من دون حاجةٍ إلى العدالة، بل يكفي الواحد من دون حاجةٍ إلى التعدّد.


[3] ابن سنان هو عبد الله بن سنان.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo