< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/02/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 87 ) يشترط في البيع أن لا يكون غررياً - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

وهل يشترط معلومية الثمن وهل يشترط معلومية المثمن: - فهذان بحثان، وهل ندمج بينهما أو نبحث كل واحد منهما على حدة؟

والجواب: - فصل البعض بينهما، كما صنع الشيخ الأنصاري(قده) والمحقق في الشرائع(قده)، لكن دمج البعض بينهما.

أما نحن فنقول:- إنَّ الأدلة التي سوف نذكرها على اعتبارية العوضين ثلاثة وهي الاجماع وقول، وما وري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( نهى النبي عن بيع الغرر )، والروايات، وإذا لاحظنا الدليل الأول والثاني وجدناهما يشتركان بين الثمن والمثمن، فكما يدلان على اعتبار معلومة الثمن يدلان على اعتبار معلومية المثمن أيضاً، وإذا نظرنا إلى الروايات وجدنا أنَّ بعضها وارد في الثمن وبعضها الآخر وارد في المثمن، فعلى هذا الأساس من المناسب أن نبحث عن الاجماع بلحاظ الثمن والمثمن، وعن ( نهى النبي عن بيع الغرر ) لأنَّ هذا عام أيضاً، ثم إلى وصلنا إلى الروايات فنفصل ونقول إنه يوجد عندنا دليل خاص على اعتبار معلومية الثمن ونذكر الروايات الخاصة به، ثم نقول يوجد دليل خاص على معلومية المثمن ونذكر الروايات الخاصة به.

أما الدليلين المشتركين: -

الدليل الأول: - الاجماع، وقد ادعى الاجماع على اعتبار معلومية العوضين ثمناً ومثمناً أربعة من الأعلام، وقد نقل الشيخ الأعظم( قده) في المكاسب هذا الاجماع عن هؤلاء الأربعة من دون مناقشة[1] [2] ، وهم العلامة في التذكرة[3] والخلاف[4] والغنية[5] السرائر[6] .

وتوجد عندنا مناقشتان: -

الأولى: - إنه يوجد ثلاثة من قدماء الأصحاب قد خالفوا هذا الاجماع، منهم السيد المرتضى(قده) في الناصريات حيث قال جده لأمه - الناصر - :- ( معرفة مقدار راس المال شرط في صحة السلم )، وعلَّق السيد المرتضى وقال:- ( ما أعرف لأصحابنا إلى الآن نصاً في هذه المسألة إلا أنه يقوى في نفسي أن رأس مال السلم إذا كان معلوماً بالمشاهدة مضبوطاً بالمعاينة لم يفتقر إلى ذكر صفاته ومبلغ وزنه وعدده )[7] ، وهذا هو بيع الجزاف، كما لو رأى مقداراً من المبيع بالمعاينة من دون زون وهو يشتريه وهذه مخالفة من السيد المرتضى(قده) في هذه المسألة، ولو قلت إنَّ هذا في باب السلم قلنا إنه إذا قبله في باب السلم فيقبله في غيره إذ لا فرق بين السلم وغيره.

ومن المخالفين أيضاً الشيخ الطوسي في المبسوط حيث قال:- ( إذا باع شيئاً بثمن جزافاً جاز إذا كان معلوماً مشاهداً وإن لم يعلم وزنه )[8] ، وقال أيضاً:- ( إذا قال بعتك هذه الصبرة بعشرة دراهم صح البيع لأنَّ الصبرة مشاهدة ومشاهدة المبيع تغني عن معرفة مقداره )[9] .

أما الاسكافي(قده) فقد جوز البيع بالمشاهدة جزافاً بجزاف بشرط المغايرة للجنس وقد نقل ذلك عنه صاحب الجواهر(قده)[10] .

إذاً اتضح أنَّ دعوى الاجماع على اعتبار معلومية العوضين شيء لا يخلو من تأمل من حيث الصغرى، لأنَّ الاجماع لم يثبت لوجود المخالف، ولكن مثل الشيخ الأنصاري لا يصح أن ينقل الاجماع من دون أن ينقل المخالف له.

ومن جملة من خالف في المسألة المقدس الأردبيلي(قده) حيث قال:- ( اعتبارهما فيهما هو المشهور بينهم ولكن ما رأيت له دليلاً صالحاً )[11] وقال أيضاً:- ( كأنه لذلك قال البعض بجواز بيع المكيل والموزون بدونهما مع المشاهدة ويمكن القول به مع الكراهة )[12] ، فهو يظهر من الميل أو التبني لذلك.

ولكن قد يقال: - إنَّ المقدس الأردبيلي من المتأخرين فتكون مخالفته غير مؤثرة لأنه مسبوق بالاجماع.

الثانية: - إنه مع التنزل والقول بوجود الاجماع مع عدم المخالفة ولكن نقول إنَّ هذا الاجماع محتمل المدرك، لأنه يحتمل أنه استند إلى حديث نفي الغرر أو إلى الروايات الخاصة ومع احتمال مدركيته فلا حجية له.

إذاً الاجماع لا يمكن الاستناد إليه كدليل في المسألة على اعتبار ضبط العوضين بالكيل أو الوزن، نعم يستعان به كمؤيد، يعني توجد عندك روايات والاجماع يصير مؤيداً أما جعله دليلاً مستقلاً فهذا يصعب حسب الموازين العلمية.

الدليل الثاني: - وهو أيضاً مشترك بين لزوم ضبط العوض والمعوض، وهو حديث ( نهى النبي عن بيع الغرر )، والغرر يعني غير المضبوط كيله أو وزنه، وهذا الحديث دلالته واضحة فإنَّ ( نهى ) ظاهرة في الإلزام، لكن الكلام في سند هذا الحديث المعروف وهل هو تام أو لا، وقد نقل صاحب الوسائل(قده) سنده في مكانٍ واحدٍ عن الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام، قال صاحب الوسائل(قده) نقلاً عن عيون أخبار الرضا:- ( وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن بيع المضطر وعن بيع الغرر)[13] ، وإذا رجعنا إلى كتاب عيون أخبار الرضا وجدنا أنَّ هذا الحديث مروي عن الحسين عليه السلام حيث قال:- ( خطبنا أمير المؤمنين عليه السلام فقال:- سيأتي على الناس زمان عضوض يعض المؤمن على ما في يده ولم يؤمن بذلك ........ وسيأتي زمان يقدم فيه على الأشرار وينسى فيه الأخيار ويبايع المضطر وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن بيع المضطر وعن بيع الغرر )[14] ،[15] وقد نقل الامام الرضا عليه السلام هذا الحديث عن أبيه عن أجداده عن الحسين عليهم السلام فيكون من أخباره ولذلك ذكره الصدوق من أخبار الرضا عليه السلام، وقد ذكر الشيخ الصدوق هذا الحديث ومجموعة أحاديث أخرى بأسانيد ثلاثة أو أكثر ولكن هذه الأسانيد فيها مجاهيل فلذلك يصير الخبر محلاً للتأمل من حيث السند ، اللهم إلا إذا كان ذوق الشخص كذوق صاحب الجواهر(قده) حيث قال:- ( المشهور المعتبر المتلقى بالقبول بل إنه قد اجمع عليه المؤالف والمخالف القائل بحجية الخبر واحد وغيره كالسيد المرتضى وابني زهرة إدريس بل رد به كثير من الأخبار المسندة المروية من طرق الأصحاب )[16] ، وإذا ثبت ما قاله فلا بأس به، وعلى منوالها طريقة الشيخ الأعظم(قده) حيث قال:- ( واشتهار الخبر بين الخاصة والعامة يجبر إرساله )[17] ، ولكن نقول:- إنَّ السند مذكور وليس مرسلاً، فكان من المناسب للشيخ الأنصاري(قده) أن يقول إنه يمكن أن يجبر ضعف سنده من جهة المجاهيل.

فإذا كان الشخص ذوقه كذوق الشيخ الأعظم وصاحب الوسائل فسوف يكون أمره سهل ولا مشكلة، فالمدار على حصول الوثوق، فإن حصل وثوق للفقيه فبها، وإلا فالاستناد إليه يكون على مستوى التأييد لا أكثر.


[5] الغنية، الحلبي، أبو الصلاح، ج1، ص211.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo