< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/02/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 86 ) حكم الحقوق بأقسامها الثلاثة - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

ويمكن أن يعلَّق ويقال: -

أما بالنسبة إلى ما ذكره في من سبق إلى المسجد لا يقال هو مسلط ومالك للفضاء والهواء وغير ذلك، فهذا صحيح ولكن يمكن أن نقول:- نعم لا يصدق الملك بمعناه التام ونحن نسلّم بهذا، ولكن الكلام في الملك بمعناه الناقص، فالملك الناقص يعني ما تترتب عليه بعض الآثار والملك التام ما تترتب عليه كل آثار الملك، فمن سبق إلى المسجد له بعض آثار الملك، فلا يتمكن أحد أن يزاحمه، كما يمكنه أن يتنازل عن مكانه بعوض أو من دون عوض، وهذا من آثار الملك، فحينما يقال الحق سلطنة وملك ولكنه ناقص يعني أنَّ له بعض آثار الملك في مقابل الملك التام الذي تترتب عليه جميع الآثار، فإذاً ليس المدّعى أنَّ الحق هو ملك بمرتبته العالية، بل بمرتبته الدانية، فهو ملك ضعيف وهو الذي قال عنه الشيخ النائيني(قده) حسب تعبير بعض الأساطين أنه ملكية غير ناضجة، فتترتب عليه بعض الآثار، وبعض هذه الآثار مترتبة، فمن سبق إلى مكان في المسجد يكون مالكاً بهذا المعنى، وأما بالنسبة إلى الكبير المحجور عليه لسفه أو لغير ذلك إذا جلس في الشارع مثلاً وأخذ يبيع بعض الأشياء فهنا لا يجوز لشخصٍ آخر أن يزاحمه في مكانه.

وهنا قال السيد الخميني(قده): - إنَّ السلطة هي للولي دون الصبي، فالحق ثابت للصبي ولكن من دون سلطنة، وهذا يدل على أنَّ الحق غير السلطنة.

وجوابه: - إنَّ الطفل عنده سلطنة أيضاً ولكن بما أنه صغير جعل إعمالها بيد الولي، فإن الأب لا توجد عنده سلطنة ولكنه يُعمل السلطنة نيابة عن ولده، فالسلطنة هي للولد أما الولي فهو يعملها له، فإذاً لابد أن نفرق بين أصل ثبوت السلطة وبين إعمالها نيابةً، فأصل السلطنة ثابتة للطفل ولكن إعمالها ثابت للولي.

الدليل الثاني: - إنه قد ثبتت السلطنة أحياناً من دون يثبت الحق، وهذا عن دل على شيء فإنما يدل على أنَّ الحق شيء مغاير للسلطنة، إذ السلطنة ثابتة ولكن الحق ليس بثابت وهو دليل المغايرة، وذلك في قاعدة ( الناس مسلطون على أنفسهم )، فالسلطنة ثابت لكل إنسان على نفسه ولكن هل يوجد حق فهل يقال إنَّ لي الحق على نفسي فإنَّ هذا مضحك للثكلى، نعم أنا مسلَّط على نفسي أما حق على نفسي أو ملك فلا، فهذا يدل على أنَّ السلطنة شيء مغاير للحق لا أنهما متحدان، خلافاً لما ذكره الشيخ النائيني(قده).

وفيه: -

أولاً: - ليس المدعى أنَّ كل سلطنة هي حق بل المدعى أن كل حق هو سلطنة، فكلامنا هو في هذا، فكلامنا ما هو الحق وانه نحو من السلطنة الناقصة لا الكاملة، لا أن السلطنة هي حق فلا أحد يقول بأنَّ السلطنة هي حق، وما ذكره هو صالح للرد على من يدّعي أنَّ السلطنة هي حق فهنا يأتي الكلام بأنَّ ( الناس مسلطون على أنفسهم ) هو أثبت السلطنة على النفس ولكن من دون أن يثبت الحق على النفس فإنه لا معنى له، ولكن المدَّعى ليس هذا وإنما المدّعى هو أنَّ الشيخ النائيني(قده) يقول إنَّ الحق عبارة عن سلطنة وملكية ضعيفة، لا أنَّ السلطنة هي حق حتى يرد ما أفاده السيد الخميني(قده)

ثانياً: - إنَّ حديث وقاعدة ( الناس مسلطون على أنفسهم ) يمكن أن نقول إنه لا يريد أن يثبت السلطنة بالمعنى الحقيقي للسلطنة وإنما مقصود القاعدة شيء آخر وهو الجواز التكليفي، يعني كل إنسان يجوز أن يتصرف في نفسه، فيستطيع أن يقوم ويقعد ويسافر وغير ذلك ولا يحق لأحد أن يمنعه، فيجوز للإنسان أن يتصرف في نفسه ما يشاء في دائرة الأمور المباحة، ففي دائرة الأمور المباحة يراد أن يقال يجوز للإنسان أن يتصرف في نفسه ما يشاء، ولا يراد أن يقال أنه مسلطة بمعنى السلطنة الحقيقية، وإنما هذا تعبير مجازي يراد به الجواز التكليفي.

إن قلت: - ما هو الدليل على ذلك؟

قلت: - إنَّ بعض الأمور لا تثبت بالدليل وإنما تحتاج إلى ذوق، فأنت حينما أقول الناس مسلطون على أنفسهم تفهم أنه ليس تلك السلطنة الحقيقية - يعني أنا مسلط وأنا مسلط عليه - كلا، بل يجوز لك أن تتصرف بنفسك ما تحب، ولا أقل هذا محتمل، فبطل الاستدلال بهذا الحديث، لأنه بهذا صار مجملاً.

الدليل الثالث: - إنَّ الملك إضافة بين المالك والشيء المملوك، فأنا مالك لهذه الورقة والورقة هي الشيء المملوك، فإذاً الملك هو نسبة بين المالك والمملوك ولا يوجد في الوسط مملوك عليه، وهذا بخلافه في الحق فيوجد من له الحق ومن عليه الحق فالوالد له حق الاطاعة على ولده والولد عليه حق الاطاعة للوالد فالوالد من له الحق والولد من عليه الحق، إذاً تصورنا في الحق من له الحق من عليه الحق أما في الملك فلا يوجد ذلك، وهذه المغايرة بهذا الشكل تدل على أن الحق ليس ملكاً، إذ لو كان ملكاً لكسب خصائص الملك فإنَّ الملك هو نسبة بين المالك وبين الشيء المملوك عليه دون المملوك عليه بينما في الحق فتوجد نسبة بين من له الحق ومن عليه الحق وهذا دليل التغاير.

ويرده: -

أولاً: - ليس المدعى أن يوجد اتحاد تام ومن كل الجهات بين الحق والملك حتى يكتسب الحق جميع خصائص الملك، وإنما المدّعى هو أنه من حيث الروح الحق يقارب الملك ولكن بدجة ناقصة، فالاتحاد هو من حيث الروح المعنى وليس اتحاداً من حيث كل الخصائص حتى نقول بأنه يلزم أن يكتسب الحق خصائص الملك إذا كان ملكاً وعدم اكتسابه يدل على المغايرة، كلا فليس المقصود هو الاتحاد من كل الجهاد بل الاتحاد في واقع المعنى والمضمون في الجملة.

ثانياً: - إنه ذكر أن الملك متقوماً بالمالك والشيء المملوك أما من عليه الملك فلا يوجد، ولكن نقول إنه في الملك أحياناً يصير مالكاً وايضاً يصير مملوك عليه، فبطل هذا الدليل، كما في الأجير كعامل البناء فإنه يملك الأجرة في ذمته من استأجره والمستأجر مملوك عليه الأجرة، وكذلك العكس فالمستأجر هو مالك للعمل والأجير مملوك عليه العمل، فإذاً في الملك أيضاً يمكن أن نتصور المالك والمملوك عليه.

الدليل الرابع: - إنَّ العقل أو العقلاء يقولون إنَّ للمطيع على الله عزّ وجلّ حق الثواب، ولا يقال إنَّ للمكلف المطيع ملك الثواب أو سلطنة الثواب على الله عزّ وجلّ وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أنَّ الحق شيء يغاير الملك والسلطنة.

وفي مقام الجواب نقول: - إنَّ هذا الكلام ليس كلاماً لغوياً وادبياً أو غير ذلك وإنما هو حكم عقلي فإنَّ العقل يحكم دائماً بأن المطيع له ثواب على الله عزّ وجل كلمة حق جاء بها ولم يقصد منها الحق بالمعنى الاعتباري وإنما بالمعنى العقلي، فليس المقصود من كلمة ( حق ) حينما أتى بها يراد بها الحق الذي هو محل نزاعنا، وإنما كلامنا في وادٍ وهذا المثال في وادٍ آخر، فهذا التعبير الذي نذكره هو حكم العقل ولكنه يصاغ بهذا اللفظ، فالعقل يحكم بأنَّ المطيع له على الله عزّ وجل الثواب، فلا يراد بكلمة الحق معناها الاعتباري الذي نتكلم عنه وإنما المقصود ما أشرنا إليه من حكم العقل.

فإذاً لا يمكن أن نستكشف من تعبير ( حق ) - حيث يعبَّر بـ( حق ) ولا يصح أن يعبَّر بـ( ملك ) - أن نستكشف المغايرة بين الحق وبين الملك، وإنما يصح هذا فيما إذا كان الاستعمال في تعابير لغوية عربية بذاك المستوى لا في حكم عقلي ولكنه صيغ بهذه الصياغة، ولذلك قلنا إنه يمكن أن نحذف كلمة ( حق ) ونقول ( إنَّ للمطيع الثواب على الله عزَّ وجل )، فكلمة حق جيء بها ولكن يمكن الاستغناء عنها لا أنها مستعملة بذلك المعنى الذي هو محل النزاع، فلا يمكن أن نستكشف من صحة استعمال كلمة ( حق ) وعدم صحة استعمال ( ملك ) أو ( سلطنة ) أنَّ بينهما مغايرة.

وبهذا نختم كلامنا عن هذه المسألة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo