< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/02/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 86 ) حكم الحقوق بأقسامها الثلاثة - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

ولأجل أن يتضح الحال نذكر ثلاثة أمور كي تساعدنا في انتخاب أحد الاحتمالات الثلاثة المتقدمة: -

الأمر أولاً: - إنَّ كون صفة الملك صفة انتزاعية شيء بعيد، لأنها إذا كانت انتزاعية فهي منتزعة من الحكم الشرعي - من جواز التصرف وعدم جواز التصرف وجواز البيع وعدم جواز البيع - والحال أننا نرى أنَّ صفة الملك تقع موضوعاً للحكم الشرعي بجواز التصرف وعدمه، فنقول مثلاً يجوز للمالك أن يتصرف في ملكه ولا يجوز لغير المالك أن يتصرف في غير ملكه، فهذه تعابير صحيحة وأحكام شرعية مقبولة، فلو كانت صفة الملك منتزعة من جواز التصرف وعدم جواز التصرف كيف تقع موضوعاً للحكم بجواز التصرف وعدم جواز التصرف، فكيف يصير جواز التصرف لها شرعا ًحكماً لها وأنَّ المالك يجوز له التصرف وغير المالك لا يجوز له التصرف، فوقوع الملكية - أو صفة المالك - موضوعاً للحكم بجواز التصرف وعدم جواز التصرف يدل على أنَّ هذه الصفة ليست منتزعة من الحكم بجواز التصرف، وإلا كيف يكون حكماً لها وهي منتزعة منه فإنَّ هذا غير ممكن.

إذاً من خلال هذا اتضح لنا وهن الاحتمال الثالث، وهو أن تكون صفة الملك أو الملكية منتزعة من الحكم بجواز تصرف المالك وعدم جواز تصرف غير المالك، بل هي ليست منتزعة من ذلك وإلا لما وقعت موضوعاً للحكم بجواز التصرف وعدم جوازه، وهذا منبه، وجداني على أنَّ الملكية ليست منتزعة من الحكم بالتصرف أو عدم جواز تصرف غير المالك، وبذلك سوف نحذف الاحتمال الثالث.

الأمر الثاني: - إنَّ الاحتمال الأول الذي كان يقول إنَّ صفة الملك هي عرض من الأعراض فما هو المقصود من ذلك، فهل هو عرض اعتباري أو هو عرض حقيقي؟، والعرض الحقيقي مثل السواد والبياض، يعني أنه يحسّ بإحدى الحواس الخمس، فهذا الاحتمال الأول الذي يقول إنَّ صفة الملكية التي تتحقق بعد العقد هي عرض من الأعراض فهل يقصد أنها عرض حقيقي أو أنها عرض اعتباري وما هو المناسب؟

المناسب أن يكون المقصود عرضاً حقيقياً، يعني كالبياض والسواد بأن يصير الجسم أسوداً أو أبيضاً، فهذا أيضاً عرض حقيقي وليس اعتبارياً، وإلا عاد الاحتمال الأول إلى الاحتمال الثاني ولا فرق بينهما، وبهذا يتحتّم أن يكون المقصود من الاحتمال الأول - أعني من كون الملكية عرض من الأعراض - أنها عرض حقيقي، ولم ينبّه الأعلام على ذلك ولكن مقصودهم هو هذا.

الأمر الثالث: - لعل الذي يتلاءم مع الوجدان هو أنَّ الملكية أمر اعتباري، فهي اعتبار عقلائي وليس أمراً حقيقياً، وهذا كوجدان، ولكن قد يخالفه البرهان، فلابد إذاً من التفكير في الملائمة بين البرهان وبين الوجدان ولكن هذه قضية ثانية، ولكن كوجدان حينما نقول إنَّ فلاناً مالك وذاك الشيء مملوك فهذا اعتبار عقلائي أو شرعي.

وبعد أن فرغنا هذه الأمور نتعرض إلى كلام للشيخ الاصفهاني(قده)[1] :- فقد ذكر ثلاثة وجوه تدل على أنَّ صفة الملك ليست عرضاً من الأعراض:-

الوجه الأول: - لو كانت صفة الملك عرضاً من الأعراض فلابد أن يحصل تغيراً في الشخص حينما يشتري داراً ويصير مالكاً، لأنه قد طرأ عليه عرض من الأعراض فلابد وأن يحدث فيه شيء من التغير، وكذلك لابد أن يحصل تغيراً في الشيء المملوك، والحال أنه لا يحصل أي تغير من التغيرات، وهذا منبه وجداني على أنَّ الملكية ليست من مقولة العرض التي هي من المقولات العشر.

ولو أردنا أن نصوغ هذا الوجه بصياغة ثانية لقلنا: - لو كانت الملكية عرضاً حقيقياً كسائر الأعراض الحقيقية من البياض والسواد والطول والعرض وغيرها لحصل تغير في الشخص حينما يصير مالكاً والحال أنه لم يحصل أي تغير، وهذا إن دلَّ على شيءٍ فإنما يدل على كون الملكية ليست عرضاً.

وذكر السيد الخوئي(قده)[2] :- إنه لا إشكال بأنه بعد العقد تحصل ملكية، إلا أنَّ كون هذه الملكية ليست عرضاً من الأعراض هي أول الكلام بل هي عين المتنازع فيه، ودعوى أنه لا يحصل تغير مصادرة.

وفي التعليق على ما أفاده السيد الخوئي(قده) نقول: - إنَّ المقصود من العرض ما هو، فهل هو العرض الاعتباري أو هو العرض الحقيقي؟ فإن كان المقصود هو العرض الاعتباري فقد قلنا إنه رجع إلى الاحتمال الثاني وليس شيئاً في مقابله، فإذاً لابد أن يكون المقصود هو العرض الحقيقي كالسواد والبياض، فإذا كان عرضاً حقيقياً فهذا يُحسّ بإحدى الحواس، فلماذا تقول إنَّ هذا هو عين المتنازع فيه وأنه مصادرة؟!!، فإنَّ العرض الحقيقي يحسّ بإحدى الحواس وإلا لم يكن عرضاً حقيقياً، فلا معنى لكونه عين المتنازع فيه وأنه مصادرة، كلا لأنه إذا كان عرضاً حقيقياً فسوف يدرك بإحدى الحواس والحال أنا لا نشعر به، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أنَّ صفة الملكية ليست عرضاً - أي ليست عرضاً حقيقياً كالسواد والبياض - فإذا كانت كذلك فلا يأتي كلام السيد الخوئي(قده).

فإذاً الوجه الأول الذي ذكره الشيخ الأصفهاني(قده) ينبغي أن يكون تاماً ولا ترد عليه مناقشة السيد الخوئي(قده).


[1] الحاشية على المكاسب، الشيخ الأصفهاني، ج1، ص25. تحت عنوان فائدة في تحقيق حقيقة الحكم وما يتعلق به، ط جديدة
[2] محاضرات في الفقه الجعفري، الخوئي، ج2، ص19.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo