< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/01/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 85 ) هل تعتبر المالية في العوضين؟، مألة ( 86 ) حكم الحقوق بأقسامها الثلاثة - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

هذا ولكن نسب إلى الشيخ الطوسي(قده) أنَّ البيع يتعلق بالمنافع ولا يختص بالأعيان، فيصح أن أقول لشخص بعتك خدمة عبدي.

والمناسب على طريقتنا أننا لا نقول بعتك خدمة عبدي وإنما نقول آجرتك عبدي للخدمة لمدة شهر أو شهرين مثلاً، فالخدمة لا تكون متعلقاً للبيع وإنما في باب الاجارة حينما يقال آجرتك عبدي يعني للخدمة لا أني بعتك خدمة عبدي، وهذا من الأشياء الغريبة التي نسبت إلى شيخ الطائفة، وقد ذكر هذا صاحب الحدائق عنه حيث قال:- ( المشهور بين الأصحاب أنه يشترط في العوضين أن يكونا عيناً فلا يصح بيع المنفعة خلافاً للشيخ في المبسوط حيث جوّز بيع خدمة العبد على ما نقل عنه وهو شاذ لا اعلم عليه دليلاً )[1] .

وفي ختام هذه المسألة نشير إلى قضية وهي من باب الكلام يجر الكلام وهي ليست مهمة: - وهي أنه كيف نعرّف البيع؟

وقبل الإجابة عن ذلك نقول: - ما هي الفائدة من تعريف البيع بل لابد من معرفة شرائط البيع مثل أن البيع لا يتعلق إلا بالأعيان أو أنه يحتاج إلى ثمن ومثمن وغير ذلك فإن هذا هو المهم أما الذهاب إلى التعريف فإنَّ هذه قضايا فنية ليست مهمة، بل عليك دائماً أن تغوص في لبّ المطلب وماذا يلزم فيه أما أننا نذهب إلى التعريف ونناقش هل هو صحيح أو لا فإني لا أرى أنَّ هذه قضية ليست مهمة وقضاء للوقت.

ومن جملة التعاريف التي عرّف بها البيع بأنه ( مبادلة مال بمال ) وهذا ما نقله الشيخ الأنصاري(قده) [2] ، والاشكال عليه واضح فإن هذا نفسه يأتي في الهبة والصلح وأمور أخرى فإنها أيضاً مبادلة مال بمال.

وهناك تعريف ثانٍ وهو ( انتقال عين من شخص إلى غريه بعوض مقدّر على وجه التراضي )[3] ، ويرد عليه نفس الاشكال فإنه أتي في الصلح ايضاً لأنه يحصل فيه انتقال أيضاًز

وهناك تعريف آخر وهو ( الايجاب والقبول الدالان على الانتقال )[4] ، ويرد عليه ما أورد سابقاً.

ثم جاء الشيخ الأعظم في المكاسب وعرفه وقال إن البيع هو ( إنشاء تمليك عين بمال )[5] وقد اعتنى به ودفع عنه الإشكالات، وسيأتي التعليق عليه في المسألة الآتية.

والنتيجة هي أنَّ البيع قد عرّف بتعاريف متعددة، ونحن لا نريد أن نذكر تعريفاً للبيع وأيّ تعريف هو الصحيح فإننا نرى أنَّ هذا قضاءً للوقت من دون حاجة إلى ذلك، بل عليك أن تعرف شرائط البيع وما يحتاج إليه البيع وأركان البيع أما التعريف فليس بمهم.

 

مسألة ( 85 ):- المشهور على اعتبار أنَّ المبيع والثمن مالاً يتنافس فيه العقلاء فكل ما لا يكون مالاً كبعض الحشرات لا يجوز بيعه ولا جعله ثمناً ولكن الظاهر عدم اعتبار ذلك وإن كان الاعتبار أحوط.

..........................................................................................................

ومضمون المسألة هو أنه هل يشترط في عوضي البيع المالية، فهل يشترط أن يكون العوض سواء كان ثمناً أو مثمناً مالاً؟ المشهور هو ذلك، ولكن السيد الماتن قال لا داعي إلى اعتباره وإن كان أحوط.

وقال الشيخ الأنصاري(قده): - إنَّ أحسن التعاريف ما ذكرناه فنحن نعرّف البيع بأنه ( إنشاء تمليك عين بمال ).

ولكن يرد عليه إشكالان: -

الاشكال الأول: - إنَّ التعريف قال إنَّ البيع هو ( إنشاء تمليك عين بمال ) يعني يلزم أن يكون العوض مالاً أما إذا لم يكن مالاً فلا يجوز، أما المبيع فأيضاً يشترط أن يكون مالاً أيضاً، فالاثنين لابد أن يكونا مالاً ولكنه حينما قال ( عين ) من جانب المبيع حتى يبين أنه يشترط في باب البيع التعلق بالأعيان دون المنافع والأعمال، فالإشكال الذي يرد عليه هو أنه اعتبر في العوض والمعوض أن يكون مالاً، والتعاريف السابقة اعتبرت ذلك ايضاًن والاشكال الذي يرد عليه أنه لا يلزم ذلك عرفاً، فإنه عرفاً لا يلزم في تحقق البيع مالية العوضين، فلو فرضنا أني رأيت شخصاً عنده علبة سجائر من السجائر القديمة - مثل سجائر غازي - فقلت له بعنيها فقال لي بعتكها بدينار فهل يتحقق البيع هنا رغم أن هذه العلبة قديمة جداً؟ نعم إن البيع يتحقق فإنه رغم قدم العلبة العرف يرى أنَّ هذا بيع، وكذلك الطوابع البريدية القديمة، أو رأيت عند شخص ورقة فيها خط والدي أو صورة قديمة له فقلت له بعنيها فباعها لي فإن العرف يرى أنَّ هذا بيعاً، والخلاصة هي أن واقعنا العرفي يشهد بأنه لا يلزم في تحقق البيع عرفاً أن يكون العوضان مالين والعرف ببابك، فإذا قبلت بهذا فهذا اشكال سوف يسجل على الشيخ الأنصاري وبقية التعاريف المذكورة التي أخذت في العوضي المالية، وسوف تصير النتيجة هي أنه لا يشترط في العوضين المالية وفاقاً للسيد الخوئي(قده) لأنَّ العرف يشهد بذلك كما ذكرنا من أمثلة، هذا إشكال يسجل على تعريف الشيخ الانصاري وعلى كل التعاريف.

الاشكال الثاني: - وهو يسجّل على الشيخ الأنصاري(قده) فقط، فإنَّه قال إنّ البيع هو ( إنشاء تمليك عين بمال ) والحال أنه لابد أن يقول إنَّ البيع هو ( تمليك عين بمال ) ويحذف كلمة ( إنشاء )، وإلا يلزم أن يتعلّق إنشاء البيع بالإنشاء، فـأقول ( إني أريد أن أنشيء البيع ) والبيع هو إنشاء أيضاً، فيصير المعنى (إني أريد أن أنشيء إنشاء التمليك) والإنشاء لا يتعلق بالإنشاء، ولكن هذا الأمر ليس بمهم.

فإذاً عرفنا أنَّ تعريف البيع لا داعي إليه، كما أنَّ المالية ليست معتبرة في العوضين.

مسألة ( 86 ):- الحقوق مطلقاً من قبيل الأحكام، فكما لا يصح بيعها لا يصح جعلها ثمناً، نعم في مثل حق التحجير القابلة للانتقال يجوز جعل متعلَّق الحق بما هو كذلك ثمناً. ويجوز جعل شيء بإزاء رفع اليد عن الحق حتى فيما إذا لم يكن قابلاً للانتقال وكان قابلاً للإسقاط، كما يجوز جعل الاسقاط ثمناً بأن يملك البائع عليه العمل فيجب عليه الاسقاط بعد البي

..........................................................................................................

تتضمن المسألة أربعة أحكام: -

الحكم الأول: - حقوق على ثلاثة انحاء، الأول حق لا يقبل الاسقاط ولا النقل بعوض أو من دون عوض من قبيل حق الحضانة للأم فإن الأم لها حق حضانة الطفل وكذلك الأب له حق الولاية على الطفل فإنَّ هذه الحقوق غير قابلة للإسقاط ولا النقل إلى الآخر، الثاني ما يقبل الاسقاط والنقل كحق التحجير كما لو حجّر شخص مكاناً فهو أولى به ولكن يمكنه أن يسقطه كما لو كان بانياً جداراً على الأرض وحجرها ولكنه رفع هذا الجدار وأسقط حقة في التحجير لهذه الأرض أو نقل حقه إلى صديقه مثلاً، الثالث ما لا يقبل النقل ولكن يقبل الاسقاط مثل الخيار فإن اسقاطه ممكن ولكن لا يمكن نقله إلى الغير، أو مثل حق الشفعة فإنَّ اسقاطه ممكن ولكن لا يمكن نقله إلى الآخر.

فالحكم الأول الذي تشتمل عليه هذه المسألة هو أنَّ حقيقة الحق ما هي؟

وقع الكلام بين الفقهاء في ذلك، فهل الحق هو حكم شرعي لا أكثر وعليه فسوف يصير حكماً شرعياً ولا يصير عندنا حق أو أنه سلطنة خاصة مغايرة للحكم، وفي هذا قيل وقال، وربما ألّف بعضهم رسالة في الفرق بين الحق والحكم، وقال السيد الخوئي(قده) إنَّ الحق هو حكم، وهو كما قلنا على أقسام ثلاثة، وقد أشار إلى ذلك بقوله ( الحقوق مطلقاً[6] من قبيل الأحكام )، وإذا صارت حكماً فسوف يترتب على ذلك ما سيأتي في النقطة الثانية، وهي أنه كما لا يصح بيعها لا يصح جعلها ثمناً لأنها حكم والحكم لا يجعل ثمناً ولا مثمناً.


[6] أي باقسامها الثلاثة التي أوضحناها.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo