< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

42/01/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الفصل الثالث (شروط العوضين ).

الفصل الثالث: - شروط العوضين.يشترط في المبيع أن يكون عيناً سواء أكان موجوداً في الخارج أم في الذمة وساء كانت الذمة ذمة البائع أو غيره كما إذا كان له مال في ذمة غيره فباعه لشخص ثالث، فلا يجوز بيع المنفعة كمنفعة الدار ولا بيع العمل كخياطة الثوب وأما الثمن فيجوز أن يكون عيناً أو منفعة أو عملاً.

..........................................................................................................

يقع الكلام في الفصل الثالث، وقد عقد (قده) فيما سبق فصلين، الفصل الأول في شرائط العقد، والفصل الثاني في شراط المتعاقدين، وهذا الفصل الثالث هو في شرائط العوضين، أما الفصل الأول فقد بيّن فيه الفرق بين حقيقة البيع وحقيقة الشراء وبعد أن بين الفرق بينهما ذكر أنه يشترط في العقد أمور كالموالاة بين الايجاب والقبول أو كالتطابق بين الايجاب والقبول وغير ذلك، وأما الفصل الثاني فقد ذكر فيه أنَّ من جملة شروط المتعاقدين العقل والبلوغ والاختيار وغير ذلك، والآن كلامنا يقع في الفصل الثالث وهو شرائط العوضين، يعني ماذا يشترط في المبيع والثمن؟ وقد ذكر أنه يشترط في المبيع شرط وهو أن يكون المبيع عيناً مثل الكتاب أو السيارة أو الدار أما إذا كان منفعة أو عملاً فلا فإنَّ البيع لا يتعلّق بالعمل أو المنفعة وإنما يتعلّق بالعين فقط، وأما الحق فهل يتعلق به البيع؟ إنه لم يتعرض إليه هنا ولكن سيأتي في مسألة ( 86 ) إن شاء الله تعالى.

وهنا سؤال: - هل يلزم أن تكون العين خارجية كسيارة أو كتاب موجود في الخارج؟

والجواب:- كلا، بل يكفي أن تكون العين ثابتة في الذمة، بأن أقول بعتك سيارةً بالمواصفات الكذائية - وهذا يسمى ببيع الكلي - فهذا يكفي أيضاً، والذمة تارة تكون ذمة البائع وأخرى تكون في ذمة المشتري، كما لو كنت أطلبه سيارة بهذه المواصفات كما لو أتلف عليَّ سيارتي فاستقرت في ذمته سيارة بهذه المواصفات فأبيع سيارتي هذه التي هي في ذمته بكذا مقدار من الثمن فهذا يصح أيضاً، أو أن تكون العين لا في ذمة البائع ولا في ذمة المشتري وإنما هي في ذمة شخص آخر كأن أطلب شخصاً سيارة في ذمته فاقو للمشتري بعتك سيارة بهذه المواصفات الثابتة في ذمة زيد بن أرقم فهذا كله يجوز.

هذا كله في المبيع.

وأما الثمن فيجوز أن يكون عيناً أو منفعة أو عملاً وأما الحق فسوف يأتي في مسألة ( 86 ) أيضاً.

فإذاً من ناحية الثمن لا توجد قيود وإنما تجوز الثلاثة، بينما البيع فلابد أن تكون عيناً فقط لا غير نعم التوسعة هي أن العين لا يلزم أن تكون في ذمة البائع بل يكفي حتى لو كانت في ذمة إنسان آخر.

وبهذا اتضح أنَّ مسألتنا هذه تشتمل على أحكام ثلاثة: -

الحكم الأول: - يلزم في المبيع أن يكون عيناً، فلا تكفي المنفعة ولا العمل.

الحكم الثاني: - يكفي في العين أن تكون ثابتة في الذمة - سواء كانت في ذمة البائع أو في ذمة المشتري أو في ذمة إنسان ثالث - ولا يلزم أن تكون العين ثابتة في الخارج.

الحكم الثالث: - يجوز أن يكون الثمن عيناً أو منفعة أو عملاً.

وقد أشار إلى الحكم الأول بقوله ( يشترط في المبيع أن يكون عيناً ) يعني لا يجوز أن يكون منفعة أو عملاًن وقد أشار إلى الحكم الثاني بقوله ( سواء أكان موجوداً في الخارج أو في الذمة وسواء أكانت الذمة ذمة البائع أم غيره .... )، وقد أشار إلى الحكم الثالث بقوله ( وأما الثمن فيجوز أن يكون عيناً أو منفعة أو عملاً ).

أما الحكم الأول:- فلا توجد آية ولا رواية تدل عليه وإنما المدرك هو العرف لأن الآية الركيمة قالت ﴿ أحل الله البيع ﴾ أما ما هو البيع فهو ليس شأن الشارع فإنَّ هذا موضوع ووظيفة الشارع المقدس هو بيان الحكم فقال ﴿ أحلَّ الله البيع ﴾ أما ما هو البيع فالناس يعرفونه، فعليك أن ترجع إلى الناس، وإذا رجعنا إلى الناس نراهم لا يطلقون البيع ولا يستعملون كلمة البيع في مورد غير العين، مثلاً لا أقول مثلاً بعت فلان كتابتي هذا اليوم أو خطابتي هذا اليوم أو تدريسي هذا اليوم فإن هذه الأمور وما شاكلها منافع وأعمال والناس لا يقبلون بكونها تباع فهم يرون أن البيع مختصاً بصورة وجود العين، فمتى ما كانت عندنا عين ككتاب أو سيارة أو قلم أو غير ذلك فهنا يصح البيع فتقول بعت الكتاب أما لو قلت بعت كتابتي للكتاب فهذا لا يقبله العرف، فإذاً يشترط في البيع أن يكون متعلقه عيناً والمدرك في ذلك ليس الكتاب والسنة وإنما هو العرف فإن موضوعات الأحكام يرجع فيها إلى العرف والشارع ليس من شأنه تحديد موضوعات الأحكام وإنما يوكل ذلك إلى العرف، والعرف يرى هكذا، فإن قبلت بهذا فبها ونعمت، وإلا فمع الشك والتردد في كون الأمر عرفاً كذلك أو لا فلا يجوز التمسك حينئذٍ بعموم أو اطلاق ﴿ أحل الله البيع ﴾ إذا كان المتعلق ليس عياً وإنما كان منفعة ونحن مترددون هل البيع يصدق بلحاظ المنفعة أو لا فإنه من التمسك بالعام أو بالإطلاق في الشبهة المفهومية وهو لا يجوز.

ولو قيل: - لماذا لم تقل إنه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية وإنما قلت من الشبهة المفهومية؟

قلت: - إنها قضية فنّية، فهذا من التمسك بالعام في الشبهة المفهومية دون المصداقية لأنه يكون من مورد الشبهة المصداقية إذا كان المفهوم واضحاً والمفروض هنا أن مفهوم البيع ليس بواضح عندك، لأننا فرضنا التنزّل حيث قلنا ومع التنزّل يكون مفهوم البيع مردد بين أن يكون ضيقاً يختص بالعين وبين أن يكون وسيعاً يشمل المنفعة والعمل وهذا تردد في دائرة المفهوم سعةً وضيقاً فيصير من الشبهة المفهومية وليست من الشبهة المصداقية، لأن الشبهة المصداقية هي أن يكون المفهوم مضبوط عندك بشك واضح ولكنك لا تعلم أن هذا مصداق لذلك المفهوم الواضح أو لا، بينما محل كلامنا المفروض أن المفهوم عرفاً مردد بين أن يكون البيع مختصاً بخصوص الأعيان أو يشمل المنافع والأعمال وهذا يكون تردداً في المفهوم فهنا يكون من التمسك بالعام في الشبهة المفهومية وهو لا يجوز كالتمسك بالعام في الشبهة المصداقية، وهذا من الواضحات لأنه إذا كان المفهوم مردد فيمن التمسك به في القدر المتيقن أما الزائد فلم تجرِ سيرة العقلاء على التمسك بالعموم أن نشك في انعقادها على التمسك بلحاظ ذلك.

إذاً يلزم في البيع أن يكون متعلقاً بالأعيان دون المنافع والأعمال.

أما الحكم الثاني: - فإنه يكفي أن تكون العين ثابتة في ذمة البائع أو المشتري أو شخص ثالث، والنكتة هي أنَّ العرف لا يفرق من هذه الناحية، فإنَّ العرف يقول إنَّ البيع لا يتعلق إلا بالعين أما يلزم أن تكون العين ثابتة في الخارج أو ثابتة في ذمة المشتري أو في ذمة إنسانٍ ثالث فهذا ليس مهماً للعرف، وإنما المهم للعرف هو أن يكون المبيع عيناً، فسعة المدلول العرفي للبيع من هذه الناحية موجودة فنتمسك بهذه السعة.

أما الحكم الثالث: - فيجوز أن يتعلق الاشتراء بالعين وبالمنافع وبالأعمال فإن النكتة في ذلك هي نفس النكتة، حيث أنَّ العرف لا يرى أنَّ الاشتراء يختص بالأعيان أو غير ذلك، وإنما العرف يرون جواز شراء العين كالعباءة بساعةٍ مثلاً أو مقابل تعليم سورة من القرآن الكريم أو مقابل صبغ الدار أو مقابل تنظيف السيارة، وهذه منفعة من المنافع وهذا كله مقبول عرفاً، فإنه في جانب الثمن العرف يرى السعة، فلا يلزم أن يكون الثمن عيناً بل يجوز أن يكون أحد هذه الأمور الثلاثة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo