< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

41/11/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 84 ) ولاية الحاكم الشرعي على الأطفال بعد فقد الثلاثة الأب والجد والوصي عنهما يلحق بها بحث ثبوت منصبي الإفتاء والقضاء للحاكم الشرعي ووجوب التقليد– شروط المتعاقدين.

الدليل الثاني: - روايات متعددة في هذا المجال، حيث يسأل الامام عليه السلام بأنه قد تطرأ قضية لنا ولا نعرف حكمها فماذا نصنع، فمرة الامام عليه السلام يرجع إلى شخص فيقول مثلاً لماذا لا ترجع إلى أبي بصير الأسدي مرة السائل نفسه يسأل ويقول هل يجوز لي أن ارجع على ابي بصير فيقول الامام عليه السلام نعم يجوز لك الرجوع إليه، ونقرأ منها ثلاث روايات وعلى هذا الأساس لا تحدث نفسك مرة وتقول إنه لا توجد رواية تدل على وجوب التقليد وكأن القضية منحصرة بالروايات فقط، ولو سلّمنا أن القضية منحصرة بالروايات ولكن نقول إنَّ هذه روايات تدل على ذلك فلا معنى لتشكيك:-

الرواية الأولى: - محمد بن مسعود عن محمد بن نصير عن محمد بن عيسى عن عبد العزيز بن المهتدي والحسن بن علي بن يقطين جميعاً عن الرضا عليه السلام: - ( قال:- قلت لا أكاد أصل إليك أسألك عن كل ما أحتاج إليه من معالم ديني أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه ما أحتاج إليه من معالم ديني؟ فقال:- نعم )[1] ، الرواية مأخوذة من رجال الكشي، ومحمد بن مسعود هو العياشي وكنيته أبو النظر وهو رجل ثقة، ومحمد بن نصير هو من بلدة كش أيضاً وهو ثقة ايضاً، ومحمد بن عيسى اليقطيني ثقة أيضاً وعبد العزيز بن المهتدي والحسن بن علي بن يقطين كلاهما ثقة، والكبرى في الرواية مفروغ عنها، وهي أنَّ جواز الرجوع إلى الثقة والمقصود من الثقة هنا صاحب الخبرة المطّلع على الأحكام وهو في نفس الوقت صادق لا يكذب، فيظهر أنَّ الكبرى عند السائل واضحة ولكنه يسأل عن المصداق وأنَّ هذا الشخص مصداق لتلك الكبرى أو لا فقال له الامام عليه السلام ( نعم )، فدلالة الرواية واضحة على المطلوب.

الرواية الثانية: - وعن محمد بن قولويه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن عبد الله بن محمد الحجّال عن العلاء بن رزين عن عبد الله بن أبي يعفور قال: - ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- إنه ليس كل ساعة ألقاك ولا يمكن القدوم ويجيء الرجل من أصحابنا فيسألني وليس عندي كل ما يسألني عنهن فقال:- ما يمنعك من محمد بن مسلم الثقفي فإنه سمع من ابي وكان عنده وجيهاً )[2] ، وكل رواة السند ثقات، والأمام عليه السلام في هذه الرواية لم يذكر الكبرى وإنما ذكر الصغرى فقط وهذا يدل على أنَّ كل من حصلت له صحبة مع الامام عليه السلام وحصَّل منه على أشياء فمادام هو ثقة فيجوز الرجوع إليه.

الرواية الثالثة: - وعن محمد بن عمر الكشي في رجاله عن حمدويه عن يعقوب بن يزيد عن محمد بن أبي عمير عن شعيب العقرقوفي قال:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام ربما احتجنا أن نسأل عن الشيء فمن نسأل؟ قال:- عليك بالأسدي يعني أبا بصير )[3] ، وكل رجال السند ثقات.

إلى غير ذلك من الروايات المذكورة في نفس الباب.

وربما يخطر إلى الذهن: - إنَّ الامام عليه السلام حينما يرجعه إلى شخص من قال إنَّ هذا تقليد وإنما ينقل له نفس الرواية، فمثلاً يسأله عن الشك بين الركعة الثانية والثالثة ما هو حكمه وذاك الشخص ينقل له الرواية، فهذا لم يصر تقليداً وإنما هو نقل للرواية في نفس المورد.

والجواب: - إنَّ الأمر ليس هكذا دائماً، وإنما أحياناً يوجد عموم، مثل الرواية التي تقول ( إنَّ شخصاً اشترى جارية ولم يجد على رَكَبَها شعراً فذهب إلى محمد بن مسلم وسأله فقال له محمد بن مسلم إني لم أسمع بهكذا مسألة ولكني سمعت أن " كل ما زاد أو نقص عن الخلقة فهو عيب " )، فهذا عموم فطّبق العموم على المورد، وهذا يحتاج إلى فرض عدم وجود المخصص وهو أيضاً يحتاج إلى عناية، وهذا هو معنى الاجتهاد وهو أن يتمسك الانسان بالعموم عند عدم وجود المخصّص، وهذا هو عبارة عن الاجتهاد والتقليد.

الدليل الثالث: - أن يقال إذا لم نقل بحجية التقليد فماذا نصنع في صلاتنا وصومنا وحجنا وخمسنا وغير ذلك فإننا نحتاج إلى معرفة أجزاء الصلاة وأحكامها وشروطها ومبطلاتها وغير ذلك وكذلك الحج والصوم والخمس وغير ذلك فماذا يفعل العامي حتى يعرف الأحكام ويعمل؟ إنه توجد عدة احتمالات، فإما أن نترك الصلاة والصوم وباقي الواجبات، وهذا الاحتمال باطل، لأنه به نخرج عن الدين، أو أن يصير الكل مجتهدون، ولكن هذا يحتاج إلى فترة كسنة مثلاً، ولكن في هذه السنة هل يعطّل الصلاة والصوم غيرها فإنَّ هذا غير صحيح، ولو صار الكل مجتهدون فمن الذي يصير طبيباً ومن الذي يصير مهندساً ومن الذي يصير بنّاءً وغير ذلك وعليه فسوف تختل الحياة، فإذاً من البديهيات أن يشتغل جماعة بالاجتهاد أما بقية الناس فيرجعون إليهم، ولا مناص من هذا الاحتمال ولا يوجد طريق آخر، وحينئذٍ لا نحتاج إلى دليل على حجية التقليد ووجوبه وإنما هي قضية فطرية بديهية.

أما ثبوت منصب القضاء للمجتهد فنقول: - توجد عدة روايات تدل على ذلك نذكر جملة منها: -

الرواية الأولى: - محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن أحمد بن عائذ عن أبي خديجة سالم بن مكرم الجمال قال: - ( قال أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام:- إياكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم فإني قد جعلته قاضياً فتحاكموا إليه )[4] ، ومحمد بن علي بن الحسين هو الشيخ الصدوق وطريق الصدوق إلى أحمد بن عائذ معتبر وأحمد بن عائذ ثقة، وأبو خديجة سالم بن مكرة الجمال ثقة، ومقصود الامام عليه السلام من قوله ( يعلم شيئاً من قضايانا ) يعني قد درس علومهم عليهم السلام، يعني الذي يصدق على المجتهد، فدلالتها واضحة على المطلوب.

وعلى منوالها مقبولة ابن حنظلة[5] إذاً ثبت أن المجتهد له حق الإفتاء وحق القضاء.

ويوجد شيء ثالث: - وهو أنَّ الامام عليه السلام له منصب آخر وهو أنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، يعني أنَّ الامام عليه السلام أولى منّي من نفسي، فانا أستطيع أن أبيع داري وأزوج نفسي وأطلّق زوجتي وغير ذلك، فكل شيء أنا أقدر عليه هو ثابت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أولاً وبدرجة أقوى ثم للأئمة عليهم السلام، وهذا ثابت لهم بنص القرآن الكريم بالروايات الشريفة، فالنبي والأمام لهم هذا الحق، والسؤال هو: - هل للمجتهد ذلك المنصب أو لا؟

أما الأدلة التي دلت على كون النبي والأئمة لهم ذلك: -

الأول:- قوله تعالى:- ﴿ النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ﴾[6] .

الثاني:- قوله تعالى:- ﴿ وما كان لمؤمن أو مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ﴾[7] ، ومعنى ( إذا قضى أمراً ) يعني إذا حكم بشيء فلا خيرة لك، فهي بإطلاقها تشمل كل الموارد.

الثالث:- قوله تعالى ﴿ إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلوة ويؤتون الزكوة وهم راكعون ﴾[8] ، يعني الأولى بكم هم الله ورسوله والذين آمنوا وهو أمير المؤمنين عليه السلام.

الرابع: - قضي الغدير حيث قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: - ( ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: - بلى، فقال: - من كنت مولاه فهذا علي مولاه )[9] ، يعني أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول إذا كنت أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأستطيع أن أفعل كل شيء بالنسبة إلى المؤمن بأن أزوجه وأبيع داره أو أطلق زوجته وغير ذلك فأمير المؤمنين علليه السلام كذلك.

فإذاً هذه الولاية ثابتة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام، وإنما الكلام في ثبوتها للفقهاء.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo