< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

41/11/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تتمة مسألة ( 83 )، مسألة ( 84 ) ولاية الحاكم الشرعي على الأطفال بعد فقد الثلاثة الأب والجد والوصي عنهما يلحق بها بحث ثبوت منصبي الإفتاء والقضاء للحاكم الشرعي ووجوب التقليد – شروط المتعاقدين.

ولكن يمكن أن يناقش ويقال: -

أولاً: - إنَّ الامام عليه اللام قال ( لها الخيار ) وثبوت الخيار لا يدل على بطلان العقد، إذ لعل العقد صحيح ولكن لها الخيار شرعاً في أن تقبل أن أو ترفض، وهذا الاحتمال الوجيه موجود، فإذاً لا يمكن أن نستنتج من حكم الامام عليه السلام بأنَّ لها الخيار أن العم ليس له ولاية في باب النكاح.

ثانياً: - لو تنزلنا فأقصى ما يثبت هو عدم ثبوت الولاية له في باب النكاح، ولكن هذا لا يلزم منه انه لا ولاية له في التصرفات المالية، كما هو الحال في الوصي، فإنَّ الوصي من قبل الأب والجد له حق التصرف في المال ولكن في التزويج قد وقع كلام في أنه له الحق أو ليس له الحق، فإذاً عدم ثبوت الحق في التزويج ليس معناه انه لا ولاية له لولا يحق له التصرف في الأموال، فهذه الرواية لا يمكن جعلها رداً ثالثاً مقابل ولاية العم بل الرد الصحيح ما ذكرناه أولاً وثانياً.

وأما الأم: - فلا ولاية لها للقصور في المقتضي فإنه لا دلي على ولايتها فنتمسك بأصل عدم الولاية، مضافاً إلى أنَّ المسألة ابتلائية فلو كانت لها الولاية لاشتهر ذلك وذاع.

ومن الغريب ما نقله صاحب الجواهر(قده)[1] عن ابن الجنيد عن الاسكافي أنه يقول بثبوت الولاية للأم، ولعله عثر على رواية ثم خفيت علينا.

وأما الجد للأم: - فلا ولاية له لأصل عدم الولاية، مضافاً إلى أنَّ المسألة ابتلائية ولو كانت الولاية ثابتة له لاشتهر ذلك وبان.

ونضيف شيئاً تقدم فيما سبق: - وهو أنه توجد روايتان تقدمتا في النقطة الثانية من المسألة (80 ) يمكن أن يفهم منهم عدم الولاية، فيصير هذا دليلاً ثالثاً منضماً إلى الأصل وكون المسألة ابتلائية، والروايتان هما:-

الأولى: - صحيحة محد بمن مسلم: - ( إذا زوّج الرجل ابتة ابنه فهو جائز على ابنه ) يعني هو ماضٍ على الابن ولا يستطيع الابن أن يرفض هذا التزويج، وقد يفهم من هذه الرواية أنه لا ولاة للجد للأم لأن الرواية قالت ( إذا زوّج الرجل ابنة ابنه ) ولم تقل ( أو ابنة بنته )، فقد يفهم من هذا التعبير أنه لا ولاية للجد للأم.

الثانية: - صحيحة عبيد بن زرارة الواردة عن الامام الصادق عليه السلام قال: - ( كنت في يوم من الأيام عند زياد بن عبد الله [ عبيد الله ٍ] الحارثي وجاء شخص وأقل عن والدي زوّج بنتي ، فقال الجلوس للحارثي إنه هذا التزويج باطل، فقال الامام عليه السلام:- توجه الحارث لي وقال ما تقول يا أبا عبد الله، فتوجهت إليهم وقلت لهم ألستم تروون أن شخصاً في مثل هذه القضية جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم شاكياً أبيه بأنه زوج ابنته من دون إذنه فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم " أنت ومالك لأبيك " فإذا كان هو وماله لأبيه كيف لا يكون له الحق في التزويج؟!! ... )، فهذه الرواية أيضأ قد يفهم منها ان الذي له ولاية على التزويج هو أبو الأب وليس أب الأم، لأنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ( أنت مالك لأبيك )، فهذا التقييد قد يفهم منه أن القضية خاصة ين الابن ووالده أما بين البنت ووالدها فلا تأتي.

وأما بالنسبة إلى الأخ الأكبر: - فأيضاً لا ولاية له لننفس ما تقدم من القصور في المقتضي فنتمسك بالأصل، مضافاً إلى أنَّ المسألة ابتلائية ولو كانت الولاية ثابتة للأخ الأكبر لاشتهر ذلك وذاع.

ولكن يوجد شيئان: -

الأول: - قد تقدم فيما سبق في تفسير من بيده عقدة النكاح فإنه توجد ثلاث روايات قالت إنَّ من بيده عقدة النكاح هم الأب والجد والأخ، فأحدهم كان هو الأخ، فعلى هذا الأساس يثبت أنَّ الأخ بيده عقدة النكاح فتكون له الولاية لا أنه ليس له ولاية، فإذاً هذه روايات موجودة في هذا المجال حيث ذكرت عنوان الأخ.

الثاني: - إنَّ الوارد في هذه الروايات هو عنوان الأخ وليس عنوان الأخ الأكبر فمن أين التقييد بالأخ الأكبر؟

الجواب: - إنَّ الرواية قالت الأخ ولم تقل الاخوة، وهذا معناه أنه إذا كانوا أخوة متعددين فلا تثبت الولاية لجميعهم بل لواحد منهم، فإذاً الولاية حين تعدد الأخوة تثبت لواحد ولا يحتمل أن ذلك الواحد هو الأصغر أو الأوسط دون الأكبر فيتعين بذلك الأخ الأكبر، فلعل الفقهاء من هذه الجهة بهذا التقريب قيدوا بالأكبر.

فإذاً ربما يقال بثبوت الولاية للأخ الأكبر بهذا البيان الذي أشرنا إليه.

ولكن كما ذكرنا سابقاً عن هذه الروايات لم يعمل بها الأصحاب، فعلى هذا الأساس يتوقف في دعوى ثبوت الولاية للأخ من جهة أنَّ الأصحاب لا يقولون بذلك.

وتوجد رواية ذكرت لفظ الأكبر:- وهي: الشيخ بإسناده عن علي بن إسماعيل الميثمي عن الحسن بن علي عن بعض أصحابنا عن الرضا عليه السلام قال:- ( الأخ الأكبر مبزلة الأب )[2] ، فهذه الرواية قد ورد فيها أنَّ الأخ الأكبر هو بمزلة الب فإذاً تجد فيها دلالة على ثبوت الولاية للأخ الأكبر.

ولكن يرد عليها: -

أولاً: - إنها حينما قالت ( الأخ الأكبر بمنزلة الأب )، فهي لم تقل هو بمنزلة الأب في النكاح أو في التصرف المالي وإنما قالت هو بمنزلة الأب ولعل المقصود هو قضية أخلاقية تكريمية، يعني إذا دخل ابي مثلاً وأنا كنت جالساً على الكرسي فأقوم من الكرسي وأجلسه عليه احتراماً له، فهي حينما قالت الأخ الأكبر بمنزلة الأب يعني في قضايا الاحترام، وواقعنا يشهد بذلك، يعني نحن نحترم الأخ الأكبر، ولا نقول نحن نتعامل معه معاملة الأب ولكنه كالأب أو ما يقرب من ذلك، فعل هذا هو المقصود فتكون الرواية مجملة، ولا يمشي الانسان مع الحروف والكلمات ويتعامل بحاقّ اللفظ ويترك المحيط العرفي والفهم العرفي والذوق العرفي فإنَّ هذا غير صحيح في بعض الأحيان، بل لابد أن تبقى عرفيتك، فقد يأتي شخص ويتناسى عرفيته ويقول إن الرواية قالت ( الأخ الأكبر بمنزلة الأب ) وبإطلاق التنزيل يثبت أنَّ له الولاية كالأب، ولكن هذا ليس بصحيح، بل لابد من ملاحظة الذوق العرفي، فمن المحتمل وجيهاً أن يكون المقصود هو قضية احترامية، فإذاً الرواية تكون مجملة.

ثانياً: - إنَّ سندها ضعيف، حيث رويت عن بعض أصحابنا.

فإذاً اتضح من خلال هذا كله أنه لا ولاية لهؤلاء الأربعة من دون إشكال.

 

مسألة ( 84 ):- تكون الولاية على الطفل للحاكم الشرعي مع فقد الأب والجد والوصي لأحدهما، ومع تعذر الرجوع إلى الحاكم فالولاية لعدول المؤمنين لكن الأحوط الاقتصار على صورة لزوم الضرر ......

..........................................................................................................

تشتمل المسألة على عدة نقاط: -

النقطة الأولى: - عند عدم الثلاثة - أعني الأب والجد والصي لأحدهما - تثبت الولاية للحاكم الشرعي.

وهنا يوجد مطلبان: -

المطلب الأول:- نحن أشرنا فيما سبق أنه عند فقد الثلاثة يمكن أن يقال إنَّ الولاية تنتقل على مطلق عدول المؤمنين لا خصوص الحاكم الشرعي وذكرنا بعض الروايات الدالة على ذلك في المسألة السابقة.

فإذاً هذه القضية يلزم أن تؤخذ بعين الاعتبار ونتركها اعتماداً على ما سبق، فإذاً إذا أردنا أن نكتب فنحن نقول ( تثبت الولاية على الطفل مع فقد الأب والجد والوصي لأحدهما لعدول المؤمنين )، هذا هو المناسب، نعم منهم الحاكم الحام الشرعي، وأيضاً نكتب ( والأحوط وجوباً عند وجود الحاكم الشرعي وإمكان الوصول إليه للوصاية والولاية يكون الأمر راجعاً إليه ) ولكن هذه قضية أخرى.

المطلب الثاني: - إنه ذكر أن الولاية عند فقد الثلاثة تكون للحاكم الشرعي، نعم بعد ذلك قال ( ومع تعذّر الرجوع إلى الحاكم الشرعي فالولاية لعدول المؤمنين لكن الأحوط الاقتصار على صورة لزوم الضرر في ترك التصرف )، والشيء الذي نريد أن نقوله هو أنه سلّمنا أنه مع فقدان الثلاثة تكون الولاية للحاكم الشرعي ولكن لابد أن يقيد بقيد وهو أنه ( وإنما يتصرف الحاكم الشرعي إذا فرض أنه تترتب مفسدة على ترك التصرف ) فجواز التصرف يكون ضيقاً وهو في حالة ترتب المفسدة لو فرض أنه ترك الحاك الشرعي التصرف، ولماذا هذا التضييق؟ ذلك من باب أنَّ الحاكم الشرعي لا يوجد دليل على ولايته بعنوانه، وإنما المدرك هو أنه عند عدم الثلاثة توجد ضرورة تصرف لأنَّ هذا الطفل لا يصح أن يترك ولا يدير أمره احد فإن هذا لا يحتمل من الشرع المقدس ذلك فيتعين أن يتصرف أحد المؤمنين والقدر المتيقن هو الحاكم الشرعي، ولا يوجد غير هذا الدليل فإنه لا توجد رواية ولا يوجد أصل، وإذا كان الدليل هو هذا فلابد من الاقتصار على القدر المتيقن والضرورة، وهو ما إذا فرض ترتب مفسدة على ترك التصرف، وحتى وجود المصلحة وحده لا يكفي إذ لا مثبت لثبوت الولاية هنا، نعم إذا كانت تترتب مفسدة كما لو فرض أنَّ أموال الطفل لو تركت خيف عيلها أن تسرق فهنا يوجد خوف المفسدة فهنا لا نحتمل أنَّ الشرع المقدس يقول دعوها تتلف فصحيح هنا يجوز له التصرف، فكان من المناسب أن يقيّد السيد الماتن بهذا القيد.

وبالأولى إذا قلنا بثبوت الولاية لعدول المؤمنين فأيضاً الأمر كذلك فإنَّ حقّية التصرف لهم منوطة بترتب المفسدة على الترك ولا يكفي مجرد تساوي الأمرين، بل لا يكفي مجرد وجود المصلحة من دون أن تترتب مفسدة على ترك التصرف وهذه قضية ينبغي الالتفات غليها وأخذها بعين الاعتبار.

يوجد شيء آخر نلفت النظر إليه وهو من باب الإحاطة أكثر بولاية الحاكم الشرعي نقول: - إنَّ الامام عليه السلام له عدّة مناصب منها منصب الإفتاء وبيان الأحكام الشرعية، ويوجد منصب ثانٍ وهو القضاء وحلّ النزاع والخصومة بين الناس، وهذان المنصبان قد انتقلا إلى المجتهد العادل وهو ما يصطلح عليه بالحاكم الشرعي.

وقد تسأل تساؤلان وتقول: -

أولاً: - إنَّ هذه دعوى، يعي أن انتقال منصب الإفتاء إلى المجتهد مجرد دعوى، لأنَّ البعض يقول نحن لا نريد التقليد ولا نحتاج إليه، فما الدليل على انتقال حقّ الإفتاء إلى المجتهد وأنه يجب على العامي أن يقلده ويتابعه؟

ثانياً: - ما هو الدليل على ثبوت منصب القضاء للحاكم الشرعي أيضاً فإنَّ هذا يحتاج إلى دليل أيضاً؟

أما بالنسبة إلى السؤال الأول: - فنذكر ثلاثة أدلة: -

الدليل الأول: - سيرة العقلاء، يعني أنَّ سيرة الناس جارية على الرجوع إلى كل ذي فنٍّ في مجال فنّه، فالمريض يرجع إلى الطبيب، وفي بناء الدار يرجع إلى المهندس ... وهكذا، وأيضاً إذا كانت عندي قضية شرعية ولا أعرفها فقد جرت السيرة على الرجوع إلى أهل الخبرة في هذا المجال وهم المجتهدون فإنهم هم الذين يعرفون الشرع والأحكام، وحيث لا ردع شرعي عن تطبيق هذه السيرة في مقامنا فتكون ممضاة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo