< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

41/11/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة (82) حكم نصب أحد الأبوين وصياً على الأطفال مع فرض وجود الأب الآخر ، مسألة (1239) من كتاب النكاح ( هل يجوز للوصي أن يزوج الصبي والصبية مع وجود الأب الآخر؟ ) – شروط المتعاقدين.

وأما السيد الخوئي(قده): - فقد تمسك بالآية الثالثة، وهي ﴿ فمن خاف من موصٍ جنفاً أو إثماً فأصلح بينهم فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم﴾، وتقريب الاستدلال قد تقدم، وذلك بأن يقال: إنَّ هذه الآيات الكريمة دلت على وجوب العمل بالوصية وهذا حكم كلي وقاعدة عامة فيلزم التمسك بعمومها في كل مورد إلا إذا دل الدليل على الخلاف، وكل من يتمسك بآية الوصية يتمسك بهذا هذا التقريب، ومن جملة أفراد الوصية ومتعلق الوصية أو يوصي الأب أو الجد لشخص بأن يزوّج الصغير، فمقتضى وجوب العمل بوجوب الوصية الذي نستفيده من الآية الكريمة أنه يجب العمل بكل ما نصَّ عليه الوصي ومنه تزويج الصبي والصبية، فطريقة الاستدلال واحدة من دون أي اختلاف.

ولماذا ترك السيد الخوئي(قده) الآية الأولى والثانية وقال إنها خاصتان بالمال وتمسك بالآية الثالثة؟، فهو قال إنَّ الآيات الكريمة دلت على وجوب العمل بكل وصية إلا إذا كان فيها جنف - أي جور وعدول عن الخط المستقيم - وإذا دلت على هذا المعنى فحينئذٍ نتمسك بالعموم إلا إذا د مخصص وأخرج فرداً، وهنا لم يدل الدليل على استثناء الوصية بتزويج الصبي بالصبية فيبقى تحت العموم.

وأضاف قائلاً:- إنَّ محرّد اختصاص الآيتين والأولى والثانية بالمال لا يوجب ثلم إطلاق الآية الثالثة، قال(قده):- ( فإنَّ صدرها وإن كان يقتضي نفوذ الوصية المالية خاصة بالنسبة إلى خصوص الوالدين والأقربين إلا أن المستفاد من قوله تعالى " فمن خاف من موصٍ جنفاً أو إثماً " نفوذها مطلقاً ولزوم العمل بمقتضاها دائماً باستثناء ما خرج أعن ما كان فيها جنف أو اثم او ضرر على الوارث على ما دلت عليه النصوص فإنه لا يجب العمل بها ......... وتوهم أن الآية المباركة وجميع النصوص الواردة في الاستدلال بها مختصة بالوصية المالية ........ مدفوع بأن صدر الآية الكريمة وإن كان موردها الوصية بالمال إلا انه غير ضار بإطلاق الآية المباركة ) [1]

ويرد عليه: - إن كل ما أورداه على السيد الحكيم(قده) يأتي هنا: -

أولاً: - كيف تقول إن الآية تدل على وجوب العمل بالوصية والحال أنه لا توجد لفظة تدل على وجوب العمل بالوصية، نعم إلا حالة الجنف فهذا واضح ولكن لا توجد لفظة تدل على لزوم العمل بالوصية، وهذا بقطع النظر عن كونها واردة في المال، فإنَّ الآية الأولى قالت ﴿ كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية لوالدين والقربين بالمعروف ﴾ فهي دلت على أنه يوصي ولكنها لم تدل على وجوب العمل بالوصية، وأما الآية الثانية فقد قالت ﴿ فمن بدّله من بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه ﴾، فهذه الآية الكريمة دلت على كون التحريف والتبديل في الوصية لا يجوز، أما الآية الثالثة التي تمسك بها هو فهي قالت ﴿ فمن خاف من موصٍ جنفاً أو إثماً فأصلح بينهما فلا إثم عليه ﴾، فهذه الآية الكريمة أيضاً لا يوجد فيها دلالة على وجوب العمل بالوصية وإنما دلت على أن من كان يخاف الجور في الوصية فعلى الموصى له أن يرشد الموصي لئلا يظلم.

ثانياً: - إنَّ قوله ( ومجرّد اختصاص الآية الأولى والثانية بالمال لا يوجب اختصاص الثالثة بذلك ) غير مقبول، فصحيح أننا نقبل أنه لا يوجب الاختصاص - أي لا يوجب التقييد والتخصيص - ولكن بالتالي يوجد الاجمال لأنه قد اتصل به ما يصلح للقرينية، فيشكل حينئذٍ التمسك العموم، فحتى لو كانت الآية ثالثة تقول ( ويلزم العمل بالوصية ) بدلاً من ﴿ فمن خاف من موصٍ جنفاً ... ﴾ فإنه يتكلم عن تلك الوصية المالية فهنا يصير إجمال، ونحن لا نقول هي مختصة بالمال ولا نقول هي مطلقة وإنما نقول تصير مجملة لاتصالها بالآيتين السابقتين، وحينئذٍ يشكل التمسك بالعموم.

مضافاً إلى أنه لا يوجد لفظ فيه رائحة الاطلاق أو العموم حتى يتمسك به.

ثالثاً: - إنََّ الوصية بتزويج الصبي أو الصبية فيه شبه الجَنَف والجور، لأنَّ فيه تسليطاً على النفوس، نعم نحن نقبل أنه مسلّط على الأموال أما أنه مسلط على التزويج فهذا جَنَف، فشبهة الجَنَف والجور موجودة، وحينئذٍ التمسك بالآيات لإثبات صحة هذه الوصية بالتزويج محل إشكال من جهة الجَنَف.

رابعاً:- ليس من البعيد أنه يوجد مخصص لبّي ارتكازي متصل، وهو أنه لو سلّمنا أنَّ الآيات الكريمة تقول ( يا أيها الذين آمنوا اعملوا بكل وصية أوصى بها الموصي ) وبهذه الصراحة ولكن مع ذلك هذا العموم هو محل كلام، فليس من البعيد أنه يوجد مخصص لبّي متصل، فإنَّ كل إنسان حينما يسمع بأنه يجب العمل بالوصية فهذا يعني أنَّ الوصية التي لا تخالف الشرع والنافذة في حدّ نفسها والمقبولة في حدّ نفسها يجب العمل بها، وهذا قيد لبّي موجود، وهو وإن لم يكن جزمياً فلا أقل هو محتمل، وعليه فسوف يصير من المخصص اللّبي المحتمل، وفي مثل هذه الحالة يمكن أن يدّعى أنه يوجب الاجمال، هذا لو فرضنا أنه يوجد اطلاق والآيات الكريمة تقول يجب العمل بكل وصية.

وبعد أن ثبت بالدليل صحة الوصية بتزويج الصبي أو الصبية حسب التعليل الوارد في معتبرة محمد بن مسلم حيث قالت ( لأنَّ أباهم قد أذن له وهو حي ) نقول:- هناك ما يوهم المعارضة أو يدل على أنه لا تصح الوصية بتزويج الصبي أو الصبية، فيجب معالجته حيث توجد روايتان في هذا المجال:-

الرواية الأولى: - وهي معتبرةٌ لمحمد بن مسلم، قال: - ( في الصبي يتزوج الصبية يتوارثان؟ فقال: - إذا كان أبوهما اللذان زوجاهما فنعم، قلت: - فهل يجوز طلاق الب؟ قال: - لا )[2] ، فهنا سأل الراوي وقال:- ( يتوارثان؟ فقال: - إذا كان أبوهما اللذان زوجاهما فنعم )، ومفهومه أنه إذا لم يكن المزوِّج لهما غير الأبوين كالوصي فلا يتوارثان وهذا كناية عن بطلان الزواج، فإذاً هي بالمفهوم تدل على أنه إذا كان المزوّج لهما هو الوصي فالزواج يكون باطلاً، فتصير معارضةً لما سبق.

ويوجد تقريب آخر للاستدلال: - وهو أنَّ التفصيل قاطع للشركة، فإنَّ الامام عليه السلام فصّل بين أن يكون المزوّج هما الأبوين فيتوارثان وبين أن لا يكون المزوّج هما الأبوين فلا يتوارثان، والامام عليه السلام لم يذكر الشق الثاني ولكنه حينما فصّل بين الأبوين وغير الأبوين فهذا معناه أنه يقطع احتمال الاشتراك، لأنه لو كانا يتوارثان على كلا التقديرين لكان التفصيل مستهجناً عرفاً، وعليه فسوف تصير هذه الرواية معارضة لما سبق فكيف الجواب عنها؟

والجواب: - نقول إنَّ الأبوين قد ذكرا لا من باب الخصوصية وإنما هو كناية عن المأذون الشرعي فإنَّ لهما الإذن، وحينئذٍ يدخل كل من له الإذن في ذلك، فيكون الوصي الذي أذن له الأب داخلاً، لأنه صاحب إذن، فهو كناية عمّن له الرخصة في التزويج، يعني إذا كان الموزّج له الرخصة في التزويج فيتوارثان، وهذا تعبير عام لا يختص بالأبوين، فلا يعارض ما تقدّم.

أو نقول: - إنه حينما أَذِنَ الأب للوصي بأن يزوجهما فبالتالي يصدق أنَّ الأبوين قد زوجاهما، لأنَّ التزويج رجع بالتالي إليهما. فإذاً هذه الرواية لا تعارض ما تمسكنا به سابقاً.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo