< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

41/11/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة (82) حكم نصب أحد الأبوين وصياً على الأطفال مع فرض وجود الأب الآخر ، مسألة (1239) من كتاب النكاح ( هل يجوز للوصي أن يزوج الصبي والصبية مع وجود الأب الآخر؟ ) – شروط المتعاقدين.

ويرد عليه: -

أولاً: - إنَّ الآية الكريمة الثانية قالت ﴿ فمن بدّله بعد ما سمعه ﴾، فهي ذكرت التبديل والتحريف في الوصية فهذا هو الحرام، أما أنه يجب العمل بالوصية فهذا لا يمكن استخراجه منها، وحرمة تبديل الشيء كالوصية لا تلازم وجوب العمل بذلك الشيء فإنه لا توجد ملازمة عقلية ولا عرفية.

وإذا دافع مدافع وقال: - لعل مقصوده الاستعانة بالروايات، فإنَّ المستفاد منها أنه لا خصوصية للمورد، يعني يجب العمل بكل وصية لا الوصية بالمال للوالدين والأقربين فقط وإنما تشمل كل وصية، فيتمسك بالروايات لتعميم وجوب العمل بكل وصية، وقد مثّل لذلك برواية محمد بن سوقة.

ولكن نقول:- إنه لا يستفاد منها وجوب العمل بكل وصية وإنما هي في صدد شيء آخر، فهي قالت:- ( سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله تبارك وتعالى " فمن بدله من بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه " قال:- نسختها[1] الآية التي بعدها قوله عزَّ وجل " فمن خاف من موص جنفاً أو إثماً فأصلح بينهم فلا إثم عليه" قال:- يعني الموصى إليه إن خاف جنفاً من الموصي فيما أوصى به إليه مما لا يرضى الله عزَّ ذكره من خلاف الحق فلا إثم عليه أي على الموصى إليه أن يردَّه إلى الحق وإلى ما يرضى الله عزَّ جل فيه من سبيل الخير )[2] ، فهي ناظرة إلى أنه إذا أراد الموصي أن ينحرف في وصيته فعلى الموصى إليه أن يحاول تسيير الموصي على الصواب وليس على الانحراف، فإذا أراد الموصي أن يميل عن الصواب فعلى الموصى إليه أن يجعله يسير على الجادة المستقيمة، فالرواية تدل على هذا وليس فيها دلالة على وجوب العمل بالوصية.

إذاً الآية الكريمة بل والرواية لا تدل على وجوب العمل بالوصية حتى تقول يوجد عندنا عموم ونحن نعمل بذلك العموم في موردنا - وهو تزويج الصبي والصبية - إلا ما خرج بالدليل ولم يخرج بالدليل المورد الذي نحن فيه.

ثانياً: - إنَّ الآية الكريمة ناظرة إلى الوصية بشيء للآخرين، كما لو يعطيه مالاً أو كتباً أو غير ذلك، فإنها قالت ﴿ إن ترك خيراً الوصية ﴾ والخير هو المال والدار والكتب وما شكاله أما أنه تزويج الصغير للصغيرة فهذا ليس مصداقاً لـ ﴿ إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين ﴾، فالآية الكريمة - الأولى والثانية - ناظرة إلى إيصاء الوصي بشيء كالمال والكتاب وغير ذلك للوالدين والأقربين وللغير، فهي وصية مال أما أنه يوصي تزويج الأنفس فهذا ليس وصية شيء للآخرين، فلا يمكن أن نتعدّى من مورد الآية الكريمة إلى مقامنا.

وإذا قلت دفاعاً عن السيد الحكيم: - إنَّ هذا ذكره في النقطة الثالثة حيث قال: ولكن قد يقال إنَّ الآية الكريمة ناظرة إلى الإيصاء بشيء للوالدين والأقربين ولا يعم مثل الوصية بالنفس من التزويج، فالآية الكريمة ناظرة إلى التصرف بالأموال.

قلنا: - إنَّ هذا صحيح، ولكن يرد الاشكال بأنه لو قبلنا بهذا فكل ما ذكره السيد الحكيم(قده) سوف ينهدم، لأنَّ الآية الكريمة سوف تكون ناظرة من البداية إلى الأموال وما شاكل ذلك دون التزويج ولا يصح الاستدلال بها في موردنا.

ثالثاً: - نقول إنَّ هذا فيه مجال في أن نقول هو من الوصية بالجنف، فإنَّ الآية الثالثة قالت ﴿ فمن خاف من موصٍ جنفاً ﴾،وقد قلنا إنَّ الجنف هو الميل عن الخط المستقيم والظلم والجور، فنتمكن أن نقول إنَّ هذه الوصية إن كانت حول إعطاء المال إلى فلان فهذا يجوز ولا مشكلة فيه، أما أن تزوّج بنت هذا إلى ابن ذاك فهذا جورٌ على النفوس وجَنَف، وآية الجَنَف تمنع من ذلك فلا يجوز.

وقد يدافع عن السيد الحكيم(قده) ويقال: - إنه الأب له الولاية على الصبي، فهو ليس أجنبياً حتى يصير هذا جَنَفاً.

قلت: - إذا كانت الولاية ثابتة له على هذا الشيء فلا نحتاج إلى دليل ولا التمسك بآية الوصية، ولكن نحن نفترض أنا غضضنا النظر عن مسألة ثبوت الولاية للأب في الإيصاء، أما إذا ثبت فقد انتهى كل شيء ولا مشكلة، ولكن المفروض أن هذا الدليل نأتي به في عرض ذاك الدليل أو بغض النظر عنه، وحينئذٍ يصير هذا من الجَنَف، وحينئذٍ تصير الوصية بالجَنَف مردودة بنص الآية الكريمة الثالثة.

رابعاً: - لا يبعد أنه يوجد قيد مقدَّر، يعني أنَّ الآيات الكريمة كلّها ناظرة إلى هذه الحالة وهي أنه إذا أوصى بشيء نافذ ومشروع في الإسلام فإنه يصير لازماً بالوصية، وهذا قيد مستتر واضح قد لا يؤخذ في الكلام لوضوحه، والانسان عادةً حينما يريد أو يوصي بشيء فمقصوده هو الوصية بالأشياء النافذة شرعاً، فهذا قيد مستتر موجود وهو بحكم المقيّد المتصل ولكنه لم يذكر لوضوحه، وهذا احتمال وجيه، فيصير بمثابة القيد المتصل المحتمل وحينئذٍ يمنع من انعقاد العموم، أو قل يصير عموم ولكن هذا القيد المستتر موجود فيصير المورد من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، إذ نحن نشك هل أنَّ هذا من النافذ أو لا فيصير من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية وهو لا يجوز.


[1] وتوجد تعليقة لصاحب الوسائل هنا حيث قال إنَّ معنى ( نسختها ) يعني ليس النسخ وإنما خصصتها، فالآية الثانية قالت ( فمن بدّله ) فجاءت الآية الثالثة فخصصتها.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo