< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

41/11/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 82 ) حكم الوصي في التصرف بأموال الصبي والصبية بالتجارة – شروط المتعاقدين.

مسألة (82): - إذا أوصى الأب أو الجد إلى شخص بالولاية بعد موته على القاصرين نفذت الوصية وصار الموصى إليه ولياً عليهم بمنزلة الموصي تنفذ تصرفاته. ويشترط فيه الرشد والأمانة. ولا تشترط فيه العادلة على الأقوى. كما يشترط في صحة الوصية فقد الآخر فلا تصح وصية الأب بالولاية على الطفل مع وجود الجد ولا وصية الجد بالولاية على حفيده مع وجود الأب. ولو أوصى أحدهما بالولاية على الطفل بعد فقد الآخر لا في حال وجوده ففي صحتها إشكال.

..........................................................................................................

تشتمل المسألة على خمس نقاط: -

النقطة الأولى: - يجوز للاب أو الجد أن ينصب من بعده وصياً على أولاده الصغار وينفذ تصرف الوصي كما كان ينفذ تصرف الأب والجد وهي في اتعامل على ماله فإن الأب والجد كان لهما الحق في أن يبيع ويشتريا في أمال الصبي فالوصي له ذلك ايضاً.

النقطة الثانية: - يشترط في الوصي أمران الرشد والأمانة.

النقطة الثالثة: - لا تشترط في الوصي العادلة.

النقطة الثالثة: - إنما تصح الوصية من الأب إذا لم يكن الجد موجوداً وتصح الوصية من الجد إذا لم يكن الأب موجوداً، فلا تصح الوصية من أحدهما لشخص ثالث مع وجود الآخر.

النقطة الخامسة: - هل يصح أن يوصي الأب لشخصٍ ثالث مع فرض وجود الجد فيقول له إنه من بعد فقدان ووالدي أنت تعمل كوصي على أطفاله، فالأب يوصي حال حياة الجد أو الجد يوصي حال حياة الأب ولكن يقول للموصى إليه أنت وصي بعدما يموت الأب أو الابن، فهل تصح الوصية بهذا الشكل؟ يقول إنَّ فيه إشكال.

والمهم من هذه النقاط هي النقطة الأولى: - وهي اثبات أصل صحَّة الوصية أما الأب أو الجد تصح له الوصية لشخصٍ ثالث على الأطفال في التصرف المالي كالاتجار لهم فهذا لا كلام فيه، قال صاحب الجواهر(قده):- ( نصّاً وفتوىً بل اجماعاً بقسميه )[1] ، فإذاً هو جعل القضية مسلّمة بهذا الشكل ولكنه لم يذكر النصوص، ولعله ذكر هذا في موارد أخرى أيضاً.

وعلى هذا الأساس لابد من ملاحظة الدليل على نفوذ هذه الوصية وصحتها في تصرف الولي في أموال الصبي أو الصبية بالتجارة وليس بالتزويج، فإنه في التزوج لعله مسلّم بذلك في محلّه ولكن كلامنا في التصرف في الأموال، فكيف نثبت ذلك؟

والجواب:- إنه ورد في الآية الكريمة ﴿ إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح ﴾، فإنَّ المرأة تستحق المهر بالطلاق إلا أن تعفو المرأة أو يعفو من بيده عقدة النكاح، والذي بيده عقدة النكاح هو الأب والجد والوصي كما بينت ذلك الروايات، فإذاً الوصي بيده عقدة النكاح فيتمكن أن يعفو عن المهر، ثم نقول:- إذا ثبت بالروايات أنَّ من يعفو هو من بيده عقدة النكاح ومن جملة من بيده عقدة النكاح هو الوصي من قبل الأب أو الجد فنضم إليه قضية أخرى حيث نقول إذا كان بيد الوصي عقدة النكاح وله أن يبقيه أو يفسخه فبالأولوية يحق له التصرف في أموال الصبي.

فإذاً الرواية لم تدل ابتداءً على أنَّ الوصي يستطيع أن يتصرف في أموال الصبي، وإنما دلت على أنَّ من مصاديق من بيده عقد النكاح هو الوصي من قبل الأب أو الجد، فإذا ثبت أنَّ أمر النكاح اثباتاً ونفياً بيد من بيده عقدة النكاح ومنهم الوصي فبالأولوية يثبت جواز تصرفه بأموال الصبي والصبية بالتجارة، لأنَّ أمر الأموال أخف وأهون من النكاح، فيثبت ذلك له.

وقبل أن نذكر الروايات نقول: - إنَّ الاشكال السابق الذي أوردناه على التمسك بهذه الرواية في الانتقال بالأولوية من النكاح إلى التصرف بالأموال يأتي هنا أيضاً، حيث قالنا لا توجد أولوية، فصحيح أنه بادئ ذي بدء حينما تقول إذا كان أمر النكاح بيد الشخص فمن باب الأولوية يكون أمر المال بيده تجارةً واسترباحاً لأنَّ النكاح أهم لأنه يكون منه الولد أما المال فهو يذهب ويأتي فإذا كان الأهم بيده فبالأولى يكون له التصرف في مال الصبي بالتجارة، وقد قال بهذه الأولوية جماعة منهم السيد الخوئي(قده)، ولكن الاشكال الذي أوردناه سابقاً يرد هنا أيضاً، وهو أنه لعل أهمية البضع تستدعي أن يجعل الشرع المقدس شخصاً للنظر في أمره لأنه منه الولد وغير ذلك، وهذا لا يلزم منه أنه يجعل للشخص الحق في باب الأموال فإنَّ أمر الأموال أسهل فلا يحتاج إلى أن يجعل شخصاً يكون المدار عليه في باب الأموال، فالأولوية ليست موجودة في البين.

أما الروايات الواردة في هذا المجال فهي: -

الرواية الأولى: - ( الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى عن البرقي أو غيره عن صفوان بن عبد الله عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- سألته عن الذي بيده عقدة النكاح:- قال هو الأب والأخ والرجل يوصى إليه .... )[2] ، وأحمد بن محمد بن عيسى من أجلة أصحابنا، أما طريق الشيخ إليه فإنه وإن كانت بعض طرق الشيخ إليه غير صحيحة ولكن بالمراجعة للمشيخة والفهرست يمكن تمشية أمر الطريق، وأما البرقي فهو إما أحمد بن محمد بن خالد أو أبيه محمد بن خالد وكلاهما ثقة.

وتقريب الاستدلال كما ذكرنا:- فإنه إذا كان عدة النكاح بيد الوصي فبالأولوية يجوز له التصرف في أموال الصبي في التجارة والاسترباح.

وفي سند الرواية إشكال وفي متنها إشكال أيضاً.

أما سندها: - فقد كان سندها هكذا: - ( الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى عن البرقي أو غيره )، فهنا سوف تصير بحكم المرسلة.

وأما المتن: - فقد قالت الرواية إنَّ الذي بيده عقدة النكاح ( هو الأب والأخ والرجل يوصى إليه )، فذُكر الأخ في هذه الرواية والمعروف بين الأصحاب أنهم لا يقولون بذلك، وعيله فسوف تصير ضعيفة من جهة المتن.

ومن الواضح أنه يوجد هنا مسلكان، مسلك التبعيض فيقال نحن نسقط المتن عن الاعتبار من ناحية الأخ لأنَّ الأصحاب لا يقولون بالولاية للأخ، لا أننا نسقط كل المتن، وفي المقابل يمكن أنقول إنَّ مدرك حجية الأخذ بالمتن هو سيرة العقلاء فإنه لو رودهم مضمون خبر مقبول من ثقات فسوف يأخذون به ولكن إذا اشتمل على عيب هذا العيب حيث ذكر فيه ما لا يقول به أحدهم فهل العقلاء يأخذون بهذا التن أو يرفضونه؟ لا أقل فيه تردد وإشكال، ويكفيك هذا، فليس من العلوم أنهم يأخذون بهذا، فإذا الرواية محل إشكال من حيث المتن، هذا على هذا المسلك، والأوجه هو الثاني.

ويوجد إشكال آخر ذكرناه فيما سبق: - وهو أنه حتى لو سلّمنا بأنه لا توجد إشكالات لا من ناحة السند ولا من ناحية المتن ولكن مع ذلك يشكل الأخذ بها، لأنَّ أقصى ما دلت عليه هذه الرواية هو من بيده عقدة النكاح، أما أنه يلزم أن يكون أمره نافذاً في التجارة والأموال أيضاً فلا، بل لعل الشرع يتساهل في أمر الأموال فلا يجعل وصياً، أما النكاح فهو بضعٌ ومنه يكون الولد وقد اهتم به الشرع فجعل أمره بيد شخصٍ آخر وهو الوصي، وهذا إشكال يسجّل على هذه الرواية غير ما تقدم.

الرواية الثانية: - وهي: - ( وبإسناده عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن أبي بصير وعن العلاء بن زرين عن محمد بن مسلم كلاهما عن أبي جعفر عليه السلام مثله)[3] ، أي مثل الحديث السابق.

إذاً الحديث السابق له راوٍ ثانٍ وثالث، لأنَّ الذي ينقله عن الامام عليه السلام هو ( الشيخ عن بإسناده عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام )، ويوجد سندٌ آخر وهو ( الشيخ بإسناده عن الحسن بن محبوب عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن الامام عليه السلام )، فإذاً سوف تصير أسانيده متعددة، ولكن مادام المتن هو نفس المتن فالإشكالات المتقدمة سوف تأتي هنا إلا إشكال ( أو غيره ) فإنه لا يأتي هنا، لأنَّ هذه المشكلة ليست موجودة هنا.

ونذكر نكتة: - وهي والحسن بن محبوب من أجلة أصحابنا ويروي عن علي بن رئاب كثيراً ولعل السبب في ذلك هو والد الحسن بن محبوب فإنَّ محبوب كان رجلاً جيداً، لأنه ذكر في ترجمته أنه كان يقول لابنه الحسن إن كل حديث سجّلته عن علي بن رئاب سوف أعطيك عليه ليرة، فلذلك كثر تسجيل الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب فهذه الظاهرة تفسَّر بهذه النكتة.

وهناك نكتة أخرى: - وهي أني رأيت صاحب كتاب جامع الرواة محمد بن علي الأردبيلي ينقل عن مروج الذهب للمسعودي أنه يقول: - إنَّ علي بن رئاب كان له أخٌ اسمه الريّان بن رئاب وعليَّ بن رئاب من عليّة الامامية والريّان من عليّة الخوارج وكانا لا يجتمعان ولا يتكلمان إلا ثلاثة أيام في السنة ويتناقشان ثم يفترقان إلى السن التالية.

الرواية الثالثة: - موثقة سماعة: - ( عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله عزَّ وجل " وإن طلقتموهن من قبل أن تمسون وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح "، قال:- هو الأب أو الأخ أو الرجل يوصى إليه .... )[4] .

والاشكال الذي أوردناه على الرواية السابقة من حيث المتن يرد هنا: - وهو أنها ذكرت الأخ وهذا لا يقول به أحد.

وكذلك يرد الاشكال الثاني: - وهو أنَّ ثبوت الولاية للوصي في باب النكاح لا يستلزم ثبوت الولاية له في باب الأموال، لأنَّ نفس أهمية البضع قد تكون سبباً لاهتمام الشارع بجعل وليٍّ تحفظاً عليه بخلافه في باب الأموال.

إذاً هذه الروايات - ولعله توجد بمضمونها روايات أخرى - لا تنفعنا لما أشرنا إليه.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo