< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

41/11/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة ( 80 ) جواز تصرف الأب والجد وإن علا في مال الصغير في المعاملات – شروط المتعاقدين.

هذا وأشار الشيخ الأعظم(قده) بشيء آخر: - فهو فيما سبق احتمل لا المصلحة شرط ولا عدم المفسدة وإن كان قد تراجع بسبب رواية الحسين بن علاء، أما هنا فتراجع وقال إنه لابد من وجود مصلحة.

وهذا الاحتمالان بين الافراط والتفريط فهناك قال لا يلزم المصلحة بل ولا عدم المفيدة، أما هنا فيقول إنه يلزم وجود المصلحة ولا يكفي عدم المفسدة.

واستند في ذلك إلى قوله تعالى ﴿ ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ﴾[1] وأحسن لا يصدق مع فرض عدم المفسدة وإنما يصدق مع فرض وجود المصلحة، فإذاً هذه الآية الكريمة تدل على شرطية وجود المصلحة في جواز التصرف بأموال هذا اليتيم.

يبقى شيء لابد أن يعالجه الشيخ الأعظم(قده): - وهو أنَّ الآية الكريمة ناظرة إلى اليتيم بينما محل كلامنا الأب والجد موجودان والأب أو الجد يريد أن يتصرف تصرفات معاملية للصبي ولا يوجد يتيم في البين، فالآية ناظرة إلى اليتيم ومحل كلامنا في غير اليتيم فكيف تتمسك بالآية الكريمة في محل كلامنا؟

ولكنه أجاب وقال:- لنفترض أنَّ الأب ميت ولكن الجد موجود، فإذا لم يكن الأب موجوداً فهو يتيم فآنذاك الآية الكرية تشمل الجد فهي تقول له ( ولا تقرب أيها الجد مال اليتيم )، لأنَّ هذا الطفل يتيم إذ قد فرضنا أن أبيه ميت ﴿ إلا بالتي هي أحسن ﴾ يعني مع وجود المصلحة، فإذا استقدنا من الآية الكريمة أن الجد عند فقدان الأب لا يجوز له أن يتصرف بالتصرفات المعاملية إلا بالتي هي أحسن - يعني مع وجود المصلحة - فيثبت ذلك في حق الأب لو كان موجوداً أيضاً، فإنه لا يحتمل الفرق بين حكم الجد وحكم الأب فإنَّ حكمهما واحد فإذاً اثبتنا بمقتضى الآية الكريمة أن الجد لا يجوز له أن يتصرف التصرفات المعاملية إلا مع المصلحة يثبت ذلك في حق الأب في حالة وجوده وإن لم يصدق عنوان اليتيم، إذ لا نحتمل الفرق في الحكم بين الجد والأب.

وفي مقام التعليق نقول: -

أولاً: - يمكن أن يقال إنَّ الآية الكريمة هي خطاب إلى جميع الناس لا خصوص الأبوين، فكل إنسان تقول له لا تقرب مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن والآية الكريمة تريد أن تعالج مشكلة اجتماعية موجودة عندنا أيضاً حيث يسأل البعض ويقول إنه يوجد عندنا أيتام من اقرباءنا وأنا أذهب لزيارتهم وأجلس على فراشهم وقد يكون وقت الطعام قريباً فآكل من طعامهم فما هو الحكم هنا، فهذه الآية الكريمة تعالج هذا الشيء، فهي خطاب للكل وليس لخصوص الأبوين، يعني ولا تقربوا أيها الناس مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن، فإذا فرض أني بقيت عند الايتام وهم يفرحون بذلك فهذه من التي هي أحسن، ولو شك شخص وقال إنَّ هذه التصرفات ليس من العلوم أنها من ﴿ ألا بالتي هي أحسن ﴾ فنقول له خذ لهم معك شيئاً من الفاكهة أو ما شاكل ذلك فتصير حينئذٍ من ﴿ بالتي هي أحسن ﴾، فالآية الكريمة لست ناظرة إلى مسألة التصرفات المعاملية وإنما هي ناظرة إلى كل الناس وأنهم كيف يتصرفون مع اليتامى بالتي هي أحسن، وتوجد معتبرة الكاهلي تشير إلى هذا المعنى وعلى طبقها العمل، وهي:- ( قيل لأبي عبد الله عليه السلام:- إِنا ندخل على أخٍ لنا في بيت أيتام ومعه خادمٌ لهم فنقعد على بساط لهم نشرب من مائهم ويخدمنا خادمهم وربما طعمنا فيه الطعام من عند صاحبنا وفيه من طعامهم فما ترى في ذلك؟ فقال: - إن كان في دخولكم عليهم منفعة لهم فلا بأس وإن كان فيه ضرر فلان قال عليه السلام: - بل الانسان على نفسه بصيرة فأنتم لا يخفى عليكم وقد قال عزَّ وجل " والله يعلم المفسد من المصلح" )[2] ، فالإمام عليه السلام يريد أن يبيّن لهم بأنه لا تخدعوا أنفسكم وتقولوا إن فيه فائدة بل لا بد أن تكون فيه فائدة واقعاً فإنَّ الله تعالى يعلم بذلك، فإذا اعتقدت أن فيه فائدة لهم واقعاً فنعم أما إذا لم تكن فيه فائدة وإنما أنت تريد أن تأكل فقط فهذا غير صحيح، فالإمام عيه السلام أيضاً يؤكد على جنبة الاحتياط.

فالآية الكريمة تقصد ما قصدته هذه الرواية، يعني أيها الناس في تصرفكم بالأكل والشرب والذهاب والإياب إلى بيوت الايتام الميزان هو هذا وهو ( بالتي هي أحسن )، أي تكون فيه فائدة لهم وهي ليست في صدد التصرفات المعاملية، فعلى هذا الأساس التمسك بالآية الكريمة في غير محله، وهذه المناقشة نحن لا نجزم بكون المقصود منها هو هذا حتماً بل لعل المقصود الأعم حتى في المعاملات ، ولكن الذي نريد أن نقوله إن ما ذكرناه هو احتمال وجيه ويكفينا الاحتمال، لأنَّ الآية الكريمة تصير مجملة ولا يمكن للشيخ الأعظم(قده) أن يتمسك بها في باب التصرفات المعاملية، وإنما هي ناظرة إلى التصرفات بالأكل والشرب والجلوس والذهاب والإياب إلى دور الايتام بهذا المعنى.

ثانياً: - إنه قال هي تشمل حالة وجود الجد، فصحيح أنها لا تشمل الأب لأن الأب إذا كان موجوداً فلا يكونون أيتاماً، فهي تشمل حالة وجود الجد وإذا شملت حالة وجود الجد وثبت أن الجد لا يجوز له أن يقرب أموال أولاد ابنه إلا بالتي هي أحسن نقول حينئذٍ الب كذلك لعدم احتمال الفرق بينهما، ونحن نقول إذا كان الجد موجوداً فهل يصدق عليهم أنهم أيتام والحال أن الجد يتيم؟!! إنه إذا لم يجزم بعدم الصدق فلا أقل يشك في ذلك فغن الجد والدٌ وإنما يصدق عليه أنه يتيم إذا فرض أنه فقد الأب وفقد الجد، أما مع وجود الجد فلا أقل نشك في صدق اليتيم عليه، ويكفينا الشك وبالتالي لا يمكن التمسك بالآية الكريمة فإنه من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية، وهذه مناقشة أشبه بالوجدانية والأمر لك.

ثالثاً: - إذا فرضنا أن الجد موجود وقلنا يصدق على الطفل أنه يتيم فالشيخ قال وبضم عدم احتمال الخصوصية يسري الحكم إلى الأب، ولكن نحن نقول بل نحتمل الخصوصية فإن الجد إذا مكان موجوداً إنما لزم في حقه أن يتصرف إلا بالتي هي أحسن لفرض أن الطرف يتيم فمادام أنه يتيم فالجد لا يجوز له أن يتصرف إلا بالتي هي أحسن، وأنت قلت ( وهكذا يسري الحال على الأب )، ولكن نقول:- إذا افترضنا أنَّ الأب موجود فهذا ليس بيتيم فكيف تسري حكم الجد إلى حالة وجود الأب، فنحن نحتمل أن هذه خصوصية لصدق حالة اليتيم فإذا صدق كونه يتماً فلا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن، أما أن نتعدّى إلى حالة وجود الأب مع احتمال الفصل فالطفل هنا ليس بيتيم مع فرض وجود الأب فهنا كيف تجزم بعدم الخصوصية؟!! فإذا افترضنا أن الأب موجود فالطفل كيف بيتيم فهنا كيف تجزم بعد الخصوصية، نعم إذا تيماً فلا بأس، أما مع وجود الأب فلا يصدق اليتيم ولعل الحكم آنذاك يخفّ على الأب فلا يشترط ﴿ إلا بالتي هي أحسن ﴾ لأنَّ الأب موجود، ولا نستطيع أن نجرم بعدم الخصوصية وبعدم احتمال الفصل بين الجد والأب، فنحن نجزم بعدم الفصل إذا فرض أن الحكم ليس بثابت لعنوان اليتيم فإذا كان ليس ثابتاً لعنوان اليتيم فصحيح أنَّ ما ثبت للجد يثبت للأب وما ثبت للأب يثبت للجد، أما إذا كان الحكم قد ثبت للجد لخصوصية اليتيم كيف تسريه إلى حالة وجود الأب وتقول نحن نجزم بعدم الخصوصية؟!! لأنه إذا كان الأب موجوداً فإنَّ حيثية اليتيم تزول والحكم الثابت للجد من حيث اليتم لا يمكن أن نسرّيه لحالة وجوب الأب التي لا يتم فيها فإن الموضوع اختلف، وتسرية الحكم يتم فيما إذا فرض أنه كان يصدق اليتيم في كلتا الحالتين أو لا يصدق اليتيم في كلتا الحالتين أما أنهي صدق حالة واحدة ولا يصدق في الحالة الثانية فلا مكن تسرية الحكم ونجزم بعدم الخصوصية.

هذا كله بالنسبة إلى ما أفاده الشيخ الأعظم(قده).وأما نحن فنقول: -

أما من حيث اعتبار عدم المفسدة: - فيلزم أن يكون الأمر واضحاً فيعتبر عدم المفسدة، وإلا كيف تحتمل أنه يجوز التصرف المعاملي في مال الصبي؟!! إنَّ الشخص الذي يتصرف بمال الصبي تصرّفاً معاملياً - وهو الأب والجد - مع وجود المفسدة هو سفيه ومعاملته باطلة من الأساس، على أنها جعلت لهم من باب الولاية الائتمان فكيف يتصرف تصرفاً فيه مفسدة للطفل، فأصلاً هذا الاحتمال لا يمكن أن نطرحه، فجزماً يعتبر عدم المفسدة.

أما اعتبار المصلحة فنقول: - إنه يعتبر المصلحة بأدنى مراتبها وإلا إذا لم تكن المصلحة موجودة - يعني اجراء المعاملة كعدم اجرائها - فيكون اجرائها سفهياً، كما لو كان الأطفال في بيتٍ لهم وهو يبيع بيتهم ويبدله ببيت آخر من دون فرق بين البيتين فإنَّ هذه معاملة سفهية، وحتى لو كنت أنت تريد بيع دارك وتبدلها بدارٍ أخرى من دون فرقٍ بين الدارين فأنت سفيه ويمكن الحكم ببطلان معاملاتك، فإذاً لابد وأن نفترض وجود أدنى مصلحة.

إذاً الصحيح اعتبار أدنى مصلحة خلافاً للسيد الماتن وبقية الأعلام حيث قالوا بأنَّ المصلحة ليست لازمة وإنما يكفي عدم المفسدة، ولكن نقول إذا لم تكن المصلحة موجودة فهذا تصرّف سفهي من الأب أو الجد ومعاملة السفيه باطلة، فإذاً لابد وأن نفترض وجود أدنى مصلحة في البين.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo