< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

41/11/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة ( 80 ) جواز تصرف الأب والجد وإن علا في مال الصغير في المعاملات – شروط المتعاقدين.

كان حديثنا في النقطة الخامسة من النقاط التي ترتبط بالمسألة (80 ) وكان مضمون هذه النقطة هي أنَّ ولاية الأب أو الجد في التصرف بأموال الصبي لا تختص بحالة عدالتهما، ما الدليل على ذلك؟ ذكر الشيخ الأعظم(قده) أنه يتمسك لنفي اعتبار العدالة في الولي بالأصل والاطلاقات، وما هو المقصود من الأصل وما هو المقصود من الاطلاقات؟وقد قلنا أما بالنسبة إلى الأصل فقد قلنا إنَّ المقصود منه هو البراءة، يعني بعبارة أخرى الجواز، فإذا كان المقصود هو الأصل العملي فهو إما بمعنى الجواز التكليفي أو بمعنى الجواز الوضعي وهو عبارة عن إمضاء المعاملة من غير العادل، فجوزاها بمعنى إمضاؤها من غير العادل، فإن كان مقصود الشيخ الأعظم(قده) الأول - يعني الأصل بمعنى الجواز التكليفي - كما نقول إنَّ التدخين الأصل فيه هو الجواز والجواز هنا بمعنى الجواز التكليفي فهنا أيضا نقول إن المقصود هو الجواز التكليفي، فإما هذا أو كون المقصود من الجواز الوضعي الصحة أي صحة المعاملة من الولي وإن لم يكن هناك معاملة، فإن كان الشيخ الأعظم(قده) يقصد من الجواز التكليفي فصحيح أنَّ الأصل هو الجواز ولكن ابداء هذا الأمر في غير محلّه، لأنه لا يوجد احتمال الحرمة في أن يقول الوالد بعت مال ولدي - لا الاعطاء والدفع فإنَّ الدفع فعلٌ مترتبٌ على المعاملة – فإن هذا لا يحتمل أحد حرمته حتى في باب الفضولي، فلو قلت في باب الفضولي بعت دار فلان وكان فلان المشتري جالساً وقال قبلت ولكن المالك يقول لا أرضى بالبيع فإنَّ هذا لا حرمة فيه، نعم تسليم الدار وتسجيلها باسم المشتري هو تصرف خارجي وهو لا يجوز أما كإنشاء بيع فلا يحتمل حرمته، وهنا الأمر أيضاً كذلك، فإنَّ الشيخ الأعظم(قده)حينما يقول الأصل هو الجواز فإن كان يقصد الجواز التكليفي فهذا لا معنى له لأن يحتمل أحد أنه حينما يقول الأب بعت أموال ولدي بكذا يكون محرم، فمن البعيد إرادة هذا الاحتمال.وإن كان مقصوده هو الجواز الوضعي بمعنى الصحة، يعني أنَّ المعاملة حينما تقع فهي تقع صحيحة ويتحقق النقل والانتقال فيردّه إنَّ الأصل لا يقتضي النقل الانتقال بل الأمر بالعكس فلو شككنا في تحقق النقل والانتقال فالأصل يقتضي عدم التحقق - والأصل هنا هو الاستصحاب - لأنه سابقاً لم يحصل النقل والانتقال وشك بعد ذلك في تحققهما فنستصحب عدم تحقق النقل والانتقال وبقاء كل عوضٍ على ملك صاحبه.

إذاً اتضح أنَّ الأصل إذا كان بمعنى الجواز التكليفي فلا معنى له ولا يحتمل أحد الحرمة التكليفي حتى بمجرّد صدور اللفاظ، وإن كان المقصود هو الجواز الوضعي بمعنى الصحة والنقل والانتقال، فجوابه إنَّ الأصل يقتضي عدم النقل والانتقال، فإذاً الصل بمعنى الجواز الوضعي باطل فالأول لا معنى له والثاني باطل، لأنَّ الأصل يقتضي بقاء كلٍّ على ملك صاحبه ولا يتحقق النقل والانتقال حين الشك، ولذلك يقال إنًّ الأصل في المعاملات عند الشك هو البطلان عند عدم وجود اطلاق لفظي، أما مع وجود اطلاق لفظي مثل ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ فنتسمك به أما إذا لم يكن الاطلاق موجداً فالأصل هو البطلان، لأنَّ النقل انتقال لم يكن موجود سابقاً فنشك في تحققه فنستصحب العدم، فإذاً الأصل الذي ذكره الشيخ الأعظم(قده) باطل على كلا الاحتمالين.

وأما الاطلاقات: - فقد قلنا إما أن يكون المقصود من الاطلاق هو الاطلاق اللفظي أو المقصود هو الاطلاق المقامي: -

فإن كان المقصود هو الاطلاق اللفظي: - مثل أعتق رقبة فهنا الرقبة ما لم تقيد بالمؤمنة يعني أن كل رقبة يجري عتقها وإن لم تكن مؤمنة بل هي تجزي حتى لو كانت كافرة.

فيردّه: - إنَّ هذا لا يمكن تحصيله، يعني من البعيد أن يحصل الفقيه على رواية فيها لفظ يمكن التمسك بإطلاقه، بأن يقول هكذا ( يجوز لولي الصبي التصرف في مال الصبي ببيع وشراء ) فلو كان يوجد عندنا اطلاق بهذا الشكل فسوف نتمسك بهذا الاطلاق اللفظي حيث قال ( يجوز للولي ) ولم يقل الولي العادل، ولكن لا يوجد عندنا مثل هذا الاطلاق وتحصيله بعيد جدا.

وإن كان المقصود هو الاطلاق المقامي:- فهذا شيء له وجاهة، والمقصود من الاطلاق المقامي هو الاق المقام، لنفرق بني الاطلاق اللفظي والاطلاق المقامي، فلو قلت لك اشتر لنا كتاب الجواهر وكتاب الحدائق، فهنا يوجد إطلاق لفظي إذا لم يقل كتاب الجواهر بالطبعة الجديدة المحققة فمقتضى الاطلاق إذا لم يكن هناك انصراف أنه تجزي أي طبعة لهذا الاطلاق اللفظي، وأما أنَّ كتاب مستند الشيعة للشيخ النراقي هل يجب شراؤه أيضاً أو لا فهنا نتمسّك بالإطلاق ولكن ليس الاطلاق اللفظي وإنما الاطلاق المقامي، يعني أنَّ المتكلم في مقام البيان ذكر الحدائق الجواهر فقط ولم ذكر مستند الشيعة، فمقتضى إطلاق المقام - يعني حيث سكت وهو في مقام بيان الكتب التي يريدها - أنه لا يريد شراؤه، فإن كان مقصود الشيخ الأعظم(قده) هو الاطلاق المقامي فهذا شيء له وجاهة بأن يقال إنَّ الروايات اليت يستفاد منها ولاية الأب أو الجد سكتت عن شرطية العدالة، من قبيل ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( سئل عن رجل أوصى إلى رجل بولده وبمالً لهم وأذن له عند الوصية أن يعمل بالمال وأن يكون الربح بينه وبينهم فقال:- لا بأس من أجل أن أباهم قد أذن له في ذلك وهو حي )[1] ، وهي تامة سنداً كما ذكرنا سابقاً، فهذه الرواية لا يوجد فيها اطلاق لفظي فإن الوارد فيها ( سئل عن رجل )، لكن دلالة هذه الرواية هو أننا قلنا فيما سبق إنه إذا كان إذن الأب في أن يجعل وصياً يتصرف في أموال أولاده فيما بعد فهذا يدل بالالتزام على أنَّ الأب له الحق في التصرف في أموال أولاده وإلا كيف تمضي وصيته والحال أنه لا يجوز له التصرف، فبالدلالة الإلتزامية نستفيد أنَّ الأب ولي، ولكن لا يوجد اطلاق لفظي يمكن أن نتمسّك به، لأنه لا توجد لفظة مطلقة حتى يمكن التمسك بإطلاقها، ولكن التمسّك بالاطلاق المقامي فيه وجاهة، وذلك بأن يقال:- إنَّ الامام عليه السلام هو في مقام بيان حكم فإذا كانت الولاية مختصة بحالة العدالة لكان من المناسب أن يقول ( لا بأس به من أجل أباهم قد أذن له في ذلك وهو حي ولكن إذا كان الأب حينما أوصى كان عادلاً ) فهذا التقييد ليس بموجود والامام في مقام البيان سكت عن بيان الحكم الثاني وهو أنه يلزم أن يكون الولي عادلاً وسكوته يدل على عدم الاعتبار وإلا لم يسكت، فإذاً الاطلاق المقامي له وجاهة، ولكن شرط الاطلاق المقامي أن يكون المتكلم في مقام البين من كل الجهات لا أنه في مقام البيان من جهة دون الجهات الأخرى، فهذه القضية يلزم أن نلحظها ولابد أن تكون موجودة، وإلا قد يشكك شخص ويقول إن الامام عيله السلام لا يريد أن يبين جميع المطالب وإنما هو في صدد بيان هذا المطلب أما الأمور الأخرى فهو ليس في صددها، وهكذا في مثال ( جئني بكتاب الجواهر وكتاب الحدائق ) فإذا كان في صدد ببيان كل ما يحتاجه فهنا سكوته يدل على أن مستند الشيعة لا يريده، أما إذا كان ليس في صدد بيان كل ما يريده وإنما هو يحتاج هذان الكتابان الآن ولكنه لا يريد أن يقول لك أن كل ما يحتاجه هو هذان الكتابان، فهذا ينبغي الالتفات إليه، فإنه حتى الاطلاق المقامي جواز التمسك به مشروط بأن يكون المتكلم في مقام البيان من ناحية جميع الشرائط، ويمكن أن يقال مسألة العدالة مهمة فلو كانت معتبرة لبيّن الامام عليه السلام ذلك، فعدم ذكرها من الوجيهة أنه يدل على عدم اعتبارها.

بقي شيء: - وهو أنه كان من المناسب للشيخ الأنصاري(قده) أن لا يعبر بـ( اطلاقات )، وإنما المناسب أن يعبر ويقول ( إطلاق )، لأنه حينما يقال ( إطلاقات ) سوف ينصرف الذهن إلى الاطلاق اللفظي للروايات.

إلا أن يدافع ويقال: - إنَّ كل رواية فيها اطلاق مقامي فبهذا الاعتبار عبر وقال ( اطلاقات ).

ثم إنه قد يضاف أصلاً جديداً لإثبات عدم شرطية العدالة غير ما ذكره الشيخ الأعظم(قده): - وهو استصحاب العدم الأزلي، فيتمك باستصحاب العدم الألي لإثبات عدم شرطية عدالة الولي ببيان أننا نقول إنه من الأزل وقبل الشريعة لم تشرع الولاية للولي كما لم يشرع اعتبار العدالة للولي، وبعدما جاءت شريعة الإسلام جزمنا بثبوت الولاية للأب أو الجد أما أن يكون عادلاً نشك في تشريعه فنستصحب عدم تشريع شرطية عدالة الولي الثابتة في الأزل، فبناءً على حجية استصحاب العدم الأزلي نستصحب حينئذٍ ونقول إنه بعد الشريعة ثبت الولاية للأب والجد ولكن نشك هل ثبتت شرطية عدالة الولي فنستصحب عدم الشرطية الموجود سابقاً وبذلك يثبت أنَّ العدالة ليست بشرط بمقتضى استصحاب العدم الأزلي.

وهذا شبيه بقرشية المرأة فحينما تشك المرأة أنها قرشية أو ليست قرشية حتى إذا كانت قرشية فوف تتحيض إلى الستين فنقول إنها قبل أت تخلق هي لم تكن وكذلك قرشيتها لم تكن ولكن بعد ذلك وجدت ذاتها أما قرشيتها فنشك في أنها وجدت أو لا فنستصحب عدم قرشيتها، فهنا لأمر كذلك حيث نستصحب عدم شرطية العدلة في الولي، وهذا البيان لم يذكره الشيخ الأنصاري(قده) إلا أن يقول قائل إنَّ الشيخ الأنصاري(قده) حينما قال للأصل فهو يقصد هذا الأصل وهو استصحاب العدم الأزلي، وإذا كان مقصوده هو هذا فلا بأس به.

ولكن إن كان يقصد استصحاب العدم الأزلي فيردّه:- إنَّ هذا موقوف على حجية الأصل المثبت، فإنَّ هذا الاستصحاب أصلٌ مثبت، والوجه في ذلك:- هو أننا نستصحب عدم شرطية العدالة في الولي، وهذا أقصى ما يثبت لنا أنَّ الشرطية لم يشرَّع اعتبارها في حق الولي، ولكن نحن مطلوبنا أننا نريد أن نثبت شيئاً آخر وهو عموم الولاية وسعتها حتى للأب غير العادل، وهذا لازم غير شرعي، فإنَّ عدم تشريع شرطية العدالة إذا كان ثابتاً إلى الآن فإذاً لازمه أن ولاية الأب والجد تكون عامة وشاملة لهما رغم كونها غير عادلين وهذا لازم غير شرعي فيكون أصلاً مثبتاً، ونظيره هذا يأتي في قرشية المرأة ففي قرشية المرأة حينما نستصحب عدم كون هذه المرأة قرشية فهذه المرأة ليست قرشية وغير متصفة بالقرشية فهذا سوف لا يصير أصلاً مثبتاً، لأن هذه سابقا لم تكن وهذه لم تكن متصفة بالقرشية فنستصحب حينئذٍ عدم كون هذه قرشية فهذا لا يصير أصلاً مثبتاً لأننا نشير إلى هذه المرأة، أما في موردنا فأقصى ما نقول هو أنه لم تعتبر شرطية العدالة ولكن الذي نريده هو عموم الولاية وسعتها لغير العادل، وهذا غير ذاك وإنما توجد بينهما ملازمة فحينئذٍ لا يثبت، فيكون أصلاً مثبتاً.

وبهذا اتضح أنَّ التمسك بالأصل بهذا الشكل أو باك الشكل كله محل كلام إلا الاطلاق بمعنى الاطلاق المقامي فإن له وجاهة.هذا كله بالنسبة إلى ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) وما يرتبط به.

وفي مقابل ما ذكرنا[2] قد يستدل على اعتبار عدالة الولي وذلك ببيانين: -

البيان الأول: - التمسك بمعتبرة الفضل بن عبد الملك المعروف بالبقباق، ولا بأس بسندها، حيث رواها الكليني عن حُمَيد بن زياد عن الحن بن محمد عن جعفر بن سماعة عن ابان عن الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام قال: - ( إنَّ الجدَّ إذا زوّج ابنة انبه وكان أبوها حياً وكان الجد مرضياً جاز، قلنا:- فإن هوى أبو الجارية هوىً وهوى الجد هوىً هما سواء في العدل والرضا؟ قال:- أحب إلي أن ترضى بقول الجد )[3] .

وقد يستفاد من هذه الرواية اعتبار العدالة في موردين:-

المورد الأول: - هو تعبير ( وكان الجدَّ مرضياً )، ومرضياً يعني أنه كان عادلاً فهنا جاز.

المورد الثاني: - هو تعبير ( فإن هوى أبو الجارية هوىً وهوى الجد هوىً وهما سواء في العدل والرضا )، فإذاً العدالة معتبرة ولذلك قيل ( وهما سواء في العدل والرضا ).

فإذاً هذه الرواية تدل على اعتبار العدالة في الجد وهذا بالنسبة للأب لعدم الفرق بينهما، فهي وإن كان نظرها إلى الجد ولكن إذا اعتبرنا العدالة في الجد فيأتي في الأب أيضاً.والجواب عليها واضح حيث يقال: -

أما بالنسبة إلى الموردّ الأول: - فإنها قالت ( وكان الجد مرضياً ) ولكن من قال إنَّ تعبير ( مرضياً ) هو بمعنى العدالة؟!! وإنما لعل معنى ذلك أنَّ سلوكه جيد، أما أنَّ نفسره بالعدالة فهذا مجرد احتمال والاحتمال لا يكفي.

وأما بالنسبة إلى المورد الثاني: - حيث قلت إن الرواية قالت ( وهما سواء في العدل والرضا )، وقد قلت إنَّ العدل قد ذكر فإن لم يكن معتبراً فلماذا ذكره، ولكن نقول:- إنَّ السائل هو الذي يتكلم وليس الامام عليه السلام هو الذي قيّد بذلك، فلو كان الذاكر له هو الامام عليه السلام فهذا له وجاهة، أما أنَّ السائل هو الذي يتكلم بذلك فلا عبرة بالقيد الذي يذكره السائل.

فإذاً هذه الرواية محل تأمل في التمسّك بها.

[2] من أنه قد يستدل على اعتبار العدالة بالأصل والاطلاق كما ذكر الشيخ الأنصاري ونحن أضفنا استصحاب العدم الأولي.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo