< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

41/10/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة ( 80 ) جواز تصرف الأب والجد وإن علا في مال الصغير في المعاملات – شروط المتعاقدين.

النقطة الثانية: - الولاية ثابتة للجد للأب وإن علا.

وهذا يشتمل على أحكام ثلاثة: -

الحكم الأول: - ثبوت الولاية للجد.

الحكم الثاني: - هذه الولاية ثبات للجد من طرف الأب دون الأم.

الحكم الثالث: - إنَّ الولاية ثابتة لجد وإن علا، يعني ليس الجد المباشري وإنما هي ثابتة لب الجد ود الجد وهكذا؟

أما بالنسبة إلى الحكم الأوّل: - فقد تكلمنا عنه فيما سبق واستفدناه من ذيل رواية عبيد بن زرارة بالبيان المتقدم.

وأما بالنسبة على الحكم الثاني: - فقد قلنا إنه يكفينا في اثباته القصور في المقتضي، يعني أن التعبير للجد من طرف الم هو الذي يحتاج إلى دليل حيث أن الدليل غير موجود على هذه التوسعة بحيث يشمل الجد من طرف الأم فحينئذٍ نقول بعدم ثبوت الولاية لأن الولاية تحتاج إلى اثبات أما عدم الولاية فهي مقتضى الأصل الأولي فعند الشك في ثبوت الولاية للجد من طرف الأم فبالتالي إذا أجرى بيعاً لا يمكن أن نقول يشمله عموم ﴿ أوفوا بالعقود ﴾[1] أو ﴿ أحل الله البيع ﴾ أو ﴿ تجارة عن تراضٍ ﴾[2] لأنَّ هذه مختصة بمن يكون صاحب حق والمفروض أناه لا نحرز أنَّ الجد من طرف الأم صاحب حق فعموم ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ وغير ذلك يكون التمسك من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية وهو لا يجوز، ولا نحتاج إلى كل هذا التطويل بل يكفيك ان تقول إن ثبوت الولاية هو الذي يحتاج إلى دليل ومع عدم الدليل لا يمكن تطبيق أحكام صحة العقد إذا جرى من طرف الجد للأم، فإذاً النكتة الأولى التي استندنا لعدم ثبوت الولاية للجد من طرف الأم هو القصور في المقتضي.

بل يمكن أن نصعد اللهجة قليلا ونقول:- بل يوجد ما يستفاد منه نفي الولاية عن الجد إذا كان من طرف الأم لا مجرد القصور في المقتضي فقط، والذي ينفي ولايته هو صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة وهي الرواية الأولى من الروايات الأربع التي ذكرناها في الحكم الأول في النقطة الثانية، وهي صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام: - ( إذا زوج الرجل ابنة ابنه فهو جائز على ابنه )، فهذا معناه أنّ ولاية الجد خاصة من طرف الأب لأن الرواية عبرت وقالت ( إذا زوّج الرجل ابنة ابنه ) وإلا إذا كانت عامة للجد من طرف الأم فكان المناسب أن يقول ( إذا زوج الرجل ابنة انبه أو بنته ) حتى يدخل الجد للأم، أو على الأقل بدل كلمة ( ابنة ابنه ) يقول ( ابنة ولده ) فإنَّ كلمة ولد تعم الذكر والأنثى معاً كقوله تعالى ﴿ يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين ﴾[3] ، فكلمة ولد تعم الذكر والأنثى ولكن كلمة ( الابن ) خاصة بالذكر، وهذه شرطية، فالرواية حصرت وقالت ( إذ زوّج الرجل ابنة ابنه ) وهذا معناه أنه لا توجد ولاية للجد للأم في باب الزواج، وبالأولى لا تثبت في باب المعاملات من بيع وشراء، لأنَّ الولاية ثابته للجد وهكذا للأب بحسب الروايات بالنسبة إلى التزويج ولكن نعديها إلى سائر المعاملات من باب إلغاء الخصوصية مثلاً أو من باب ( أنت ومالك لأبيك )، فالمهم أن هذه الرواية حصرت ولاية الجد بما إذا كان من طرف الأب لأنها عبرت وقالت ( ابنة ابنه ) ولم تقل ( ابنة ابنه أو بنته ).

فهذه وراية واحدة يمكن التمسك بها لنفي ولاية الجد للأم في تزويج ابن بنته أو بنت بنته، فهذه الرواية دالة بوضوح على ذلك، فإنَّ التزويج ليس بثابت له وإذا لم يكن التزويج ثابتاً فبلا إشكال لا يجوز سائر المعاملات من باب الأولوية أو من باب عدم القول بالفصل أو غير ذلك.

وتوجد رواية ثانية في هذا المورد يمكن أن تذكر:- وهي الرواية الرابعة من الروايات الأربع المتقدمة، وهي رواية عبيد بن زرارة ( أنت ومالك - وما لك - لأبيك )، التي تمسك بها الامام الصادق عليه السلام حيث قال:- ( فلما سألني اقبلت على الذين أجابوه فقلت لهم أليس فيما تروون انتم عن رسول الله صلى الله عليه وآله أن رجلاً جاء يستعديه على ابيه في مثل هذا فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله " أنت ومالك - وما لك - لأبيك " ) [4] ، فهذا خطاب لوالد الطفل والامام عليه السلام إذا كان الابن وما يملك لأبيه - أي للجد - فكيف لا تكون للجد الولاية في باب النكاح، ونحن قلنا إنه يلزم ثبوتها في سائر المعاملات من بيع وشراء لعدم الفرق، فالمهم أنَّ الرواية عن النبي صلى اله عليه وآله وسلم قالت ( أنت ومالك لأبيك ) فـ ( أنت ) يعني لابن وهي تختص بالذكر فعلى هذا الأساس مادمت أيها الولد الذكر لأبيك الذي هو صير جد البنت اليت هي محل الابتلاء فالولاية ثابتة للجد الذي يكون من طرف الأب ولا يعم الجد من طرف الأم لأن ( أنت ) خاصة بالذكر ولا تشمل البنت، إنه ربما يتمسك بهذه الرواية.

ولكن في المقابل يمكن أن يقال: - إن أن النبي صلى الله عليه وآله سلم من باب أن النزاع كان بين الابن والأب فقال له ( أنت ومالك لأبيك ).

فعلى أي حال التمسك بهذا قد لا يكون قوياً وإنما المهم هو ما ذكرناه أولاً وهو قوله عليه السلام ( إذا زوّج الرجل ابنة ابنه ) ولم يقل ( ابنة ابنه أو نبته ) قيد بأن يكون الجد من طرف الأب وليس من طرف الأم.

والخلاصة التي انتهينا إليها لحد الآن: - هي أنَّ الولاية تختص بالجد من طرف الأب والنكتة في ذلك أمران الأول القصور في المقتضي والثاني ما قد يستفاد من عدم ثبوت الولاية مثل صحيحة محمد بن مسلم ( إذا زوّج الرجل ابنة ابنه ) فهو قيّد بـ( ابنة ابنه ) ولم يقل ( ابنة ابنه أو بنته )، وأما رواية ( أنت ومالك لأبيك ) فقد يكون فيها تأملاً لما أشرنا إليه.

هذا بالنسبة إلى الحكم الثاني الذي تشتمل عليه النقطة الثانية من نقاط المتن.

الحكم الثالث: - الولاية ثابتة للجد وإن علا.

وهذا الحكم لم ينقل فيه خلاف بين الأصحاب، ويمكن أن يستدل له بحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( أنت ومالك لأبيك ) فهو يشمل الأب الأول وأيضاً يشمل الأب الثاني وكذلك الأب الثالث، وكل واحد منهم يصير مالكاً بهذا المعنى لابنه وماله، وهذا الابن عنده ابن وذاك الابن عند ابن ...... وهكذا، فعلى هذا الأساس هذه الرواية تشمل جميع الآباء وإن علوا فإنه يصدق عليهم ذلك، فمن هذه الناحية لا موجب للتوقف.

مضافاً إلى ذلك يمكن أن نتمسك ما جاء في رواية علي بن جعفر والتي هي الرواية الثانية من الروايات المتقدمة، حيث جاء فيها: - ( الذي هوى الجدّ أحق بالجارية لأنها وأباها للجد ) [5] ، وهذا لا يختص بالجد الأول وإنما يشمل أب الجد وجد الجد، وسوف يصير الجد والجارية للجد ثم نطبق هذا على الجد الأول فيكون هو وماله - أي هو وبنه وحفيدته - للجد الثاني ... وهكذا، فتنطبق هذه على جميع مراتب الأجداد، فعلى هذا الأساس لا موجب للتوقف من هذه الناحية ، وسوف تصير النتيجة هي أنَّ الجد وإن علا مادام من طرف الأب فسوف تثبت له الولاية، وهذه المسألة ليست خلافية مضافاً إلى النكتتين اللتين أشرنا إليهما، أحدهما أن ( أنت ومالك لبيك ) تشمل الكل ، وثانيهما قوله عليه السلام ( لأنها وأباها للجد ) هي أيضا تشمل جميع مراتب الأجداد.

يبقى شيء: - وهو أنَّ الولاية ثابتة للأجداد ولكن لابد أن يكون الأجداد كلّهم من طرف الأب ولا يكون أحد منهم من طرف الأم، مثلاً جدّ الجد من طرف أمه لا يدخل لما ذكرناه سابقاً من أن التسلسل كلّه لابد أن يكون من طرف الأب، وهذا قد ذكرناه في الحكم الثاني وقلنا إن ذلك لفكرة القصور في المقتضي، كما أضفنا له شيئان، وهذا أمرٌ واضح، فكل تسلسل الأجداد لابد أن يكون من طرف الأب وليس من طرف الأم.

وقد تسأل وتقول: - لماذا هذا التكرار فقد عرفنا هذا في الحكم الثاني فلماذا تكرره هنا؟

قلت:- إنَّ السبب في هذه الإشارة أن العلامة الحلي في التذكرة توجد عنده عبارة يقول فيها إذا اجتمع أجداد بعضهم من طرف الأب وبعضهم الآخر من طرف الأم فالمقدّم هو الجد من طرف الأب وإذا انفرد أحدهما فيف ثبوت الولاية له نظر، ونحن نقول للعلامة:- إنه من الأول الأجداد من طرف الأم لا يوجد دليل على ثبوت الولاية لهم من الأول فلم يرد في النص ( الجدّ له الولاية ) حتى نقول إنَّ كلمة الجد قابلة للشمول لما كان من طرف الأم، وإنما اقصى ما ورد هو ما قرأناه وهو ( لأنها وأباها للجد )،وهذه الرواية ناظرة إلى الأجداد من طرف الأب، فلا يوجد تعبير ( جد ) وحده حتى نتمسك بإطلاقه، فأنت أدخلت الأجداد للأم وهذا غير صحيح، بل عليك أن تقول من البداية أنَّ الأجداد للأم لست لهم ولاية، فطرحك من الأساس في غير محله، ثم قُلتَ:- إذا انفرد الأجداد من طرف الأم فهذا فيه نظر، ولكن نقول:- لا تقل إنَّ فيه نظر، بل قل لا ولاية لهم جزماً، ونصّ عبارته:- ( والوجه أن جدَّ أم الأب لا ولاية له مع جدّ أبِ الأب ومع انفراده نظر )[6] ، والشاهد أنه قال لا ولاية له مع جدّ أبِ الأب يعني عند الاجتماع لا ولاية له، وهذا معناه أنه عند عدم الاجتماع يوجد مجال تكون له الولاية ولذلك هو قال فيه نظر، والحال أنه هنا لابد أن يجزم بكونه لا ولاية له لا أنه يوجد في ذلك نظر، فأولاً لا يوجد دليل على أنَّ الأجداد من طرف الأم لهم الولاية فلابد من الجزم بعدم الولاية، وثانياً لو تنزلنا وقلنا بثبوت لولاية لهم جميعاً ولكن نقول لماذا تقدم الأجداد من طرف الأب على الأجداد من طرف الأم، بل مادامت الولاية ثابتة لهم جميعاً فهذا التردد لا مجال له، بل قل الولاية ثباتة لكيلهما ومن سبق فقد أعمل ولايته وانتهى الأمر، لا أنك تقول نرجح الأجداد من طرف الأب؟!!

وبهذا ننهي حديثنا عن النقطة الثانية من مسألتنا بأحكامها الثلاثة.

النقطة الثالثة: - نحن قلنا إنَّ الولاية ثباتة للجد من طرف الأب في باب المال - أما في باب الزواج فولايته مسلّمة ولا كلام فيها وإنما حديثنا هو في ولايته في باب المعاملات غير النكاح كالبيع والاجارة -، فالنقطة الثالثة التي أشار إليها السيد الماتن في عبارة المتن هي أنَّ الولاية ثابتة في كل المعاملات لا في خصوص باب البيع والشراء بل كل معاملة توجب الاسترباح وحصول الربح فهي مشمولة لولاية الأب والجد من دون فرقٍ بين هذين الأمرين، فكل معاملة توجب الاسترباح أو غير معاملة، لأنَّ الأب أو الجد تارة يتصرف بمعاملة وتارة يتصرف بغير المعاملة كما لو اشترى لابنه دراجة أو عباءة أو ساعة أو ما شابه ذلك كما هي السيرة الجارية عند الآباء الآن بأن يفتح حصّالة الطفل ويشتري له بها دراجة أو كاميرا أو غير ذلك، فالمقصود أنَّ الأب أو الجد يجوز له التصرف في أموال الطفل سواء كان بمعاملةٍ توجب الاسترباح أو لم يكن بمعاملة كشراء دراجة له أو غير ذلك.

وقد تسأل وتقول: - هل يشترط في تصرفه أن يكون فيه مصلحة أو يكفي عدم المصلحة؟

قلت: - إنَّ هذا سيأتي فيما بعد ولكن الآن نريد أن نعمم من كلتا الناحيتين.

وما هو الوجه في هذا التعميم؟

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo