< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

41/10/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة ( 80 ) جواز تصرف الأب والجد وإن علا في مال الصغير في المعاملات– شروط المتعاقدين.

وفيه: - إنَّ هذا يتم فيما إذا فرض أن الرواية ثبت من حلالها جواز أن يأكل الوالد كيفما شاء ولو بنحو الاتلاف بأن يأكل أكثر من الحاجة، فإن قلنا إن الروايات تدل على الجواز بهذا الشكل وليس بمقدار الضرورة والحاجة فليس من البعيد أنَّ الملازمة العرفية قد تأتي، فإنه إذ جاز له أن يأكل أكثر من حاجته فبالأولى يجوز للوالد أن يتصرف بما ولده ببيع وشراء للولد، فإن هذا ليس إتلافاً، لأنَّ الأب يشتري ويبيع لصالح الولد ولا أقل عدم المفسدة.

ولكن ربما يقال: - إنَّ هذه الروايات لابد من تقييدها بمقدار الحاجة، كما لو كان الأب جائعاً ولا يوجد عنده شيء فهنا يجوز له أن يأكل من أموال ولده، لأنَّ هذا أكل بمقدار سدّ الرمق ومن جوازه لا يثبت جواز تصرف الوالد بأموال ولده ببيع وشراء، فالأولوية إنما تأتي فيما إذا استفدنا من الروايات جواز التصرف بأموال الولد بأكلٍ وشربٍ مطلقاً ولو كان زائداً على مقدار الحاجة، أما إذا قيدناه بمقدار الحاجة والضرورة فلا أولوية حينئذٍ، وتوجد أربع روايات يمكن أن يستفاد منها الجواز بمقدار الحاجة فتكون مقيدات لهذه الرواية وهي:-

المقيد الأول:- صحيحة أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام حيث جاء فيها:- ( إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال لرجل:- أنت ومالك لأبيك، قال بو جعفر عليه السلام:- ما أحبّ أن يأخذ من مال ابنه إلا ما احتاج إليه مما لابد منه " إنَّ الله لا يحب الفساد" )[1] .

وقد يقول قائل: - إنَّ الامام عليه السلام قال ( ما أحبّ ) ولم يقل ( لا يجوز ) فلو قال ( لا يجوز أن يأخذ من مال ابنه إلا ما احتاج إليه ) لفهمنا منها عدم الجواز، ولكنه قال ( ما أحبُّ ) وهذا معناه أنَّه يكره هذا ولكنه يجوز، وعليه فسوف لا تنفعنا هذه الرواية.

وجوابه:- إنَّ استشهاد الامام عليه السلام بالآية الكريمة التي تقول ﴿ إن الله لا يحب الفساد ﴾ فهو حينما قال ( ما أحبَّ ) واستشهد بهذه الآية الكريمة أيضاً فهذا يفهم منه أنه لا يجوز لأنَّ الله تعالى لا يحب الفساد بنحو الحرمة والالزام لا مجرّد الكراهة، فبقرينة الاستشهاد بالآية الكريمة نفسّر قول الامام عليه السلام حينما قال ( ما أحبّ أن يأخذ من مال ابنه إلا ما احتاج إليه ) بأنه ليس مجرّد كراهة وإنما لا يجوز ذلك على مستوى ﴿ إن الله لا يحب الفساد ﴾، فتكون هذه الرواية مقيّدة لتلك الرواية وأنه لا يجوز مطلقاً، بل بمقدار وفي حدود الضرورة والحاجة.

المقيد الثاني:- ما جاء صحيحة ابن سنان قال:- ( سألته:- ماذا يحل للوالد من مال ولده؟ قال:- أما إذا أنفق عليه ولده بأحسن النفقة فليس له ان يأخذ من ماله شيئاً )[2] ، فهذه الصحيحة دلت على أنه يجوز له التصرف بمقدار الحاجة والضرورة، وسندها معتبر حيث رواها الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن حمّاد عن عبد الله بن المغيرة عن ابن سنان، وابن سنان هنا هو عبد الله بن سنان.

المقيد الثالث: - ما رواه علي بن جعفر عن أبي إبراهيم عليه السلام، ونصّها: - ( سألته عن الرجل يأكل من مال ولده؟ قال:- لا إلا أن يضطر إليه فيأكل منهب المعروف ولا يصلح للولد أن يأخذ من مال والده شيئاً إلا بإذن والده )[3] ، وفي السند سهلٌ فإن قلت إنَّ الأمر فيه سهل فحينئذٍ لا مشكلة في سندها، ودلالتها واضحة، فإنَّ الامام عليه السلام قال ( لا إلا أن يضطر إليه فيأكل منه بالمعروف )، يعني يأكل منه بالمتعارف لا أنه يأكل كلّ أموال ولده فإنَّ هذا ليس أكلاً بالمعروف، فدلالة هذه الرواية جيدة، ولكن تبقى مسألة السند وهي على المبنى.

المقيد الرابع: - ما رواه الحسين بن أبي العلاء قال:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- ما يحل للرجل من مال ولده؟ قال:- قوته بغير سَرَف إذا اضطر إليه )[4] ، والحسين بن العلاء من ثقات أصحابنا، وقد رويت بطرق متعددة بعضها معتبر، ودلالتها واضحة جداً.

والخلاصة من كل هذا: - اتضح أنَّ الوجه الرابع الذي قد يتمسّك به لجواز تصرف الوالد في مال ولده بالبيع والشراء أنه قابل للتأمل والمناقشة، لعدم ثبوت الأولوية، فهو حاله كحال الدليل الثالث الدال على جواز التزويج، فالوجهان الثالث والرابع كلاهما محل تأمل.

الوجه الخامس: - ما ورد في إيجار الأب ولده، يعني بأن يجعل ولده الصغير عاملاً عند بقّالٍ أو خبّازٍ أو غير ذلك، فالأب له الحق في أن يصنع ذلك، ونذكر في هذا المجال روايتان: -

الأولى: - ما رواه الصدوق عن محمد بن عيسى اليقطيني: - ( أنه كتب إلى ابي الحسن علي بن محمد العسكري عليهما السلام في رجل دفع ابنه إلى رجل وسلّمه منه سنةً بأجرة معلومة ليخيط له، ثم جاء رجل فقال سلّم ابنك منّي سنةً بزيادة هل له الخيار في ذلك وهل يجوز له أن يفسخ ما وافق عليه الأول أم لا؟ فكتب عليه السلام:- يجب عليه الوفاء للأول ما لم يعرض لابنه مرض أو ضعف )[5] ، بتقريب أنَّ هذه الرواية تدل على أنَّ الأب له الولاية على ولده بلحاظ جميع شؤونه وأموره بما فيها الاجارة عند خاط أو غير ذلك، وهي معتبرة السند فإنه لا بأس بسندها، فإنَّ طريق الصدوق هكذا:- ( أبوه رضي الله عنه عن سعد بن عبد الله عن محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني ) فالسند معتبر فإنَّ ( أبوه ) هو والد الصدوق، وسعد بن عبد الله فهو الأشعري القمي صاحب كتاب الرحمة وهو من أجلّة أصحابنا، ومحمد بن عبيد الله اليقطيني لا مشكلة فيه أيضاً، ويوجد سند آخر أيضاً وهو ( محمد بن الحسين رضي الله عنه عن محمد بن الحسن الصفّار عنه ) وهذا الطريق لا بأس به أيضاً، فإذاً طريقها معتبر.

الثانية: - ما رواه إسحاق بن عمّار: - ( دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فخبرته أنه ولد لي غلام، قال:- ألا سميته محمداً؟ قلت:- قد فعلت، قال:- فلا تضرب محمداً ولا تشتمه جعله الله قرة عين لك في حياتك وخلف صدق بعدك، قلت:- جعلت فداك في أيّ الأعمال أضعه؟ قال:- إذا عدلته[ عزلته ][6] عن خمسة أشياء فضعه حيث شئت، لا تسلّمه صيرفياً فإنَّ الصيرفي لا يسلم من الربا، ولا تسلّمه بيّاع أكفان فإنَّ صاحب الأكفان يسرّه الوباء، ولا تسلّمه بياع طعام فإنه لا يسلم من الاحتكار، ولا تسلّمه جزّاراً فإنَّ الجزار تسلب منه الرحمة، ولا تسلّمه نخاساً فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال شرّ الناس من باع الناس )[7] ، ومضمونها نفس مضمون الرواية السابقة تقريباً، فهي واردة في اجارة الولد.

والخلاصة: - إنَّ هذه الطائفة الأخيرة دلت بوضوح على أنَّ الأب له الولاية في أن يذهب بولده إلى شخصٍ ويجعله عاملاً عنده.

والجواب: - إنَّ هذا يرتبط بالمسألة التالية ولا يرتبط بمسألتنا، فقد قلنا إنه مرة يقع الكلام في أنه هل يجوز للأب التصرف في أموال الصبي بأن يبيع ويشتري للصبي، ومرة أن يجعله عاملاً عند شخصٍ آخر، وجواز الثاني لا يلازم جواز الأول، فلا توجد أولوية عرفية في البين، فهاتان الروايتان لابد من ذكرهما في المسألة التالية التي ترتبط بتشغيل الولد لا أن يذكرا في هذه المسألة، إلا أن يقول قائل إنه لا فرق بين المطلبين فإنه إذا جاز جعله عاملاً جاز التصرف في أمواله ببيع وشراء للولد، ولكن هذه الدعوى عهدتها على مدّعيها.

إذاً النقطة الأول في هذه المسألة - وهي أنه يجوز للأب أن يتصرف في أموال ولده-:- عرفنا من خلال ما تقدم أنَّ الدليل الأول والثاني تامان، ولكن الدليل الثالث وهو الروايات فكلّ الروايتان يوجد فيها تأمل إلا الرواية الأولى وهي صحيحة مسلم، فهي تدل بصراحة على أنَّ الأب أذن لشخص في أن يتصرف في أموال ولده نيابةً عنه إذا مات، أيَّ أنه جعله وصيّاً وهذا معناه أنَّ الأب له الحق في ذلك حتى يتمكن أن ينقل الحق إلى الغير، كما أنَّ رواية خالد الطويل دلالتها جيدة لولا سندها، أما باقي الروايات فقد اتضح أنها قابلة للمناقشة، نعم قد يصلح بعضها على مستوى التأييد ولكن هذه قضة ثانية، لكن التام منها دلالة هو الرواية الأولى والثانية ولكن الرواية الأولى - وهي صحيحة محمد بن مسلم - تامة سنداً ودلالة، وأما رواية خالد الطويل فهي بمضمون صحيحة محمد بن مسلم ولكن سندها قابل للتأمل من ناحية خالد الطويل.


[6] هذا ما هو موجود في العلل على ما ينقل في هامش الوسائل.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo