< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

41/10/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة ( 80 ) – شروط المتعاقدين.

مسألة (80 ) يجوز للاب والجد للأب وإن علا التصرف في مال الصغير بالبيع والشراء والاجارة وغيرها. وكل منهما مستقل في الولاية فلا يعتبر الاذن من الآخر...........

..........................................................................................................

وقبل أن ندخل في نقاط المسألة وأحكامها ربما يخطر إلى الذهن: - أنه ما هو الوجه في لذكر هذه المسألة هنا، يعني دخلنا في مسالة أنَّ الأب له الولاية أو الجد كذلك فما هو ربط هذه المسألة ببحثنا؟

والجواب: - إنَّ كلامنا كان في شروط المتعاقدين وماذا يلزم في المتعاقدين ولكن الشرط الرابع أنه كان يعتبر في المتعاقدين القدرة شرعاً على التصرف في المبيع وفي الثمن وفي النقل والانتقال إما لأنه مالك أو كيل عن المالك أو لأنه ولي على المالك، فباعتبار أنه ولي على المالك فبهذه المناسبة في هذه المسألة تعرض السيد الماتن إلى أنَّ الولاية ثابتة للأب والجد للأب، وهذا شيء، وهناك شيئاً ثانياً وهو أنَّ هذا الأب أو الجد للأب الذي له الولاية مرة يتصرف في أموال الصبي بالبيع والشراء والاجارة وهذا هو محل كلامنا ومرة يتصرف في ذات الصبي لا في ماله بأن يؤجره فيجعله صانعاً عند بقّال أو نجّار أو غير ذلك، فإذا أراد أن يؤجره كعامل أو أراد تزوجه وهو صغير أو أراد ختانه أو أراد حلق شعر رأسه وغير ذلك من التصرفات في ذات الصبي، وهذه مسألتنا ناظرة إلى التصرف في أموال الصبي، أما المسألة اللاحقة فهي تتطرق إلى التصرف في ذات الصبي.

ونضيف شيئاً، وهو أنَّ هذا الفصل والذي بقي فيه أربعة مسائل تقريباً كلها ترتبط بالصبي والتصرف في ماله أو التصرف في نفسه، هذه صورة اجمالية عمّا يرتبط بهذه المسألة.

وتشتمل هذه المسألة على عدة نقاط: -

النقطة الأولى:- إنَّ الأب وهكذا الجد للأب يجوز له التصرف في أموال الصبي ببيع وشراء وما شاكل ذلك، أما ما هو الدليل على ثبوت هذه الولاية؟ قال صاحب الجواهر(قده) ( الاجماع بقسميه عليه مضافاً إلى النصوص المستفيضة أو المتواترة )[1] ، يعني أنَّ الدليل هو أمران الاجماع والنصوص المستفيضة، وعبر الشيخ الأعظم(قده)[2] بتعبير قريب مما ذكره صاحب الجواهر حيث قال:- ( ويدل عليه قبل الاجماع الأخبار المستفيضة ).

إذاً العلمان وغيرهما استدلوا على ثبوت الولاية للاب والجد مثل التصرف في أموال الصبي ببيع وشراء وما شاكل ذلك بالاجماع والأخبار المستفيضة.

وفي هذا المجال نحن نقول: - إنه يدل على ذلك: -

أولاً: - إنَّ قضية التصرف في أموال الصبي هي قضية ابتلائية، فبلا إشكال الصبي توجد عنده أموال فهل نبقي هذه الأموال ونكدّسها؟ كلا وإنما هذه الأموال التصرف فيها أمر ابتلائي كما لو اشترى الأب لابنه دراجة هوائية مثلاً من أموال الصبي، فهذه مسألة ابتلائية والمسألة الابتلائية يلزم أن يكن الموقف الشرعي فيها واضحاً لأنها ابتلائية، هذه مقدمة، والمقدمة الأخرى هي أنه لو كان ذلك لا يجوز لاشتهر وذاع والحال أن المعروف بين الفقهاء حتى ربما يدعى أنه وصل إلى مرحلة الاجماع هو جواز لتصرف في أموال الصبي أما انه بمقدار المصلحة أو بمقدار عدم المفسدة فهذه قضية ثانية، فيحصل للفقيه الجزم بجواز التصرف ويفتي على طبق ذلك، وهذا الدليل لا يسمى اجماعاً وإنما هي طريقة أخرى ولا يهمنا ما هو اسمها، وإن شئت سمّها الدليل الخامس هي ( لو كان لاشتهر، وحيث لم يشتهر عدم الجواز وإنما المشتهر هو الجواز فيحصل للفقيه القطع )، فإذاً نحن حينما قرأنا الأدلة في بداية دراستنا سمعنا أن الأدلة أربعة وهي الكتاب والسنة والعقل والاجماع، أما هذه الدليل فلا يدخل تحت واحد من تلك الأدلة الأربعة وإنما هو دليل جديد، فمادام يورث الاطمئنان أو القطع للفقيه فنِعم الدليل مثل هكذا دليل سيّال فيمكن تطبيقه في الكثير من الموارد.

ولو قلت: - إنَّ هذا اجماع بصيغة جديدة.

فنقول: - إنَّ هذا مقبول ولكن هذه الصيغة هي ليست تلك الصيغة التي ذكرها العلمان.

ثانياً: - التمسك بفكرة السيرة، فإنَّ السيرة جرت على تصرف الآباء في أموال أطفالهم بأن يشتروا لهم منها أشياءً كشراء دراجة هوائية لهم أو ثواباً، فهذه السيرة جارية على تصرف الآباء في أموال أولادهم وهذه السيرة حيث لم يردع عنها فتكون ممضاة وبذلك يثبت الجزم بالجواز.

وهذا الدليل غير الدليل الأول، فإنَّ الدليل الأول قال إنَّ هذه مسألة ابتلائية والمسألة الابتلائية لابد أن يكون الموقف الشرعي فيها واضحاً، والواضح هو جواز التصرف لأنَّ الفقهاء يفتون بذلك وإلا لو كان الموقف الواضح هو عدم الجواز لأفتوا بذلك ولا أقل لحصل الخلاف، أما هذه الدليل فهو تمسك بالسيرة فيقال هناك سيرة جارية على ذلك وحيث لا ردع فيثبت بذلك الامضاء.

وقد يشكل على السيرة:- بأنَّ حجية السيرة متوقفة على عدم الردع، وربما يقال عن الرادع موجود مثل قوله تعالى ﴿ ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ﴾[3] ، ولعله توجد آيات أخرى بمضمونها، وهذا أكل بالباطل، لأنه من دون إجازة المالك فإنَّ المالك صبي فحتى لو أجاز فإنَّ رضاه كعدم رضاه وقوله لا ينفع فهذا يكون أكلاً للمال بالباطل، فالردع موجود ويكفينا احتمال الردع لا الجزم به، والرادع الثاني هو الرواية التي ستأتي وهي رواية محمد بن القاسم بن الفضيل.

وفي الجواب نقول: -

أما الآية الكريمة: - فيمكن أن يقال إنَّ ﴿ لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ﴾، يعني أنت لا تأكل المال بالطرق الباطلة، ومن المعلوم أن الأب لا يأكل مال الصبي وإنما يشتري به لنفس الصبي، فالآية منصرفة إلى أن الشخص هو الذي يأكل مال الغير أما هنا فالآكل للمال هو المالك، فالآية الكريمة منصرفة عن ذلك.

قد يجاب بجوابٍ آخر: - وهو أنَّ هذه السيرة موجودة ومثل هذه السيرة القوية تحتاج إلى ردع قوي، ولا يكفي الردع بمثل عموم هذه الآية الكريمة، بل نضيف نقول إنَّ هذه الآية بمرأى ومسمع من الجميع ومع ذلك لا يعتدون بها، وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدل على أنها ليست صالحة للردع.

وأما بالنسبة إلى الرواية: - وهي ما رواه محمد بن القاسم بن الفضيل: - ( سألت أبا الحسن الأول عليه السلام عن رجل اشترى من امرأة من آل فلان[4] بعض قطائعهم وكتب عليها كتباً بأنها قد قبضت المال ولم تقبضه فيعطيها المال أم يمنعها[5] ؟ قال:- قل له ليمنعها أشد المنع فإنها باعته ما لم تملكه )[6] ، وموضع الشاهد هو قوله عليه السلام ( فإنها باعته ما لم تملكه ) يعني أنَّ كل شخص يبيع غير ملكه فهذا البيع يقع باطلاً، والمفروض في كلامنا أنَّ الأب حينما يتصرف فهو يبيع ويستري ما لا يملك وإنما الذي هو ابنه الصبي فبمقتضى هذه الرواية يكون هذا البيع باطلاً، فإذاً هذه السيرة مردوع عنها بواسطة هذه الرواية.

والجواب: -

أولاً: - يرد على أنَّ هذه الرواية المفروض فيها أنها حينما باعت فهي باعت ما لم تملكه عن نفسها لا لمصلحة الصبي، والرواية ليست ناظرة هذه المسألة وإنما هي ناظرة إلى التصرفات إذا باعت أو اشترت لصالح نفسها لا ما إذا حصل البيع لمصلحة الغير وفائدته وهو الصبي، فإذاً الرواية لا تنفع من هذه الجهة.

ثانياً: - إنَّ مثل هذه السيرة المستحكمة على تصرف الآباء في أموال أطفالهم تحتاج إلى ردع قوي لا مثل هذه الرواية وحدها.

ثالثاً: - إنَّ السيرة مادامت منعقدة رغم اطلاع الفقهاء وغيرهم على هذه الرواية فهذا يدل على أنها ليست صالحة للردع وإلا لارتدعوا بسببها، فإذاً وجود الرواية ومعرفتهم بمثلها وبمضمونها - ومن الواضح إنَّ مضمون هذه الرواية يعرفه الكل من دون حاجة إلى هذه الرواية فن الخص إذا باع شيئاً لا يملكه فهذا البيع باطل - مع ذلك سيرتنا أننا نبيع ونشتري بأموال أطفالنا رغم معرفتنا بهذا الحكم فهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدل على شيء آخر غير مورد الأب إذا أراد أن يتصرف في أموال الصبي، فهي لا تصلح للرد.

فإذاً تبقى السيرة حجة من دون رادع.


[4] وهذه الكلام صدر تقية، لأن آل فلان يعني السلطان من بني العباس مثلاً.
[5] لأن آل فلان ذهبوا وذهبت صولتهم فهو يستطيع ان يمنعها لأن هذه الأرض في الحقيقة ليست لها لأن الوالي هو الذي أعطاها لها وهي ليست ملكه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo