< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

41/10/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة ( 79 ) حكم من باع نصف الدار المشتركة بينه وبين غيره – شروط المتعاقدين.

مسألة (79 ):- إذا كانت الدار مشتركة بين شخصين على السوية فباع أحدهما نصف الدار فإن قامت القرينة على أن المراد نصف نفسه أو نصف غيره أو نصف في النصفين عمل على القرينة، وإن لم تقم القرينة على شيء من ذلك حمل على نصف نفسه لا غير.

..........................................................................................................

قبل الشروع في المسألة نذكر قضية جانبية: - وهي أنَّ هذه المسألة يلزم أن تحذف من الرسالة العلمية، لأنَّ الرسالة العملية إنما يذكر فيها ما ينتفع به الناس في مقام العمل، وهذا الأمر الذكور في هذه المسألة لا يقع عادةً.

والمقصود من هذه المسألة:- هو أنه إذا كانت هناك دار بين أخوين مثلاً وكان لكل واحد منهما نصف الدار فباع أحدهما نصف الدار، فمرة يكون البائع قاصداً نصف نفسه فقط، ومرة كان يقصد بيع النصف المشاع بين الحصتين وهذا حكمه واضح أيضاً، فبلحاظ ما يرتبط به يكون صحيحاً وبلحاظ ما يرتبط بأخيه يكون فضولياً ويتوقف على الاجازة، ومرَّ يقصد بيع نصف أخيه وهذا بيع فضولي، ومرة يقصد بيع النصف من دون تمييز فهو لا يقصد بيع نصف نفسه ولا نصف غيره ولا النصف المشاع بين الحصتين وإنما يقصد النصف لا أكثر من ذلك، ومن الواضح أنه ليس المقصود أننا نحتمل أو نشتبه في ذلك بل يوجد عندنا جزم بذلك، كما لو قصدت بيع الدار وقلت بعت نصف الدار فأنا أعلم بمرادات نفسي وكنت قاصداً لا نصفي ولا نصف صاحبي ولا النصف المشاع بين الحصتين وإنما قصدت ما تعطيه كلمة النصف من معنى لا أكثر.

وقد تعرض الشيخ الأعظم(قده) إلى هذه المسألة في المكاسب[1] :- وذكر احتمالين من دون أن يرجح شيئاً منهما وهذا نتيجته أنه فيه توقف وإشكال والاحتمالان هما:-

الاحتمال الأول: - وهو ما يخطر إلى الذهن، وهو أنَّ كلمة النصف لا يقصد منها إلا ما تعطيه كلمة النصف فهذا يحمل على المشاع، لأنَّ ظاهر كلمة النصف إذا لم يقصد منها إلا النصف فهي ظاهرة في الاشاعة.

الاحتمال الثاني: - أن تكون محمولة على نصف نفسه.

وختم الموضوع بهذا المقدار، نعم من باب الكلام يجر الكلام دخل في أمور أخرى ولكنه اكتفى بهذا المقدار عن هذه القضية، فهو ذكر هذان الاحتمالان ولم يرجح شيئاً منهما.

وأشكل السيد اليزدي(قده) في حاشيته على المكاسب[2] على الشيخ الأعظم(قده) وقال:- إنك إذا فرضت أنَّ البائع لم يقصد لا ما تعطيه كلمة النصف لا أكثر من ذلك فلماذا الترديد بين احتمالين، بل ينبغي حصر الأمر في احتمال واحد وهو النصف المشاع بين الحصتين لا نصف نفسه، فاحتمال أن يكون المقصود نصف نفسه لا وجه له لأنك فرضت في المسألة أن البائع لم يقصد من كملة النصف إلا ما تعطيه كلمة النصف وهذا لا يوجد عندنا تردد فيه وإنما هو شيء مجزوم به، ويترتب على هذا أن يكون عندنا احتمال واحد وهو أن يكون المقصود من كلمة النصف هو النصف المشاع فالحمل على نصف نفسه لا معنى له.

ولكن يمكن أن يقال:- صحيح أنَّ البائع لم يقصد إلا ما تعطيه كلمة النصف لا أكثر من ذلك ولكن يوجد إلى جانب ذلك ظهور للشخص العاقل إذا تصرف فهو يتصرف التصرف المشروع والتصرف المشروع هو بيع نصف نفسه، وهذا عرفناه لا من كلمة الصف بل هو ظهور لمقام التصرف حالة التصرف فحينما يتصرف العاقل فهو يتصرف التصرف المشروع، وتستطيع أن تضم له تصرفاً ثانياً وهو ظهور الانشاء في أنه إنشاء عن نفسه، لأنَّ الإنشاء عن الغير يحتاج إلى قصد، وهذه مؤونة، ولم تثبت هذه المؤونة حسب الفرض، فلأجل ثبوت هذا الظهور - وهو ظهور مقام التصرف أو ظهور مقام الانشاء - الذي هو منضم من حيث تدري أو لا تدري فهذان ظهوران مقترنان بفعل البائع فحينما يقول بعت نصف الدار، فهذان الظهوران موجودان، فصحيح أنه لم يقصد من كلمة بعت النصف ألا ما تعطيه كلمة النصف وهو النصف المشاع ولكن إلى جانب ذلك يوجد الظهوران اللذان أشرنا إليهما ومن هذه الناحية حصل التردد الشيخ الأعظم(قده) فهو بعين ينظر إلى ظهور كلمة النصف وبالعين الثانية ينظر إلى ظهور التصرف من المتشرع في كونه تصرفاً مشروعاً، أو أنه ينظر بالعين الثانية إلى ظهور مقام الانشاء في كونه عن نفسه إذ الانشاء عن الغير يحتاج إلى عناية زائدة وهو قصد الغير، فعلى هذا الأساس هذا الاشكال لا يتوجه على الشيخ الأعظم(قده).

وقبل بيان المناسب نذكر شيئا جانبياً:- وهو أنَّ الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب ذكر جملة معترضة وهي أن فخر الدين والإسلام بن العلامة الحلي في ايضاحه[3] ذكر أن هذه المسألة - وهي مسألة من باع النصف ولم يقصد إلا النصف لا أكثر - هي شبيه بمسألة ( بعت غانماً ) وأنا يوجد عندي عبد اسمه غانم ويوجد عندنا غانمٌ آخر في الدار وهو لأخي وأنا قلت بعت غانماً ولم أقصد من كلمة غانم إلا غانم فقط ولم اقصد أكثر من ذلك، فلم أقصد غانم نفسي أو غانم غيري، فهو قال إنَّ مسألة بعت الدار هي شبيهة بمسألة بعتُ غانماً.

والاشكال عليه واضح: - فإنَّ كلمة الدار فيها ظهور في الاشاعة أما في بعت غانماً لا يوجد ظهور في الاشاعة وإنما يوجد غانمان متميزان في عالم الوجود فأين الاشاعة؟!!، ففي مسألة بيع الدار هو قاصد للنصف وكلمة النصف ظاهرة في الاشاعة، أما في بعت غانماً فلا توجد إشاعة وإنما هما وجودان متميزان، فإذاً لا يوجد ظهور في الاشاعة وظهور التصرف بكونه تصرفاً بما يرتبط بنفسه، فهذا التشبيه في غير محلّه.

ولعل المناسب أن يقال: - إننا نحمله على بيع نصف نفسه وبالتالي لا يصري المورد من الفضولي، ونتمسّك لذلك بالظهورين السابقين وهما ظهور التصرف في كونه تصرفاً مشروعاً والتصرف المشروع هو ما إذا كان البيع بلحاظ نصف نفسه والظهور الثاني هو ظهور مقام الانشاء في كونه إنشاءً عن نفسه إذا الانشاء عن الغير يحتاج إلى قصد ومؤونة زائدة ولا مثبت لها تمسكاً بذينك الظهورين.

وإذا قلت: - ماذا تصنع للظهور الأول المعارض وهو ظهور كلمة النصف في المشاع؟

قلت:- إنَّ كلمة النصف هي ظاهرة في المشاع ولكن نصف نفسي مساع أيضاً في مجموع الأرض فإذا حملنا هذا النصف على نصف نفسي فهو لا يتنافى مع الظهور في الاشاعة فإنَّ الاشاعة لها مصداقان إشاعة للنصف في النصفين، يعني نصفٌ في النصفين وهذا ما كان يأتي في ذهننا وكانت تقع المعارضة بين هذا الظهور وبين ذينك الظهورين ولكن يوجد ظهور ثانٍ للإشاعة فإنَّ كلمة النصف ظاهرة في الاشاعة ولكن لا الاشاعة في النصفين وإنما الاشاعة في مجموع الأرض، ونصفي المختص بي هو مشاع في مجموع الأرض، فلو حملنا كلمة النصف على نصفي المختص بي لم نخالف الظهور في الاشاعة بل عملنا به، فإنَّ هذا أيضاً هو ظهور في الاشاعة، وإنما رجّحنا هذا وقلنا إنَّ المقصود هو الظهور بالإشاعة بهذا المعنى دون ذاك بسبب ذانك الظهوران - يعني ظهور كون التصرف في كونه تصرفاً مشروعاً وظهور مقام الانشاء في كونه إنشاءً عن نفسه - ولا يخفى لطفه، وبذلك تكون النتيجة هي الحمل على نصف نفسه كما انتهى إليه السيد الماتن.


[2] حاشية المكاسب- ط ق‌، الطباطبائي اليزدي، السيد محمد كاظم، ج1، ص421.
[3] الايضاح، فخر الدين، ج1، ص421.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo