< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

41/10/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة ( 77 ) حكم من باع ملكه وملك غيره – شروط المتعاقدين.

الفرع الثاني: - إذا لم يجز الغير البيع يكون للمشتري خيار تبعّض الصفقة فيجوز له خيار الفسخ بلحاظ المبيع - الكتاب المملوك للبائع، من باب أنه اشترى جزأين - الكتابين - ولا يريد جزءاً واحداً، فحينئذٍ له خيار تبعض الصفقة، فله خيار تبعض الصفقة فيفسخ بلحاظ جزء المبيع الذي يملكه البائع والبيع بلحاظه يكون صحيح لو كان قد قبل به فقط دون الجزء الثاني.

ومن باب الكلام يجر الكلام نقول: - إنَّ خيار تبعّض الصفقة يرجع إلى الشرط الضمني، فصحيح أنه لا يصرّح به ولكنه ضمناً هو يشترط ذلك، فهو يريد كلا جزأي المبيع، كالكتاب ذي الجزأين، فيوجد هنا شرط ضمني بأنه لا يريد جزءاً واحداً وإنما يريد الجزأين، فمرجع خيار تبعّض الصفقة ونكتته هي قضية الشرط الضمني.

وتوجد قضية ينبغي الالتفات إليها: - وهي أنه كيف يثبت الخيار للمشتري فإنَّ البيع هل هو واحد أو بالأحرى كيف يتبعض البيع ويكن صحيحاً بلحاظ جزء وباطلاً بلحاظ الجزء الثاني من المبيع وللمشتري الحق بأن يأخذ بهذا البيع الذي هو بلحاظ ملك البائع وله الحق في أن يفسخ، فإنَّ التوجيه الفني لهذا قد يكون صعباً، والوجه في ذلك - إنَّ هذا البيع الذي صدر من البائع هل هو بيع واحد أو أنه بيعان؟ فإن فرض أنَّ بيع الجزأين هو واحد فكيف يتبعّض البيع الواحد ويكون صحيحاً بالنسبة إلى هذا الجزء وباطلاً بالنسبة إلى ذاك الجزء، وهذا معناه أنه اثنان وليس واحداً فهو خلف كونه واحداً، وإذا فرضنا أنه بيعان بيعٌ بلحاظ هذا الجزء من المبيع وبيع بلحاظ ذلك الجزء من المبيع فيوجد بيعان فحينئذٍ لا معنى لخبار تبعّض الصفقة، فلا حق للمشتري أن يفسخ بلحاظ جزء المبيع المملوك للبائع الذي انتقل إليه بالبيع إذا لم يجز المالك بيع الجزء الآخر للمبيع لأنه هنا يوجد بيعان فحتى لو فرض أنَّ البيع الثاني بلحاظ جزء المبيع المملوك للغير قد بطل ولم يحصل انتقال ذلك الجزء ولكن بلحاظ هذا الجزء المملوك للبائع يكون البيع صحيحاً ولا معنى لخيار تبعّض الصفقة؟

ويمكن في الجواب أن يقال: - إنه يمكن أن نختار كلا الشقين.

فيمكن أن نختار الشق الأول وأنه بيع واحد:- ودعوى أنَّ الواحد كيف يكون صحيحاً بلحاظ الجزء المملوك للبائع وباطلاً بلحاظ الجزء المملوك للغير يدفعه أنَّ هذا قياس للأمور الاعتبارية على الأمور التكوينية، فإنَّ هذا صحيح في الأمور التكوينية أما في الأمور الاعتبارية فلا محذور فيه، وهذه قضية ينبغي الالتفات إليها، فليس من الصحيح قياس الأمور الاعتبارية على الأمور التكوينية، فعلى هذا الأساس التبعض شيء ممكن بعدما كان البيع قضية اعتبارية ولا محذور لدى العقلاء في أن يكون صحيحاً من هذه الزاوية وباطلاً من تلك الزاوية رغم أنه بيع واحد وإدخال الحسابات التكوينية على الأمور الاعتبارية ليس بصحيح.

كما أنه يمكن اختيار الثاني فنقول:- إنَّ البيع متعدد ولكن رغم تعدده يثبت خيار تبعض الصفقة، فإن هذا التعدد ليس تعدداً مطلقاً وإنما هو تعدد بلحاظ إنشاء واحد فقد حصل إناء واحد لكلا هذين البيعين وباعتبار أن الانشاء كان واحداً لهما فكأنما صار أحدهما مشروطاً بالآخر باعتبار أن الانشاء واحداً، فهذا الاشكال يتم إذا فرضنا تعدد المنشأ وتعدد الانشاء، أما إذا فرضنا أنَّ المنشأ متعدد ولكن الانشاء واحد فيصير أحد المنشأين مشروطاً بالمنشأ الثاني بعد فرض وحدة الانشاء وحينئذٍ تأتي فكرة الشرط الضمني وفكرة خيار تبعض الصفقة.

فعلى هذا الأساس الاشكال مندفع على كلا التقديرين وهذه قضية فنية علمية جانبية، هذا شيء.

وهناك شيئاً آخر نريد أن نقوله:- هو أنَّ هذا الكلام الذي ذكرناه من أن خيار تبع الصفقة يثبت للمشتري إذا اتضح أن أحد البيعين ليس ملكاً للبائع يمكن أن يأتي أيضاً في حق البائع، يعني أن خيار تبعض الصفقة يثبت للبائع، فالبائع هو الذي يفسخ والمفسوخ عليه هو المشتري، كما لو فرض أنَّ البائع رأى كلا جزأي الكتاب في مكتبته فتخيل أنهما ملكه فباعهما ثم تبيّن بعد ذلك أن احد الجزأين ليس له ومادام أحد الجزأين له فهو لا يريد بيع الكتاب وإنما هو يريد بيع الكتاب فيما إذا كان كلا الجزأين ملكه أما بعد أن تبيّن أنَّ أحدهما ليس ملكه فلا يريد البيع، فهنا يثبت له خيار تبعّض الصفقة، إذاً خيار تبعض الصفقة لا يخت بالمشتري بل يمكن ان يثبت للباع وكان من المناسب للسيد الماتن أن يشير إلى ذلك في المسألة لأن هذه القية قد تتحقق بهذا الشكل، ولكن ليس من البعيد ناظر إلى زاوية المشتري التي هي المسالة الابتلائية أما من زاوية البائع فهذه المسألة قليلة الابتلاء وهو ليس ناظراً إليها.

أمورٌ ثلاثة: -

الأمر الأول: - نقل الشيخ الأعظم(قده) في مكاسبة [1] عن شيخ الطائفة في خلافه أنَّ الخيار يثبت للبائع، وفي نفس الوقت نقل عن أبي المكارم(قده) أنه لا يثبت الخيار للبائع، وحينئذٍ يأتي هذا التساؤل وهو أنه ما هو توجيه هذا الخلاف الموجود بين الشيخ الطوسي وبين أبي المكارم الموجود في مورد واحد ؟

لا يبعد كون نظر الشيخ الطوسي(قده) حينما قال إنَّ الخيار يثبت للبائع هو في حالة جهله بكون أحد جزأي المبيع ليس له، أما أبو المكارم (قده) فكان ناظراً إلى حالة كونه عالماً وملتفتاً، فيرتفع بذلك التعارض والنافي بينهما، كما نقل ذلك الشيخ الأعظم(قده) هذا الحمل وهذا التوجيه عن بعضٍ وليس من البعيد أن ذلك البعض هو صاحب الجواهر(قده) [2] وصاحب مفتاح الكرامة(قده)[3] لأنهما تعرضا إلى هذه القضية وحملا كلام الشيخ حينما ادّعى ثبوت الخيار على حالة الجهل كلام ابن زهرة على حالة العلم.

الأمر الثاني: - توجد عندنا رواية تقدمت في الحكم الأول هي صحيحة الصفار حيث قالت: - ( لا يجوز بيع ما لا يملك وقد وجب الشراء من البائع على ما يملك )، والسؤول إن هذه الصحيحة قالت ( وقد وجب الشراء على ما يملك )، ووجب يعني كان ثابتاً بنحو اللزوم والحال أننا قلنا قبل قليل إن هذا المشتري يثبت له خيار تبعض الصفقة والذي قلنا هو في روحه ومرجعه إلى خيار تخلف الشرط الضمني وهذا ينافي ما انتهينا إليه من ثبوت خيار تبعض الصفقة للمشتري فإن الرواية قالت ( وقد وجب الشراء بلحاظ ما يملك ) فكيف الجواب؟

والجواب:- لا يبعد أن يكون المقصود من قوله ( قد وجب ) بقرينة المقابلة فهو قال في الشق الأول ( لا يجوز ) يعني لا يصح، فحينما قال بعد ذلك ( وقد وجب ) يعني صحَّ، لا أنَّ وجب بمعنى لا خيار، وهذا نفهمه من قرينة المقابلة، وهو شيء وجيه ولا بأس به، إلا فسوف يأتي هذا الاشكال في حق البائع وفي حق المشتري معاً، ولا يمكن أن يلتزم بأنَّ المشتري لا يثبت له خيار تبعّض الصفقة، والحال أنَّ الخيار ثبات في حق المشتري، فيلزم أن نفسّر ( وجب ) بمعنى يثبت، فهناك لا يثبت البيع يعني لا يصح أما هنا يثبت البيع يعني يصح، أما الثبوت بأيّ نحوٍ هو وهل هو بنحو اللزوم أو ليس بنحو الزوم فهذا ليس بصدده.

بقي شيء: - وهو أنَّ الرواية تقول ( وقد وجب الشراء من البائع ) فما المقصود من عبارة ( من البائع )؟

والجواب: - إنه في النسخ التي راجعناها توجد فيها هذه العبارة - وهي ( من البائع ) -، فإنَّ ( من البائع ) متعلق بالشراء، لا أنه متعلق بـ( وجب )، فليس المقصود ( وجب من البائع او على البائع ) وإنما ( من البائع ) متعلق بالشراء، لأنَّ الشراء يصير دائماً من البائع، فـ ( من البائع ) متعلق بالشراء، ولكن نقول إنَّ عبارة ( من البائع ) زائدة، فتكون العبارة هكذا ( لا يجوز بيع ما ليس يملك وقد وجب البيع على ما يملك )، أما عبارة ( من البائع ) ليست مهمة ووجودها وعدمها سيّان فإنَّ الشراء دائماً يصير من البائع، وهذه قضية جانبية ليست مهمة.

الأمر الثالث: - قلنا إنَّ خيار تبعض الصفقة يثبت للمشتري إذا أجاز البائع بيع ذلك الكتاب، ونحن نقول إن الكلام هو هو بالنسبة إلى البائع فإنَّ البائع أيضاً يمكن أن يثبت له خيار تبعض الصفقة، فخيار تبعض الصفقة يثبت لكليهما حتى في حالة علمهما لا في حالة جهلهما فقط، وذلك فيما إذا كان المشتري اشترى الكتاب الآخر غير المملوك بتخيّل ورجاء إجازة المالك ثم اتضح أنه لا يجيز فهنا ايضاً يثبت الخيار للمشتري رغم انه كان عالماً بأنَّ أحد الجزأين للبائع ولكن من باب أنَّ شراءه كان برجاء أن يجيز المالك فحينئذٍ يثبت الخيار له، وهكذا الحال بالنسبة إلى البائع، فلو كان يعلم البائع بأن كلا الكتابين ليسا له ولكنه باعهما ولم يجز المالك فأيضاً يثبت له خيار تبعض الصفقة فيما إذا كان بيع البائع برجاء أن يجيز المالك بيع الكتاب الآخر، إذاً خيار تبعض الصفقة لا يختص بحالة جهل المشتري أو جهل البائع بل يعم حالة علم المشتري وعلم البائع فيما إذا كانا متدينين واشترى أو باع برجاء أن يجيز الطرف المالك فهنا أيضاً يثبت خيار تبعض الصفقة، وبهذا تنتهي هذه المسألة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo