< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

41/06/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة ( 77 ) حكم من باع ملكه وملك غيره – شروط المتعاقدين.

وينغي ألا يخفى أن منشأ التشكيك في صحته أحد أمور ثلاثة: -

الأمر الأول: - إنَّ عنوان العقد لا يصدق بلحاظه فإنَّ العقد وقع على المجموع وهناك عقد واحد لا عقود متعددة، ومعه كيف يحكم بصحة هذا العقد الواحد مع فرض أن مالك الشيء الثاني لا يجيز، والشيء الأول لم يقع العقد عليه بشكل مستقل وغنما صدر العقد على المجموع.

الأمر الثاني: - ما أشار إليه الأردبيلي(قده) وهو أنَّ الرضا مفقود، فلو تنزلنا وسلّمنا أنَّ عنوان العقد صادق ولو على الواحد ولكن لا يوجد رضا من قبل المشتري فإنه راضٍ بشراء الأول منضّماً إلى الثاني أما الأول منفرداً فلا رضا للمشتري بشرائه، فمتعلق الرضا هو المجموع دون كل واحد من الشيئين بانفراده.

الأمر الثالث: - عدم معرفة الثمن، بمعنى أننا نعرف ثمن المجموع والمفروض أنَّ العقد لم على المجموع وإنما وقع على واحد وهذا الواحد لا نعرف مقدار ثمنه.

إذاً منشأ الاشكال في صحة العقد بلحاظ المملوك للبائع هذه الأمو الثلاثة.

ونلفت النظر إلى أنَّ المهم من هذه الإشكالات هو الأول، وإلا فالثاني والثالث فربما يمكن التخلص منهما، فإنه إذا قلنا إن العقد متعدد فالرضا بلحاظ العقد الأول موجود من البائع ومن المشتري بناءً على تعدد العقد، فبناءً على تعد العقد فيمكن أن يقال عن الرضا موجود لأنَّ هذان عقدان، وهكذا يمكن غضّ النظر عن المحذور الثالث - يعني عدم معرفة الثمن - ولو في بعض الحالات كما لو فرض أنَّ المبيعين كانا متساويين من جميع الجهات كجزئي كتاب معين من طبعة واحدة ونوع وعدد الورق واحد فإذا عرفنا ثمن المجموع فقد عرفنا ثمن البعض، فإما أن يتخلص من المحذورين الاخيرين بهذا الشكل أو بشكلٍ آخر، والمهم هو المحذور الأول وهو أن تعدد العقد ليس بموجود.

وقد بينا فيما سبق أن صاحل الجواهر(قده) ذهب إلى أن العقد متعدد بتعدد متعلقه حيث قال(قده): - ( اطلاق الأدلة وعمومها السالمين عن المعارض ....... فهو حينئذٍ بمزلة عقود متعددة )، وبناءً على هذا سوف ترتفع المشكلة من الأساس.

والشيخ الأعظم(قده) في مسألة بيع ما يُملَك منضماً إلى ما يُملَك ادعى الصحة فيما يُملَلك من باب أنه عقود متعددة، قال(قده):- ( بل لا مانع من جريان قاعدة الصحة بل اللزوم في العقود )[1] .

والاشكال الذي يسجّل على الشيخ الأعظم(قده) والخاص به: - هو أنه لماذا تذكر هذا الكلام هنا - أي في بيع يُملَك وما لا يُملَك ولا تذكره في بيع ما يَملِك وما لا يَملِك إذ لا فرق بينهما فهما من وادٍ واحد؟!! فمن قبلها هنا يلزم أن يبقلها هناك.

فإذاً كلا العلمين قبلا أن العقد على شيئين بمثابة عقدين.

والاشكال على ذلك واضح: - فإنه مخالف للوجدان، بل هو عقد واحد، فمن اشترى كتاب الجواهر وهو مؤلف من أربعين جزءاً فهل هو أربعون عقداً وأربعون بيعاً؟!! أولاً: - إنَّ هذا مخالف للوجدان، وثانياً: - إذا كان أربعين عقداً فلازمه أنَّ خيار المجلس سوف ستعدد وهل تلتزم بهذا؟!! إذ لو تعدد الخيار فله أن يجري الخيار في بعضها دون بعض لأنها عقود متعددة، والحال أنه لا أحد يقول بهذا، وإنما يقولون إما أن تفسخ المجموع أو تقبل بالمجموع أما التبعيض فمن البعيد أن يلتزم به فقيه، وهكذا خيار الحيوان، فلو اشترى خمسة حيوانات بعقدٍ واحد فبناءً على كونها عقود متعددة فله أن يجري خيار الحيوان في الحيوان الأول دون الثاني ومن البعيد أن يلتزم فقيه بذلك، فإذاً ما ذكراه مخالف للوجدان، على أنه يلزم من ذلك تعدد الخيار بتعدد أجزاء المبيع ومن البعيد التزام فقيه بذلك، فإذاً هذه المحاولة مرفوضة.

ومن هنا قد تبرز محاولات أخرى للتغلب على اثبات صحة البيع بلحاظ ما يملكه البائع وعدم صحة البيع بلحاظ ما لا يملكه لا من جهة تعدد العقد التي ذكرها صاحب الجواهر(قده) وإنما ببيانات أخرى وإن كانت لعلها واحده روحاً، وهي: -

المحاول الأولى:- ما ذهب إليه الشيخ النائيني(قده)[2] حيث ذكر أنه يمكن أن يقال بتعدد العقد كما هو الحال في الوجوب الواحد المنبسط على المركب ذي الأجزاء فإنَّ كل واحدٍ منها يتّصف بالوجوب، فإذا قبلت بهذا هنا فاقبله في محل الكلام - يعني فميا إذا جرى عقد واحد على أشياء متعددة -.

إذاً الشيخ النائيني(قده) تمسك بفكرة تعدد العقد ولكن حاول أن يثبتها، لا كما فعل صاحب الجواهر والشيخ الأعظم حيث ذكرا هذه الدعوى من دون مثبت، أما الشيخ النائيني فحاول أن يتمسك بمثبت وهو أنَّ الوجوب المنصب على المركب ذي الأجزاء ينحل إلى وجوبات بعدد أجزائه فإذا قبلت بهذا هنا فاقبله في محل كلامنا، قال(قده):- ( أما شمول العمومات فلأن مثل قوله عز من قائل " أحل الله البيع " وقوله " أوفوا بالعقود " وقوله " تجارة عن تراض " كما يشمل ما إذا كان تمام المبيع قابلاً للتملُّك كذلك يشمل ما إذا انضم إليه ما لا يقبل التملُّك لأن العقد ينحلُّ بالنسبة إلى جزئي المبيع إلى عقدين أحدهما صحيحٌ والآخر فاسد نظير انحلال التكليف المتعلق بالمركب المشتمل على الأجزاء ).

التعليق عليه واضح: - حيث ذكرنا أنَّ أصل الدعوى هي مخالفة للوجدان أولاً، كما تترتب عليها بعض اللوازم التي يصعب الالتزام بها كتعدد الخيار بتعدد الأجزاء فيثبت بلحاظ هذا الجزء خيار المجلس ويثبت بلحاظ ذاك خيار المجلس فيجوز له أن يفسخ بلحاظ واحدٍ دون ثاني، وهكذا بالسبة إلى خيار الحيوان وما شاكل ذلك، ومن البعيد أن يلتزم فقيه بذلك، فإذاً هذه الدعوى لا يكن الالتزام بها مضافاً إلى أن لها لوازم باطلة، هذا بالنسبة إلى أصل الدعوى.

وأما بالنسبة إلى ما تمسك به الشيخ النائيني(قده) من الاستشهاد بالوجوب الواحد المنبسط على المركب ذي الأجزاء:- فإنه أدلُّ على العكس، فإنَّ الوجوب الواحد وهو الوجوب الاستقلالي لا ينجل بعدد الأجزاء وإنما يبقى الوجوب الاستقلالي واحداً لا أنه هذا الجزء واجب بالوجوب الاستقلالي والجزء الثاني واجب بالوجوب الاستقلالي، وإنما الثابت للكل المركّب هو وجوب واحد استقلالي وهو لا ينحل بعدد الأجزاء، نعم هناك وجوبات ضمنية ولكن الوجوبات الضمنية ليست شيئاً آخر مقابل الوجوب الواحد الاستقلالي فإن الوجوب الضمني معناه هو ذاك الوجوب الاستقلالي الثابت لعشرة أجزاء، فحينما ثبت ذلك الوجوب الواحد لعشرة أجزاء فسوف يصير كل واحد من هذه الأجزاء وجباً ولكن لا أنَّ ذلك الوجوب الاستقلالي قد انحل وإنما هذا الوجوب الواحد مادام قد انصب على العشرة فنحن نقول وبانتزاع عقلي أن وجبت الأجزاء، باعتبار أن العرة ليست إلا الأجزاء، فمادام قد انصب على العشرة فهو قد انصب على كل جزءٍ وهو وجوب ضمني لا استقلالي، فالاستقلالي لم ينحل بعدد الأجزاء، وما ثبت للأجزاء ليس هو الثابت من قبل المولى وهو الوجوب الاستقلالي، فعلى هذا الأساس فكرة الانحلال بما أفاده الشيخ النائيني(قده) محل تأمل.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo