< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

41/06/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 76 ) حكم الثمن إذا ردَّ المالك البيع الفضولي ولم يمض المعاملة – شروط المتعاقدين.

وقد فسّر الشيخ النائيني لمطلب الشيخ الأعظم بتفسير آخر بنحو أرد به التغلب على الاشكالات التي أوردت على التفسير الأول: - وقبل أن نذكر كلام الشيخ النائيني(قده) نذكر مقدمتين تساعدان في فهم ما يريد أن يقوله: -

المقدمة الأولى: - إنّه على التفسير الأول لعبارة الشيخ الأعظم(قده) صار كلٌّ من المشتري والبائع ضامناً للمالك ولكن على سبيل البدل بالنحو الذي بيّناه، وهذا كان يولّد مشكلة وهي أنَّ الشيء الواحد - وهو البدل - كيف يثبت في ذمة الاثنين في عرضٍ واحد، وما هذا إلا عبارة أخرى عن وجود شيءٍ واحدٍ في آن واحد في الأمكنة المتعددة، والشيخ النائيني أيضاً يرى هذا، فهو يرى كون الشيء الواحد يضمن بضمانين في عرٍض واحد مستحيل ويتمسك بمسألة أنَّ هذا عبارة عن وجود الشيء الواحد في الأمكنة المتعددة في زمانٍ واحد، وقد قلت فيما سبق إني كنت متوقفاً عن بيان المطلب بهذا الشكل لأنه لا يحتمل أنَّ فقيهاً يتصور هذا التصوّر، وقد قلنا إنَّ هذا قياس لعالم الاعتبار على عالم الواقع، إلى أن رأينا الشيخ النائيني(قده) يبني على ذلك، وهذا غريب منه، فلأجل استحالة ثبوت الضمانين بنحو العرضية صار الشيخ النائيني(قده) إلى فكرة الضمان الطولي، وفسرّ عبارة الشيخ الأعظم(قده) بهذا التفسير، يعني أن الضامن للمالك هو واحد وهو البائع وأما المشتري فهو ضامن للبائع ليس ضامناً للمالك حتى يلزم أن يكون الشيء الواحد - وهو البدل - قد ثبت في ذمتين في عرضٍ واحد.

المقدمة الثانية: - إنه في باب الضمان يذكر هذا المطلب وهو أنَّ الضمان تارةً يثبت بالاتلاف وأخرى يثبت بالعقد، والضمان بالاتلاف هو أنَّ أتلف عليك شيئاً فأكون ضامناً له سواء كنت عامداً أو ليس بعامد، وأما المقصود بالعقد أن نعقد عقد ضمان، كما لو فرض أنَّ شخصاً كان مديوناً لشخصٍ آخر فجاء ثالث وقال للدائن أنا ضمنت ما في ذمة المدين، فينتقل الدين من ذمة المديون إلى ذمة الضامن، ولاحق للدائن أن يطالب المدين، لأنَّ ذمته صارت غير مشغولة للدائن بشيء، ولو قال الدائن إني لا أريد ضمان هذا الشخص وإنما أريد المال من الدائن فهذا لا ينفع، لأنَّ عقد الضمان لازم، فحينما قبل المالك بالضمان صار العقد لازماً وانتقل شغل الذمة إلى الضامن فلا حق للدائن في أن يطالب المدين، نعم هذا الضامن إذا كان متبرعاً فبها ونعمت، وإن كان ليس متبرعاً فيبقى المدين مشغول الذمة للضامن، وهذا يعبَّر عنه بالضمان بالعقد أو الضمان العقدي، وحينما يتكلم الفقهاء عن الضمان في كتبهم الفقهية كالشرائع وغيره فالمقصود هو الضمان العقدي، وهو من جملة العقود.

قال الشيخ النائيني(قده) إنَّ الضامن للمالك واحد وليس اثنان وإلا سوف يلزم محذور ثبوت الشيء في آنٍ واحدٍ في أمكنةٍ متعددة فصار ضماناً عرضياً، وإنما الضامن للمالك واحد وهو البائع فإنه الضامن للعين، لأنَّ العين أخذها البائع الفضولي من المالك من دون رضاه فيصير ضامناً للعين، ومعنى أنه ضامن للعين أنها لو تلفت فبدلها يكون على البائع وتنشغل ذمته بالبدل، وأما المشتري فليس بضامنٍ للمالك، نعم المشتري ضامن للبائع بعقد الضمان، فعلى هذا الأساس يصير المشتري ضامناً لضامن العين - وهو البائع -، وحينما يدفع المشتري البدل فهو بدلٌ عما اشتغلت به ذمة البائع ودفعه إلى المالك، فالبدل الذي دفعه المشتري ليس بدلاً عن العين وإنما هو بدل عمّا دفعه البائع، لأنَّ المفروض أنَّ المشتري ضمن ما اشتغلت به ذمة البائع، والبائع ضامن للبدل لو تلتفت العين، والمشتري يضمن للمالك ما يدفعه البائع، فعلى هذا الأساس لا يلزم اجتماع ضمانين عرضيين، قال:- ( وبالجملة تعهد شخصين لمالٍ واحدٍ عرضاً بأن تكون ذمة كل منهما ظرفاً لمالٍ واحد من المستحيل فإنه نظير ثبوت شيء واحد في آن واحد في الأمكنة المتعددة فما يمكن ثبوتاً هو التعهدات الطولية والذمم المترتبة وهذا هو مقصود المصنّف ....... مع أنَّ مقصوده أنَّ السابق متعهد للمال قبل اللاحق واللاحق متعهد لما في ذمة الأول فالمال الواحد في ذمم كثيرة بهذا النحو من الظرفية وهذا منشأ رجوع السابق إلى اللاحق دون العكس )[1] .

وفي مقام التعليق نقول:- إنَّ هذا البيان وإن دفع الاشكالات السابقة الموردة على التفسير الأول لكلام الشيخ الأعظم(قده) - إما بأجمعها أو لبعضها - ولكن نقول: إنَّ عبارة الشيخ الأعظم(قده) لا تتلاءم معه، وإنما هي تتلاءم مع التفسير الأول، فإنه قال:- ( إنَّ الوجه في رجوعه هو أن السابق اشتغلت ذمته بالبدل قبل اللاحق فإذا حصل المال في يد اللاحق فقد ضمن شيئاً له بدل فهذا الضمان يرجع إلى ضمان واحد من البدل والمبدل على سبيل البدل )[2] ، فإنَّ عبارة ( فقد ضمن شيئاً ) تتناسب مع التفسير الأول، لأنه على التفسير الثاني لا معنى لها، فهذه العبارة تؤيد التفسير الأول الذي أشرنا إليه.

وبقطع النظر عن هذا يرد على تفسير الشيخ النائيني(قده) إشكالان: -

الاشكال الأول: - إنه قال إنَّ المشتري ضامن للبائع بعقد الضمان - لأنه هنا لا يوجد تلف حتى يصير ضمان اتلاف -، ونحن نقول: - إنهما متى أجريا عقد الضمان فإنه يحتاج إلى عقد مثل البيع؟!، فيلزم أن يقول المشتري ( أيها البائع ضمنت لك ما دفعته إلى المالك )، ولكن هذا العقد لم يحصل؟!!


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo