< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

41/05/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 76 ) حكم الثمن إذا ردَّ المالك البيع الفضولي ولم يمض المعاملة – شروط المتعاقدين.

القضة الثالثة: - وهي أنه لو فرض أنَّ الثمن كان تالفاً ومفروض كلامنا أنَّ المالك قد ردَّ البيع والمفروض أن المشتري يعلم بالفضولية، فحينئذٍ هل يضمن البائع في هذه الحالة على تقدير تلف الثمن؟

ذكر الشيخ الأعظم(قده): - أنَّ المعروف بين الأعلام أنَّ البائع لا يكون ضامناً، لأنَّ المشتري حينما دفع إليه الثمن فهو قد دفعه إليه وهو يعلم بأنَّه غاصب، فعلى هذا الأساس هو قد دفع الثمن من دون عوض، ومادام قد دفعه من دون عوض فلماذا يكون البائع ضامناً مادام المشتري هو من أتلف ماله بدفعه إلى البائع من دون عوض؟!!، نعم لو كان جاهلاً فتلك قضية أخرى، ولكن كلامنا في صورة العلم.

ولم يعترض الشيخ الأعظم(قده) على هذا الاستدلال وإنما أراد تقديم صياغة بصورة علمية أكثر فذكر ما حاصله لإثبات عدم ضمان البائع للمشتري: - وهو أنَّ مدرك الضمان أحد أمرين إما اليد أو قاعدة الاقدام، واليد قد خرجت منها اليد الأمانية، كما لو جعلت مالي أمانة عند شخصٍ فهذه يد ذات امانة أي أنا جعلتها أمينة على مالي فإذا حصل تلف من دون تفريط عند الأمين فلا يكون ضامناً فإنَّ الأمين لا يضمن إلا أذا فرّط، إما إذا لم يفرّط فلا يكون ضامناً، فإذاً خرج من قاعدة الضمان باليد حالة كون اليد أمينة، وإذا كانت اليد الأمينة ليست ضامنة فكيف باليد التي سلّطها المالك على الاتلاف من دون عوض كما هو لمفروض في محل كلامنا، فإنَّ المشتري حينما دفع الثمن إلى البائع وهو يعلم أنه غاصب فإذاً المشتري سلط البائع على اتلاف الثمن من دون مقابل، فإذا لم تكن اليد الأمنية ضامنة فهذا بالأولى لا يكون فيه ضمان، لأنَّ نفس المالك سلط على الاتلاف من دون عوض فكيف يثبت الضمان باليد آنذاك فإنَّ هذا أولى من اليد الأمينة؟!!

وأما بالنسبة إلى قاعدة الاقدام فأيضاً لا يمكن تطبيقها في المقام، لأنَّ المشتري وإن أقدم على تضمين البائع فحينما دفع إليه الثمن قد ضمّنه ولم يدفع إليه الثمن مجاناً ولكن التضمين هو بمال الغير، والمفروض أنَّ المشتري يعلم أنه مال المالك الأصلي، فبالتالي إما أن نقول هو لم يقدم على تضمينه، أو أنه أقدم على تضمينه بمال الغير وهو بحكم العدم.فإذاً لا يمكن تطبيق قاعدة على اليد لإثبات تضمين البائع، إذ المفروض أن المشتري سلّط البائع على الثمن من دون مقابل، لأنَّ المقابل هو ملك الغير، وأما بالنسبة إلى قاعدة الاقدام فإنَّ المشتري قد أقدم على تضمين البائع بالمبيع الذي يعلم أنه ملك للغير، فعلى هذا الأساس لا يوجد اقدام على تضيمن البائع، فإنَّ المشتري لم يقدم على تضمين البائع حقيقةً وإنما أقدم على تضمينه بمال الغير وهذا بحكم العدم.

ثم أشكل الشيخ الأعظم(قده) على نفسه وقال: - صحيح أن المشتري دفع الثمن إلى البائع في مقابل ملك الغير وهو يعلم أنه ملك الغير ولكن هذا المشتري بنى على أنَّ هذا البائع مالك ولذلك أخذ يشتري منه، ولو لم يبن على أنه مالك كيف تتحقق المبادلة؟!! ومادام قد بنى على أنه مالك - كما هو المتعارف بين الغاصبين - فإذاً هو قد ضمّنه، يعني حينما دفع إليه الثمن فهو لم يدفعه له مجاناً، وإنما يكون مضموناً بملك البائع غايته بملكه الادّعائي وليس بملكه الحقيقي، وهذا المقدار يكفي لتصحيح التضمين، فالتضمين يكون حقيقياً غايته إنَّ طرفه - وهو الملكية - يكون ادّعائياً، فالادّعاء ليس في نفس التضمين وإنما في طرفه - وهو الملكية - وبالتالي المشتري ضَمَّن البائع، ومادام قد ضمَّنه حقيقةً فيندفع ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) في صياغته العلمية، لأنه ذكر أنَّ دليله على الضمان إما قاعدة اليد أو قاعدة الاقدام، أما قاعدة اليد فلا يمكن التمسّك بها، لأنَّ اليد الأمانية ليست بضامنة فكيف باليد التي سلّطت على الاتلاف المجاني، فهذا قد اندفع حيث نقول هي لم تسلّط وإنما جعلت ضامنة، فعلى هذا الأساس لم يجعل لها الحق في الاتلاف المجاني وإنما جعلت ضامنة بنحو الحقيقة، فإنَّ التضمين حقيقي غايته أنَّ طرفه وهو الملكية الادعائية، أيضاً يندفع ما ذكر في قاعدة الاقدام حيث قيل إنَّ المشتري وإن أقدم على تضمين البائع وهكذا البائع أقدم على الضمان للمشتري لكنه أقدام على الضمان بمال الغير، لأنَّ كل منهما يعرف أنه مال الغير فلا يكون هذا اقداماً على الضمان، فالجواب عنه قد اتضح:- وهو أنه بعد البناء على الملكية الادعائية للبائع يكون التضمين حينئذٍ حقيقياً، فبالتالي المشتري أقدم على تضمين البائع، كما أنَّ البائع أقدم على أن يكون ضامناً لثمن المشتري، فهو أقدم على الضمان حقيقةً، نعم طرف التضمين والضمان هو ادعّائي.

هذا ما أشكل به الشيخ الأعظم(قده) على نفسه، وبناءً عليه يبطل البيان الذي ذكره.

ولكن أجاب عن ذلك وقال:- إنه حصل خلط بين مطلبين، فهناك مسألة الضمان والتضمين، وتوجد مسألة المعاملة والتبادل، فالضمان أو التضمين لا يمكن أن يكون بما يعترف الطرفان بأنه ليس ملكاً للضامن، فإنه لا يتحقق بذلك الضمان ولا يمكن، نعم ادّعاء المالكية ينفع في تحقق المبادلة وعنوان البيع، لا أنه يكفي لصدق عنوان الاقدام على الضمان وأنه أقدم كلّ من الطرفين على الضمان، وإنما مادام يعرف أنَّ هذا المبيع ليس ملكاً للبائع فلا يمكن أن يتحقق الاقدام على الضمان لا من المشتري فإنه لم يقدم على تضمين البائع للثمن، إذ كيف يضمّنه الثمن والحال أنه يعرف أنَّ المبيع ملك للغير، وهكذا بالبائع لم يقدم على الضمان مادام يعرف هو وصاحبه أنَّ المبيع ليس ملكاً له، فإذاً الملكية الادّعائية لا تنفع في حصول الضمان والتضمين الحقيقي، وإنما ينفع ذلك في حصول المبادلة، فإنَّ المبادلة تكون بين المالكين، ويكفي في المالكية للطرفين أن تكون ادّعائية ولا يلزم أن تكون حقيقية.

فإذاً الشيخ الأعظم(قده) في مقام الجواب فرّق بين المبادلة - أي البيوبين الضمان، وفكرة ادّعاء الملكية لا تكفي في تحقيق الضمان، وإنما الضمان الحقيقي لا يكون إلا بما يملكه الانسان حقيقةً، نعم المبادلة والبيع يكفي في تحققه الملكية الادّعائية ولذلك السّراق الآن يتبايعون ويقصدون البيع والمبادلة إذ يكفي في تحقق البيع والمبادلة الملكية الادّعائية، أما مسألة الضمان الحقيقي فلا يكون إلا بما يملكه الانسان حقيقةً.وبناءً على هذا تصير النتيجة هي موافقة الشيخ الأعظم(قده) للمشهور في رفع الضمان.

والخلاصة: - إنَّ الشيخ الأعظم(قده) رفع الضمان عن البائع باعتبار أنه لا يوجد موجب لضمانه، إذ الموجب له أحد الأمرين وكلاهما لا يأتيان.

ثم أضاف وقال: - إنَّ دفع المشتري الثمن إلى البائع ليس إلا كدفعه إلى شخصٍ ثالث، وكما أنَّ الدفع إلى ثالث لا يوجب ضمان ذلك الثالث كذلك الدفع إلى الفضولي الذي يعلم المشتري بأنه فضولي وغاصب.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo