< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

41/05/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 76 ) حكم الثمن إذا ردَّ المالك البيع الفضولي ولم يمض المعاملة – شروط المتعاقدين.

وحينئذٍ سوف يتوجه السؤال إلينا ويقال: - إنك إذا لم تقبل بما أفاده الشيخ الأعظم(قده) من توجيه لجواز الرجوع، فيلزم أن تذكر وجهاً لجواز الرجوع؟

وقبل أن نذكر الوجه في ذلك نذكر توجيهاً للشيخ النائيني(قده)[1] ثم نعلق عليه ثم نكمل المطلب:- فإنه ذكر توجيهاً لجواز رجوع المشتري على البائع الفضولي - حالة علمه بكون البائع فضولياً ولكن رغم ذلك دفع إليه الثمن - وهو أنَّ هذا لا يعدو الهبة المجانبة، ومن الواضح إنه فيها يجوز الرجوع مادامت العين قائمة، فهنا أيضاً نقول كذلك، فإنَّ ما صدر من المشتري هو هبة مجانية، لأنَّه دفع إليه الثمن وهو يعلم بأنَّ المثمن ليس له، فتكون هبة مجانية، وفي الهبة المجانية يجوز الرجوع فيها، فافترض أنَّ عين الثمن انتقلت بالهبة إلى الفضولي ولكن يجوز للواهب - المشتري - أن يرجع مادامت عين الثمن قائمة، فإذاً لا مشكلة من هذه الناحية.

وفيه: -

أولاً: - إنَّ هذا لا يتم في حالة التصرف في عين الثمن، بأن غيّر شكلها، يعني هي موجودة ولم يتلفها ولكن غير شكلها، فهنا يلزم أنه لا يجوز الرجوع، إذ في باب الهبة المجانية عرفنا أنه مع التصرف في العين لا يجوز للواهب الرجوع، والمدرك في ذلك هو صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام: - ( إذا كانت الهبة قائمةً بعينها فله أن يرجع وإلا فليس له )[2] .

فإذاً مادامت العين قائمة يجوز الرجوع، ومع تلفها لا يجوز الرجوع، وكذلك لا يجوز الرجوع مع التصرف المغيّر لها بحيث لا يصدق عليها أنها قائمة،.إذاً ما ذكره الشيخ النائيني(قده) لا يتم في صورة حصول تغير في العين بحيث لا يصدق أنها قائمة، فدليله أخص من المدّعى.

ثانياً: - إنَّ ما ذكره لا يتم في حالة ما لو كان البائع الفضولي رحماً للمشتري، لأنَّ من أحد الموارد التي لا يجوز فيها الرجوع في الهبة هي حالة ما إذا كانت الهبة لذي الرحم.

فإذاً ما أفاده لا ينفع في تمام الدائرة التي نريدها، وإنما ينفع في مقدارٍ منها.

والانسب أن يقال في مقام توجيه جواز الرجوع: - إنه تارة نفترض أنَّ عين الثمن باقية، وأخرى نفترض أنها تالفة، فإن كانت تالفة فهذا ما سيأتي الحديث عنه في القضية الثالثة من هذه المسألة، وإن كانت عين الثمن قائمة فيجوز الرجوع، باعتبار أنَّ المشتري قد دفع الثمن وملّكه وسلّط البائع عليه ليس مجاناً وإنما مقابل تمليك البائع المثمنَ للمشتري، يعني بتعبيرٍ آخر إنَّ البائع بانٍ على أنه مالك والمشتري أيضاً بانٍ على أنه مالك، ولكن المشتري يشعر بأنه بناء فاسد وغير صحيح ولكن بالتالي يوجد بناء، فالمشتري حينما دفع الثمن إلى للبائع فهو لم يدفعه مجاناً، وإنما دفعة في مقابل تمليك المثمن، وحيث إنَّ هذه المعاملة - بين الغاصب وغيره - باطلة، لأنَّ مجرد هذا البناء من طرف الغاصب لا يصحح المعاملة، فإذاً هي في حكم العدم، وبالتالي التملك للثمن لم يتحقق بسببٍ شرعي صحيح، وإنما تحقق ببناءٍ من الطرفين ولكنه بناء غير ممضي شرعاً، فتكون المعاملة باطلة، وبالتالي لم يحصل نقل وانتقال شرعاً، والعين باقية وليست تالفة، ومادامت العين باقية فحينئذٍ يجوز للمشتري أن يرجع، باعتبار أنه لم يتحقق وانتقال شرعي والعين باقية، فلا نحتاج حينئذٍ إلى الاستعانة بفكرة الهبة المجانية أو غير ذلك كي يرد ما يرد، وهذا هو واقع الحال، فحينئذٍ يجوز للمشتري أن يرجع على البائع الفضولي مادامت العين باقية، لفرض أنَّ التمليك ليس تمليكاً شرعياً وليس ممضي من قبل الشرع، وكل عوضٍ يكون باقياً على ملك مالكه، فيجوز حينئذٍ الرجوع بعد عدم تحقق النقل والانتقال.

القضية الثانية: - هل يجوز للبائع أن يتصرف في الثمن؟

تكلم الشيخ الأعظم(قده) عن ذلك بجملة قصيرة حيث قال:- ( فيه وجهان بل قولان أقواهما العدم لأنه أكلٌ للمال بالباطل ([3] ، فإذاً الشيخ لم يجوّز للبائع أن يتصرف في الثمن.

هذا ويمكن أن يقال:- إنَّ المشتري حينما دفع الثمن إلى البائع فتارة يفترض أنه جاهل بكونه غاصباً وفضولياً، فهنا يصدق كونه أكلاً للمال بالباطل، لأنَّ المشتري يتخيّل أنَّ البائع مالكاً فحينئذٍ لا يجوز للبائع أن يتصرّف في الثمن، ولكن كلامنا ليس في صورة الجهل وإنما في صورة العلم، والمفروض أنَّ المشتري يعلم بأنَّ البائع فضولي ورغم ذلك دفع إله الثمن وأذن له بالتصرف، وبعد إذنه له بالتصرف في الثمن فحينئذٍ يجوز للبائع الفضولي أيتصرّف في الثمن، كما هو حاصل بين غير المتدينين، وإن كان لا يجوز للمشتري أن يتصرف في المبيع لأنه غصبي فضولي، ولكن البائع الفضولي يجوز له أن يتصرّف في الثمن مادام قد أذن المشتري له، نعم لو فرض أنه دفع الثمن إلى الغاصب بشرط إجازة المالك فهذا معناه أنه وضعه بيده أمانه، ولكن هذه الفرضية ليست موجودة، أما إذا فرض أنه لم يعتنِ بالمالك وإنما القضية بقيت منحصرة بين المشتري والفضولي من دون اعتناءٍ بالمالك فيمكن أن يقالب الجواز لما أشرنا إليه.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo