< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

41/05/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 75 ) ضمان القيمة يكون على أي زمان؟ – شروط المتعاقدين.

هذا ولكن الشيخ التبريزي(قده) ذهب إلى أنَّ الذمة لا تكون مشغولة بنفس العين - خلافاً للسيد اليزدي(قده) - وإنما هي مشغولة بالمثل أو القيمة كما هو المعروف: - واستدل على ذلك ببيان مركب من مقدمتين: -

الأولى: - إنَّ الضمان له معنى واحد في جميع الموارد، فهو ليس من ذوات المعاني المتعددة، فهو في مورد الغصب وفي مورد البيع الفاسد وغير ذلك معنىً واحد.

الثانية: - لو رجعنا إلى باب القرض نجد أنَّ الضمان ليس بنفس العين وإنما الضمان بالمثل أو القيمة، فأنا حينما أقرض شخصاً ففي زماننا المتعارف القرض يكون للنقود أما غير النقود فلا، والحال أنَّ القرض ليس مختصّاً بالنقود، فأقول لك أقرضني عباءةً أو أقرضني خاتماً بمواصفات كذا وكذا فهذا قرضٌ أيضاً، وحينئذٍ سوف أقرضك عباءةً بالمواصفات الكذائية، وعليه فسوف تكون العباءة ملكاً للمقترض ولكن المقترض يضمن البدل من المثل أو القيمة، فإنَّ كانت العباءة مثلية فسوف يضمن لي مثلها في الموعد المقرر حتى لو كانت العباءة التي اقترضها موجودة فإنه ليس من اللازم أن يرجعها بنفسها وإنما صارت ملكه بالقرض فيجوز له أن يعطي البدل، فإن كان مثلياً فأعطيه المثل وإذا كان قيمياً فأعطيه القيمة.

فإذاً الضمان في باب القرض تصر العين ملكاً للمقترض والضمان يتعلق بالمثل أو القيمة، فإذا ثبت في باب القرض أنَّ الضمان يتعلق لا بنفس العين إذ العين صارت ملكاً للمقترض وإنما يتعلق بالمثل أو القيمة ثبت ذلك في بقية الأبواب ومنها موردنا، من باب أنَّ الضمان له معنىً واحد.

وكان المناسب له أن يرد ما أفاده السيد اليزدي(قده) أوّلاً ثم يذكر رأيه، ولعله لوضوح ضعف السند لم يرد قول السيد اليزدي(قده).

ويرد عليه:- إنَّ الضمان في باب القرض هو بمعنى اشتراط الضمان، ومن الواضح أنه حينما اشترط الضمان بعد تمليك العين هو ضمان المثل أو القيمة، فهو ضمان بسبب الاشتراط، والذي يثبت بسبب الاشتراط هو المثل أو القيمة للقرينة الموجودة، حيث إنَّ العين المقترضة صارت ملكاً للمشترط فحينما يشترط فلابد أن يكون المقصود هو المثل أو القيمة، بينما محل كلامنا هو في الضمان الذي لا يكون بشرط وإنما يكون بسبب الاتلاف أو التلف أو العقد الفاسد أو بسبب آخر، فالمهم أنه ليس بسبب الاشتراط، فإن كان بسبب الاشتراط فنفس الاشتراط يصير قرينة على أنَّ المقصود هو المثل أو القيمة، بينما محل كلامنا لا يوجد شرط فالضمان بم يتعلق؟!!

وبالتالي لا نسلّم ما أفاده في المقدمة الأولى ، فنحن لا نسلّم بأن الضمان في جمع الموارد هو بمعنىً واحد، وإنما نفصّل بين ما إذا كان بسبب الاشتراط فالمقصود هو الضمان بالمثل أو القيمة، وأما إذا كان بسبب الإتلاف أو التلف أو بعقد فاسدٍ أو ما شاكل ذلك فهنا يتم ما أفاده، فنحن نسلّم أنَّ ما كان بغير الاشتراط الضمان فيه في جميع الموارد يكون بمعنىً واحد، أما ما كان بالاشتراط أيضاً هو بنفس المعنى فهذا أوّل الكلام، وإنما هو ضمانٌ بشكلٍ آخر، وهو ليس ضماناً بالمعنى الشرعي، وإنما هو ضمانٌ ثبت بسبب الاشتراط وليس بسبب العقد الفاسد أو ما شاكل ذلك.

والخلاصة من كل هذا: - المناسب لمقتضى القاعدة هو أنَّ الضمان يكون لنفس العين، وبالتالي يكون المدار على قيمة العين يوم الأداء، فحيث لا يمكن أداء العين والذمة قد اشتغلت بها رغم أنها تالفة فينتقل إلى قيمة يوم الأداء، وفاقاً للسيد اليزدي(قده) ولكن نختلف معه في الطريق.

الكلام بمقتضى النص الشرعي: -

والنص في المقام هو صحيحة أبي ولّاد، حيث يتمسّك بها على اثبات أنَّ المدار على قيمة يوم المخالفة، وهي تأتي في المغصوب، ولكن نلحق به المقبوض بالعقد الفاسد من باب الجزم بعدم الخصوصية، فحينئذٍ نتمسّك بها في العقد الفاسد بعد ضم هذه الضميمة وهي أنه عند الأصحاب لا فرق بين باب الغصب وبين المقبوض بالعقد الفاسد، وقد ادعى ابن إدريس أنَّ الأصحاب لا يرون فرقاً من هذه الناحية حيث قال:- ( أن البيع الفاسد عند أصحابنا بمنزلة الشيء المغصوب إلا في ارتفاع الاثم عن امساكه )[1] ، وهذه قضية ليست مهمة، ولنلاحظ كيف تدل الصحيحة على المطلوب وأنَّ المدار على يوم المخالفة.

وقد نتمسّك بفقرتين من هذه الصحيحة لإثبات المطلوب، وهي:- محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد[2] عن ابن محبوب عن أبي ولاد الحنّاط قال:- ( اكتريت بغلاً فقلت لأبي عبد الله عليه السلام:- ..... فما ترى أنت؟ فقال: - ......... فقلت له: - أرأيت لو عطب البغل [ ونفق ][3] [ أو نفق ][4] أليس كان يلزمني؟ قال:- نعم قيمة بغل يوم خالفته، قلت:- فإن أصاب البغل كسر أو دبر أو غمز، فقال:- عليك قيمة ما بين الصحة والعيب يوم تردّه عليه، فقلت:- من يعرف ذلك؟ قال:- أأنت وهو إما أن يحلف هو على القيمة فيلزمك فإن ردَّ اليمين عليك فحلفت على القيمة لزمه ذلك أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أن قيمة البغل حين اكتري كذا وكذا فيلزمك )، والفقرة الأولى للاستشهاد هي ( قيمة بغل يوم خالفته )، والفقرة الثانية هي ( أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أن قيمة البغل حين اكتري كذا وكذا ).

ولو قلت: - إن هذه الفقرة تدل عل الضمان حين الاكتراء وليس يوم المخالفة؟

قلت: - سيأتي توجيه ذلك.

والكلام في الفقرة الأولى: - وتقريب الاستدلال بها يكون ببيانين: -

البيان الأول: - أن يقال إنَّ كلمة ( يوم ) متعلقة ومرتبطة بكلمة ( قيمة )، فيصير المقصود هو ( قيمة يوم المخالفة ).

البيان الثاني: - أن نقول إنَّ كلمة ( يوم المخالفة ) ليس متعلقاً بكلمة ( قيمة )، بل بالاختصاص بين قيمة وبغل، يعني ( قيمة بغل )، يعني القيمة المختصّة بالبغل، وكلمة ( يوم ) متعلقة بالمختصة أو الاختصاص التي هي مقدرة، والمقدّر في حكم الموجود.

أما البيان الأول وهو أنَّ الظرف - ( يوم ) - يكون مرتبطاً بالقيمة فيتم بيانه بأحد تقريبين:-

التقريب الأول: - أن يكون المورد من تتابع الإضافات، يعني أنَّ كلمة ( قيمة ) مضافة إلى ( بغل ) و( وبغل ) مضاف إلى ( يوم )، فتصير الجلمة ( قيمةُ بغلِ يومِ المخالفة )، فـ( يوم ) ارتبط بالقيمة لكن بنحو تتابع الإضافات، يعني توجد اضافتان، فقيمة مضافة إلى بغل، وبغل مضاف إلى الظرف.

التقريب الثاني: - أن نقول إنَّ كملة ( قيمة ) هي كلمة واحدة تضاف إلى ( بغل ) وفي نفس الوقت تضاف إلى ( يوم )، يعني ( قيمة بغل قيمة يوم ).


[2] وأحمد بن محمد هو إما ابن عيسى أو ابن خالد والاثنين ثقة.
[3] هذا هو الموجود في الكافي.
[4] هذا هو الموجود في التهيب والاستبصار، والمناسب هو الواو لأن نفق وعطب واحد فلا معنى للعطف بـ( أو ) وإنما العطف يكون بالواو فيكون عطف تفسير.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo