< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

41/04/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 73 ) حكم المال الذي باعه الفضولي عند عدم تحقق الاجازة من مالكه – شروط المتعاقدين.

الحكم الثالث: - ضمان العين المقبوضة بالعقد الفاسد.

ذكر الشيخ الأعظم(قده)[1] :- ( أنَّ الضمان هو المعروف بين الأصحاب بل ادعى عليه شيخ الطائفة الاجماع )، ثم قال ( ويمكن أن يستدل بوجهين )، وبعد ذلك ذكر في ثنايا كلامه شيئاً يصلح أن يكون دليلاً ثالثاً وهو التمسك بقاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، ولكننا نتركه لأننا ذكرناه في المسألة ( 57 ) ونقتصر بشكلٍ موجز على الدليلين:-

الدليل الأول: - قاعدة عبلى اليد.

الدليل الثاني: - رواية الأمة المسروقة، وهي مرسلة جميل بن دراج عن بعض أصحابنا.

أما بالنسبة إلى قاعدة على اليد ما أخذت حتى تؤدي: - فقد سكت الشيخ الأعظم(قده) عن سندها، وبحث في دلالتها فقط حيث قال:- إنه يمكن أن نقول هي تدل على الضمان رغم أن كلمة ( الضمان ) لم ترد في الحديث وإنما الوارد هو ( على اليد ما أخذت حتى تؤدي )، فإنَّ الظرف هنا قد أسند إلى الذات دون الاسناد إلى المكلف مثل التحفّظ، فيجب على اليد التحفّظ، فالتحفظ فعلٌ من أفعال المكلف، فهنا يكون الحديث ظاهراً في الحكم التكليفي يعني يجب على اليد التحفّظ، ولكن حيث لم يسند الظرف إلى فعلٍ من أفعال المكلف وإنما اسند إلى الذات - وهي ( ما ) الموصولة - فـ ( على اليد ما أخذت ) يعني الذي أخذته، والذي أخذته هو عين من الأعيان، فأسند الظرف إلى عينٍ من الأعيان فيكون ذلك ظاهراً في ثبوت الضمان.

وأما مرسلة جميل: - وهي رواية الشيخ بإسناده عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام: - ( في رجل اشترى جارية فأولدها فوجدت الجارية مسروقة، قال:- يأخذ الجارية صاحبها ويأخذ الرجل ولده بقيمته )[2] .

وتقريب الدلالة: - هو بلحاظ جملة ( ويأخذ الرجل ولده بقيمته )، والمقصود من الرجل هنا هو المشتري، فيأخذ المشتري ولده، ولكن يقدّر قيمته لو كان عبداً فيدفعها إلى صاحب الجارية، فتقريب الدلالة هي أنَّ الرواية دلت على ضمان المشتري للنماء في هذا البيع الفاسد، فإنَّ هذا البيع فاسد لأنه بيع لشيء مسروق وقد حكمت الرواية بأنَّ المشتري يضمن النماء بالقيمة، فإنَّ الولد نماء وقد حكمت الرواية بأن يأخذ المشتري النماء - الولد - ولكن يدفع قيمة الولد للمالك المسروق منه الجارية، وهذا ضمان للنماء، وضمان النماء يدل بالأولوية على ضمان العين لو حصل فيها تلف.

نعم قد يقول قائل: - إنه يوجد إشكال: وهو أنَّ المورد مورد الاتلاف وليس مورد التلف، وكلامنا هو فيما لو حصل تلف من دون اتلاف، كما لو فرض أنَّ المبيع مات فهذا تلف، ومرة المشتري يضرب المبيع بسكين فيقله فهذا اتلاف، ففي حالة الاتلاف الضمان ليس باليد وإنما بالاتلاف، فمن أتلف مال الغير فهو له ضامن، وهذا خارج محل كلامنا، إنما محل كلامنا في الضمان بالعقد الفاسد، أي من دون اتلاف، وهنا يحتمل أن يكون الضمان من باب الاتلاف وليس من باب التلف، وحديثنا في باب التلف، فلو كان المورد من باب تلف النماء وحكم الامام عليه السلام بالضمان فسوف يدل بالأولوية على ضمان الأصل، أما إذا كان المورد فيه اتلاف فلا يدل على ضمان العين لو تفلت بنفسها، لأنَّ هذا اتلاف للنماء والضمان بإتلاف النماء لا يستوجب ضمان العين لو تلتفت بنفسها.

وحاول الشيخ الأعظم(قده) التغلب على هذه المشكلة فقال: - إنه لم يتلفه وإنما أولده حراً فهو في حكم التالف وليس في حكم الاتلاف.

ونحن نقول: -

أما بالنسبة إلى قاعدة على اليد:- فكان من المناسب له الإشارة إلى سندها، ولا أقل التعرض لها وذكر شيء في مقام التغلب على مشكلة ضعف السند كأن يقول إن عمل الأصحاب جابر لها أو غير ذلك.

وعلى أيّ حال الرواية لم ترد في كتبنا الحديثية الأربعة وغيرها من الكتب المعروفة، وإنما ذكرها الميرزا حسين النوري في المستدرك[3] عن أبي الفتوح الرازي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأبي الفتوح لم يذكر سنده إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك رواها صاحب المستدرك عن عوالي اللآلي[4] ، فالرواية ذات سند ضعيف كما هو واضح.

نعم ربما يقال: - هي منجبرة برواية الأصحاب - إن كانت شهرة روائية -، أو بعملهم - إذا كانت شهرة فتوائية على طبقها -.

ولكن يرده: - إنَّ الأصحاب الذين عليهم الاعتماد وهم المتقدمون كالشيخ الطوسي وما قبله، وهؤلاء لم يذكروها ولم تعملوا بها، فلو كانوا من العاملين بها لذكروها، وإنما ذكرها والتمسّك بها كان من قبل المتأخرين كالعلامة والشيخ الأعظم وغيرهما، ولكن عملهم لا ينفع لأنهم من المتأخرين.

وعلى تقدير أنه اشتهر العمل بها أو روايتها فلعل ذلك من باب أن مضمونها عقلائي، فيتسامح بها في بهذا الاعتبار ما لا يتسامح في غيرها، فهم نقلوها وعملوا بها لأنه يوجد في ذهنهم ثبوت الضمان ولكن أعوزهم اللسان، فهم لم يقولوا ( ويدل عليها الارتكاز العقلائي غير المردوع عنه )، فلعل هذا الارتكاز كان موجوداً في أذهانهم وإن لم يبرزه غفلة أو غير ذلك هو الذي سهل عليهم الأمر ونقلوها أو تمسكوا بها، فإذاً حتى لو اشتهر نقلها أو التمسك بها مع ذلك يمكن أن يقال إنَّ هذا الا ينفع، لأنَّ مضمونها مضمون عقلائي ولا ردع عنه فلا ينفع مثل هذه الشهرة.

وأما من حيث الدلالة: - فرب قائل يقول: إنه بالتالي لابد أن نقدّر شيئاً هنا وإلا فالعبارة ليست مستقيمة من دون تقدير، فلابد أن نقدّر مع ( على اليد ما أخذت ) شيئاً، فإما أن نقدّر التحفّظ مثلاً والذي هو فعل من أفعال المكلف، أو أن نقدّر الضمان، ومع الاجمال تسقط الرواية عن صلاحية التمسك بها، إذ لعل المقدّر هو التحفّظ وهو فعل من أفعال المكلف، فتدل الرواية حينئذٍ على الوجوب التكليفي دون الحكم الوضعي.

اللهم إلا أن يقول قائل: - إنَّ نفس حذف كلمة الضمان وإضافة ( على اليد ) أي الظرف إلى ( ما ) هو بنفسه يدل عرفاً على أنَّ المقصود هو بيان الضمان، فهو لا يحتاج إلى بيان مادامت النسبة إلى الذات، وإنما الذي يحتاج إلى بيان هو إرادة التحفّظ، وحيث لم يبيّن ذاك فهذا بنفسه يكون موجباً عرفاً للدلالة على الضمان، فإن تم هذا فسوف تكون دالة على الضمان تامة، ولكن سندها ضعيف كما قلنا.

وأما بالنسبة إلى رواية الأمة المسروقة: - فالكلام تارة يقع في سندها، وأخرى في دلالتها: -

أما السند: - فالمفروض أنها مرسلة، فهي ( عن بعض أصحابنا ) فتكون ساقطة عن الاعتبار، اللهم إلا أن يقال إنَّ المضمون الوارد فيها موجود في روايات أخرى، فعلى هذا الأساس لا تحصل لدينا مشكلة.

وأما من حيث الدلالة: - فيرد على دلالتها ما يلي: -

أولاً: - إنَّ موردها السرقة، ولعله في باب السرقة يشدد الأمر بينما محل كلامنا هو في المقبوض بالعقد الفاسد من دون سرقة، فثبوت ضمان النماء في باب السرقة لا يدل على ثبوته أيضاً في غير مورد السرقة، ولا توجد ملازمة عرفية بين الموردين.

ثانياً:- إنَّ الحكم تعبّدي، فأخذ الولد بقيمته حكم تعبّدي، وإلا فالمناسب للقاعدة هو ضمان منافع الجارية، فأيَّ مقدار انتفع بها تقدّر قيمة تلك المنافع ويضمن للمالك، أما أن يكون الولد مضموناً فهذا مخالف للقاعدة، إذ هذا نظير من بذر بذره في أرض الغير فإنَّ الزرع يكون لصاحب البذر، ولا يضمن صاحب البذر شيئاً، وإنما يضمن مقدار استفادته من العين، وهنا من المناسب أن يكون الأمر كذلك، لأنَّ القاعدة تقتضي ذلك، فالقاعدة تقتضي أنه يضمن مقدار ما أتلف من المنافع، أما الولد فهو نماءه، فلا معنى لضمانه، فحينئذٍ يصير الحكم تعبّدياً، ومادام تعبّدياً فيقتصر على مورده ولا يعمم إلى كل عقد فاسد.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo